المَطلَبُ الثَّاني: آدابُ المُريدِ
وضَع المُتَصَوِّفةُ آدابًا أوجَبوها على المُريدِ والسَّالِكِ في الطَّريقِ الصُّوفيِّ، ومِن ذلك:
1- لا تُخالِفِ الشَّيخَ مطلَقًا فيما يَأمُرُك به:ويَجِبُ أن تَكونَ موافَقةُ الشَّيخِ بالقَلبِ والجَوارِحِ، فلا إنكارَ ولا مُخالَفةَ لشَيءٍ مِمَّا يَقولُه مطلَقًا، ولا اعتِراضَ عليه بلِسانٍ أو بقَلبِ، وشِعارُهم دائمًا: (كُنْ بَينَ يَدَي شَيخِك كالمَيِّتِ بَينَ يَدَي الغاسِلِ)
!
قال القُشَيريُّ في بَيانِ ما يَجِبُ على المُريدِ: (وأن لا يُخالِفَ شَيخَه في كُلِّ ما يُشيرُ عليه)
.
وقال أيضًا: (ومِن شُروطِه أن لا يَكونَ بقَلبِه اعتِراضٌ على شَيخِه)
.
2- لا يَجوزُ الإنكارُ على شُيوخِ التَّصَوُّفِ أبدًا ولو كان مَعَ المُنكِرِ دَليلٌ:قال أحمَدُ بنُ مُبارَكٍ السِّجِلماسيُّ فيما يَرويه عن شَيخِه عبدِ العزيزِ الدَّبَّاغِ: (اعلَمْ -وفَّقَك اللهُ- أنَّ الوَليَّ المَفتوحَ عليه يَعرِفُ الحَقَّ والصَّوابَ، ولا يَتَقَيَّدُ بمَذهَبٍ مِنَ المَذاهِبِ، ولَو تَعَطَّلَتِ المَذاهِبُ بأسرِها لقَدرَ على إحياءِ الشَّريعةِ، وكَيفَ لا وهوَ الذي لا يَغيبُ عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم طَرفةَ عَينٍ؟! ولا يَخرُجُ عن مُشاهَدةِ الحَقِّ جَلَّ جَلالُه في أحكامِه التَّكليفيَّةِ وغَيرِها؟! وإذا كان كَذلك فهوَ حُجَّةٌ على غَيرِه، وليس غَيرُه حُجَّةً عليه؛ لأنَّه أقرَبُ إلى الحَقِّ مِن غَيرِ المَفتوحِ عليه، وحينَئِذٍ فكيف يسوغُ الإنكارُ على مَن هذه صِفَتُه؟ ويُقالُ: إنَّه خالَفَ مَذهَبَ فُلانٍ في كَذا... والأعمى لا يُنكِرُ على البَصيرِ أبدًا)
.
وقال أيضًا شارحًا القَصيدةَ الرَّائيَّةَ في آدابِ المُريدِ:
("فذو العَقلِ لا يَرضى سِواه وإن نَأى
عنِ الحَقِّ نَأيَ اللَّيلِ عن واضِح الفَجرِ"
المَعنى: أنَّ مَن له عَقلٌ سَليمٌ وطَبعٌ مُستَقيمٌ لا يَرضى سِوى شَيخِه، ويَدورُ مَعَه حَيثُما دارَ، وإن بَعُدَ الشَّيخُ في ظاهِرِ الأمرِ عنِ الحَقِّ بُعدًا بَيِّنًا كبُعدِ اللَّيلِ مِنَ الفَجرِ، ويَقولُ: إنَّ للشَّيخِ في ذلك وجهًا مستقيمًا عسى أن يُطلِعَني عليه)
.
وهذا ظاهِرٌ في أنَّه لا يَجوزُ الإنكارُ على الشَّيخِ والخُروجُ عنه، ولو خَرَجَ الشَّيخُ عنِ الحَقِّ، وظَهَرَ ذلك للمُريدِ.
قال أحمَدُ بنُ مُبارَكٍ السِّجِلماسيُّ: (قال مُحيي الدِّينِ العَرَبيُّ رَضيَ اللهُ عنه: ومِن شُروطِ المُريدِ: أن يَعتَقِدَ في شَيخِه أنَّه على شَريعةٍ مِن رَبِّه ونَبيِّه مِنه، ولا يَزنَ أحوالَه بمَسيرَتِه، فقَد تَصدُرُ مِنَ الشَّيخِ صورةٌ مَذمومةٌ في الظَّاهِرِ، وهي مَحمودةٌ في الباطِنِ والحَقيقةِ، يَجِبُ التَّسليمُ، وكم مِن رَجُلٍ أخذ كَأسَ خَمرٍ بيَدِه ورَفعَه إلى فيه، وقَلبَه اللهُ في فيه عَسَلًا! والنَّاظِرُ يَراه شَرِب خمرًا، وهو ما شَرِبَ إلَّا عسلًا! ومِثلُ هذا كَثيرٌ، وقَد رَأينا مَن يُجَسِّدُ روحانيَّتَه على صورةٍ ويُقيمُها في فِعلٍ مِنَ الأفعالِ ويَراها الحاضِرونَ على ذلك الفِعلِ فيه... وهذه كانَت أحوالَ أبي عبدِ اللهِ المُصَلّي المَعروفِ بقَضيبِ البانِ، وقَد رَأينا هذا مِرارًا في أشخاصٍ)
.
وهذا الذي نَقَلَه أحمَدُ بنُ مُبارَكٍ السِّجِلماسيُّ عنِ ابنِ عَرَبيٍّ مُقَرِّرًا ومتَّبِعًا له هو ما عليه عامَّةُ الصُّوفيَّةِ بَعدَ ابنِ عَرَبيٍّ، الذينَ يَعتَقِدونَ أنَّ للشَّيخِ الصُّوفيِّ (الكامِلِ) أن يَفعَلَ ما يَشاءُ مِنَ المَعاصي، ولا حَرَجَ عليه، ولا يَجوزُ أن يَظُنَّ المُريدُ خِلافَ الخَيرِ؛ لأنَّ الخَمرَ التي يَراها المُريدُ خمرًا تَنقَلِبُ عَينُها في الشَّيخِ فتَكونُ له لبنًا أو عسلًا! أو أنَّ الشَّيخَ يُشَكِّلُ نَفسَه على النَّحوِ الذي يَظهَرُ مِنه الفِسقُ والخُروجُ على الشَّريعةِ ليُؤَدِّبَ المُريدينَ ويُعَلِّمَهم أن يَثِقوا بشَيخِهم ولو رَأوه يَفعَلُ منكَرًا!
وقَد ذَكَرَ مُحَمَّد عبد الوهَّابِ البنَّا أنَّه شاهَدَ أباه، وكانَ مِن هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ في الأزهَرِ، يَشتَري قارورةَ الخَمرِ بنَفسِه ويُعطيها لشَيخٍ له في الطَّريقِ، ولمَّا كَلَّمَ مُحَمَّد عبد الوهَّابِ البنَّا أباه في ذلك، قال له: يا بُنَيَّ، إنَّها تَنقَلِبُ في بَطنِ الشَّيخِ فتَكونُ لَبَنًا
!
ولَم يَكتَفِ دَهاقِنةُ الفِكرِ الصُّوفيّ بمِثلِ هذا، بَل وضَعوا آلافَ الحِكاياتِ والرِّواياتِ؛ ليَحمِلوا المُريدينَ حملًا على الِاستِسلامِ لشُيوخِهم مَهما فعَلوا أمامَهم، وأن يُطيعوهم مَهما أمَروهم
.
وقال السِّجِلماسيُّ أيضًا: (وسمِعتُه
رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ: إنَّ الوَليَّ الكَبيرَ فيما يَظهَرُ للنَّاسِ يَعصي وهوَ ليس بعاصٍ، وإنَّما رُوحُه حَجَبَت ذاتَه، فظَهَرَت في صورَتِها، فإذا أخَذَت في المَعصيةِ فلَيسَت بمَعصيةٍ؛ لأنَّها إذا أكَلَت حرامًا مثلًا فإنَّها بمُجَرَّدِ جَعلِها في فيها فإنَّها تَرميه إلى حَيثُ شاءَت، وسَبَبُ هذه المَعصيةِ الظَّاهِريَّةِ شَقاوةُ الحاضِرينَ، والعياذُ باللهِ تعالى، فإذا رَأيتَ الوَليَّ الكَبيرَ ظَهَرَت عليه كَرامةٌ فـاشهَدْ للحاضِرينَ بأنَّ اللهَ تعالى أرادَ بهم الخَيرَ، أو مَعصيةً فاشهَدْ بشَقاوَتِهم، وكما أنَّ أرواحَهم هي التي تَتَوَلَّى كَراماتِهم كذلك هي التي تَتَوَلَّى مَعاصيَهم الظَّاهِرةَ، واللهُ أعلَمُ)
.
ولَم يَكتَفِ أربابُ الفِكرِ الصُّوفيِّ بجَعلِ مَعاصي الشُّيوخِ مِن شُؤمِ مَن يُشاهِدونَها مِنَ النَّاظِرَينِ، بَل جَعَلوا الشَّيخَ رُبَّما تَعَمَّدَ المَعصيةَ خَشيةً على ذاتِه التُّرابيَّةِ أن تَتَحَوَّلَ مِن شِدَّةِ التَّجَلِّي إلى ذاتٍ نورانيَّةٍ، فتَتَلاشى!
قال السِّجِلماسيُّ أيضًا: (وسَمِعتُه رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ: إنَّ الوَليَّ قد يَغلِبُ عليه الشُّهودُ، فيَخافُ على ذاتِه التُّرابيَّةِ مِنَ التَّلاشي، فيَستَعمِلُ أمورًا تَرُدُّه إلى حِسِّه، وإن كان فيها ما يُعابُ عليه؛ مِن بابِ: إذا التَقى ضَرَرانِ ارتُكِبَ أخَفُّهما، فإذا رَآه شخصٌ ارتَكَبَ ذلك الأمرَ ولا يَعلَمُ الوَجهَ الذي ارتَكَبَه لأجلِه، رُبَّما بادَرَ إلى الإنكارِ عليه، فيُحرَمُ بَرَكَتَه، وقَد تَقَرَّرَ في الشَّرعِ -أي في الشَّريعةِ المُطَهَّرةِ- أنَّ العُضوَ إذا أصابَته الأَكِلةُ وخيفَ على الذَّاتِ مِنها فإنَّه يُباحُ قَطعُه لتَسلَمَ الذَّاتُ، مَعَ أنَّ العُضوَ مَعصومٌ، ولَكِنَّه مِن بابِ: إذا التَقى ضَرَرانِ ارتُكِبَ أخَفُّهما، وكذلك الشَّخصُ إذا خافَ على نَفسِه مِنَ الهَلاكِ مِن شِدَّةِ الجوعِ فإنَّه يُباحُ له أكلُ المَيتةِ حَتَّى يَشبَعَ ويَتَزَوَّدَ مِنها)
.
وهذا اعتِذارٌ في غايةِ القُبحِ وكَذِبٌ في غايةِ الوُضوحِ، ومِثلُ هذه الحُجَجِ لا تُناقَشُ؛ لأنَّها لا تَنطَلي إلَّا على سُذَّجٍ أو أُناسٍ فقَدوا عُقولَهم وصَوابَهم!
قال أحمَدُ بنُ مُبارَكٍ السِّجِلماسيُّ: (قال
رَضيَ اللهُ عنه: وإذا أرادَ اللهُ شَقاوةَ قَومِ وعَدَمَ انتِفاعِهم بالوَليِّ سَخَّرَهم الحَقُّ فيما هم فيه مِن قُبحٍ ومُخالَفةٍ، فيَظُنُّونَ أنَّه على شاكِلَتِهم، وليس كذلك، حَتَّى إنَّه يَتَصَوَّرُ في طَورِ وِلايةٍ أن يَقعُدَ الوَليُّ مَعَ قَومٍ يَشرَبونَ الخَمرَ وهوَ يَشرَبُ مَعَهم، فيَظُنُّونَه شارِبَ خَمرٍ، وإنَّما تَصَوَّرَت رُوحُه في صورةٍ مِنَ الصُّوَرِ وأظهَرَت ما أظهَرَت، وفي الحَقيقةِ لا شَيءَ، وإنَّما هو ظِلُّ ذاتِه تحَرَّك فيما تَحَرَّكوا فيه مِثلَ الصُّورةِ التي تَظهَرُ في المِرآةِ؛ إنَّك إذا أخَذتَ بالكَلامِ تَكَلَّمَت، وإذا أخَذتَ في الأكلِ أكَلَت، وإذا أخَذتَ في الشُّربِ شَرِبَت، وإذا أخَذتَ في الضَّحِكِ ضَحِكَت، وإذا أخَذتَ في الحَرَكةِ تَحَرَّكَت، وتُحاكيك في كُلِّ ما يَصدُرُ مِنك، وفي الحَقيقةِ لم يَصدُرْ مِنها أكلٌ ولا غَيرُه؛ لأنَّها ظِلُّ ذاتِك، وليست بذاتِه الحَقيقيَّةِ، فإذا أرادَ اللَّهُ شَقاوةَ قَومٍ ظَهَر الوَليُّ مَعَهم بظِلِّ ذاتِه، وجَعَلَ يَرتَكِبُ ما يَرتَكِبونَ، واللهُ الموَفِّقُ)
.
فأينَ هذا مِن مِثلِ قَولِ اللهِ سُبحانَه وتعالى لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة: 12] ؟!
فانظُر إلى قَولِ اللهِ تعالى:
وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فاشتَرَطَ سُبحانَه طاعةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَعروفِ، علمًا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يَأمُرُ إلَّا بالمَعروفِ، ولَكِن هذا ليَتَعَلَّمَ غَيرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه ليس له أن يَأمُرَ إلَّا بمَعروفٍ، وليس لأحَدٍ أن يُطيعَه إلَّا في مَعروفٍ؛ ولِذلك لمَّا بَعَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَريَّةً، واستَعمَلَ عليهم رَجُلًا مِنَ الأنصارِ وأمَرَهم أن يَسمَعوا له ويُطيعوا، فأغضَبوه في شَيءٍ، فقال: اجمَعوا لي حَطَبًا، فجَمَعوا له، ثُمَّ قال: أوقِدوا نارًا، فأوقَدوا، ثُمَّ قال: ألَم يَأمُرْكم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تَسمَعوا لي وتُطيعوا؟ قالوا: بَلى، قال: فادخُلوها، قال: فنَظَرَ بَعضُهم إلى بَعضٍ، فقالوا: إنَّما فرَرْنا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ النَّارِ، فكانوا كذلك، وسَكَنَ غَضَبُه، وطَفِئَتِ النَّارُ، فلمَّا رَجَعوا ذَكَروا ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال:
((لو دَخَلوها ما خَرَجوا مِنها، إنَّما الطَّاعةُ في المَعروفِ))
.
وتَنبَغي طاعةُ الشَّيخِ حَتَّى فيما لا فائِدةَ مِنه ولا مَعقوليَّةَ له فيما يَبدو للمُريدِ!
قال أحمَدُ بنُ المُبارَكِ: (سَمِعتُ الشَّيخَ رَضيَ اللهُ عنه يَقولُ: جاءَ بَعضُ المُريدينَ لشَيخٍ عارِفٍ، فقال له: يا سَيِّدي، القَبولُ للَّهِ عزَّ وجَلَّ، فقال: نَعَم، ثُمَّ أمَرَه بالمُقامِ عِندَه والعُكوفِ على خِدمَتِه، وأعطاه مِسحاةً "أي فأسًا" في رَأسِها كورةُ حَديدٍ زائِدةٌ لا نَفعَ فيها إلَّا تَثقيلُ المِسحاةِ، وكانَ المُريدُ هو وارِثَ الشَّيخِ بشَرطِ أن لا يَنتَبِهَ لكورةِ الحَديدِ المَذكورةِ، فإنِ انتَبَهَ وقال: ما فائِدَتُها، ولِأيِّ شَيءٍ تَصلُحُ، ولا مَعنى لها إلَّا التَّثقيلُ؟! فإنَّه لا يَرِثُ شيئًا. قال رَضيَ اللهُ عنه: فبَقيَ في خِدمَتِه سَبعَ سِنينَ وهوَ يَخدُمُ بالفَأسِ ولا يَتَحَرَّكُ له عِرقُ وَسواسٍ، ولا هَزَّته عَواصِفُ رياحِ الشَّيطانِ وصارَتِ الكورةُ المَذكورةُ بمَنزِلةِ العَدَمِ الذي لا يُرى ولا يُسمَعُ، فهذه مَسألةُ الصَّادِقينَ الموَفَّقينَ رَضيَ اللهُ عنهم، واللهُ تعالى الموَفِّقُ)
.
3- لا حَرَكةَ ولا سُكونَ للمُريدِ إلَّا بإذنِ الشَّيخِ:فمِن آدابِ المُريدِ الصُّوفيِّ مَعَ شَيخِه أنَّه لا يَجوزُ له أن يَتَحَرَّكَ أو يَسكُنَ، أو يَتَصَرَّفَ في نَفسِه أو مالِه أو زَوجَتِه، أو سَفَرِه أو إقامَتِه إلَّا بإذنِ شَيخِه، وأنَّه لا يَجوزُ أن يَجلِسَ في مَجلِسِه إلَّا بإذنِه، وأن يُظهِرَ قَدَمَه أمامَ شَيخِه، أو يَرفَعَ صَوتَه، أو يَسألَه مِن عِندِ نَفسِه؛ لأنَّ الشَّيخَ أعلَمُ بما في نَفسِ مُريدِه، فلا يَجوزُ أن يَبدَأَ بالسُّؤالِ، أو يَستَفسِرَ عن إشكالٍ، وإنَّما يَنتَظِرُ في كُلِّ ذلك ما يَجودُ به شَيخُه؛ لأنَّه -في زَعمِهم- هو أعلَمُ بحالِه، والمُلاحَظُ أنَّ المُتَصَوِّفةَ قد أخَذوا الحُقوقَ والخُصوصيَّاتِ التي جَعَلَها اللهُ تعالى لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجَعَلوها حَقًّا أيضًا للشُّيوخِ.
ومِن ذلك مثلًا ما يَقولُه صاحِبُ (الرَّائيَّةِ) وما يَشرَحُ به أحمَدُ بنُ مُبارَكٍ:
("ولا تَرفَعوا أصواتَكُم فوقَ صَوتِه
ولا تَجهَروا كَجَهرِ الذي هو في قَفرِ"
يَقولُ، واللهُ أعلَمُ: لا تَرفَعوا أيُّها المُريدونَ أصواتَكُم فوقَ صَوتِ الشَّيخِ؛ فإنَّ ذلك يُخِلُّ بالأدَبِ، ولا تَجهَروا له بالقَولِ كَجَهرِ سُكَّانِ القِفارِ والبَوادي الذينَ مَعَهم جَفاءٌ وجَلافةٌ، ولَكِن عَظِّموه وفَخِّموه، وقولوا له: يا سَيِّدي، ويا أُستاذي، ويا وَليَّ اللهِ، ونَحوَ ذلك، وأصلُ هذا الكَلامِ: الآيةُ الشَّريفةُ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2] ، قال السُّهرَوَرديُّ في العَوارِفِ، رَضيَ اللهُ عنه: ومِن تَأديبِ اللهِ تعالى أصحابَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَولُه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ [الحجرات: 2] كان ثابِتُ بنُ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ في أُذُنِه وَقرٌ، وكانَ جَهْوَريَّ الصَّوتِ، وكانَ إذا تَكَلَّمَ جَهَر بصَوتِه، ورُبَّما كان يُكَلِّمُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَتَأذَّى بصَوتِه؛ فأنزَلَ اللهُ الآيةَ تأديبًا له ولِغَيرِه
، ثُمَّ قال بَعدَ أن ذَكَرَ رِوايةً في سَبَبِ نُزولِها وأنَّها نَزَلَت في مُنازَعةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما بحَضرَتِه، قال: فكانَ عُمَرُ بَعدَ ذلك إذا تَكَلَّمَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُسمَعُ كَلامُه حَتَّى يُستَفهَمَ، وقيلَ: نَزَلَتِ الآيةُ إلى أبي بَكرٍ أن لا يَتَكَلَّمَ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلَّا كَأخفى السِّرِّ
، فهكذا يَنبَغي أن يَكونَ المُريدُ مَعَ شَيخِه؛ فلا يَنبَسِطُ برَفعِ الصَّوتِ وكَثرةِ الضَّحِكِ والكَلامِ إلَّا إذا باسَطَه الشَّيخُ)
.
وقَد غابَ عن هؤلاء الذينَ قَرَّروا لشُيوخِهم ما أمَرَ اللهُ تعالى به تِجاهَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لمَنزِلَتِه الخاصَّةِ، غابَ عنهم أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى قال:
كَجَهْرِ بَعْضِكُم لِبَعْضٍ [الحجرات: 2] فالمُسلِمونَ مِن شَأنِهم أن يَجهَرَ بَعضُهم في الكَلامِ لبَعضٍ، وأمَّا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيَجِبُ أن يَكونَ للمُسلِمينَ مَعَه أدَبٌ خاصٌّ في مُعامَلَتِهم له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
والمُستَشرِقُ الإنجليزيُّ نيكِلسون تَكَلَّمَ كلامًا صحيحًا فيما يَخُصُّ شَخصيَّةَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بَينَما غُلاةُ الصُّوفيَّةِ تاهوا في مُعَمَّياتِهم وسَراديبِهم أثناءَ وصفِهم له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: (إذا بَحَثْنا في شَخصيَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في ضَوءِ ما ورَدَ في القُرآنِ، وجَدْنا الفَرقَ شاسعًا بَينَهما وبَينَ الصُّورةِ التي صَوَّرَ بها الصُّوفيَّةُ أولياءَهم، ذلك أنَّ الوَليَّ الصُّوفيَّ أوِ الإمامَ المَعصومَ عِندَ الشّيعةِ قد وُصِفا بجَميعِ الصِّفاتِ الإلَهيَّةِ، بَينَما وُصِفَ الرَّسولُ في القُرآنِ الكَريمِ بأنَّه بَشَرٌ)
.
4- تَركُ العَهدِ الصُّوفيِّ مِثلُ الرِّدَّةِ:يُؤخَذُ العَهدُ الصُّوفيُّ على المُبتَدِئِ والمُريدِ في أوَّلِ الطَّريقِ بأن يَلتَزِمَ بالدّينِ ويَتوبَ مِمَّا كان عليه ويَقولَ: تُبتُ إلى اللهِ على يَدِ الشَّيخِ فلانٍ، وعاهَدتُ اللَّهَ أن ألتَزِمَ طَريقَتَه، وأن لا أبوحَ بسِرِّه إلَّا بإذنٍ مِنَ الشَّيخِ. وفي هذا الأمرِ قال القُشَيريُّ مبيِّنًا الوَقتَ الذي يُعطى فيه المُريدُ العَهدَ، وأنَّه يَجِبُ عليه التِزامُ الطَّريقِ مَهما حَدَث له مِنَ المَشَقَّاتِ: (وما لم يَتَجَرَّدِ المُريدُ عن كُلِّ عَلاقةٍ لا يَجوزُ لشَيخِه أن يُلَقِّنَه شَيئًا مِنَ الأذكارِ، بل يَجِبُ أن يُقَدِّمَ التَّجرِبةَ له، فإذا شَهِدَ قَلبُه للمُريدِ بصِحَّةِ العَزمِ فحينَئِذٍ يَشتَرِطُ عليه أن يَرضى بما يَستَقبِلُه في هذه الطَّريقةِ مِن فُنونِ تَصاريفِ القَضاءِ، فيَأخُذُ عليه العَهدَ بأن لا يَنصَرِفَ عن هذه الطَّريقةِ بما يَستَقبِلُه مِنَ الضُّرِّ والذُّلِّ والفَقرِ والأسقامِ والآلامِ، وأن لا يَجنَحَ بقَلبِه إلى السُّهولةِ، ويَتَرَخَّصَ عن هُجومِ الفاقاتِ وحُصولِ الضَّروراتِ، ولا يُؤثِرَ الدَّعةَ، ولا يَستَشعِرَ الكَسَلَ؛ فإنَّ وَقفةَ المُريدِ شَرٌّ مِن فترَتِه، والفَرقُ بَينَ الفَترةِ والوَقفةِ أنَّ الفَترةَ رُجوعٌ عنِ الإرادةِ وخُروجٌ مِنها، والوَقفةُ سُكونٌ عنِ السَّيرِ باستِحلاءِ حالاتِ الكَسَلِ. وكُلُّ مُريدٍ وقَفَ في ابتِداءِ إرادَتِه لا يَجيءُ مِنه شَيءٌ، فإذا جَرَّبَه شَيخُه فيَأمُرُ أن يذكُرَ ذلك الِاسمَ بلِسانِه، ثُمَّ يَأمُرُه أن يُسَوّيَ بقَلبِه مَعَ لسانِه، ثُمَّ يَقولُ له: اثبُتْ على استِدامةِ هذا الذِّكْرِ كَأنَّك مَعَ رَبِّك أبدًا بقَلبِك ولا يَجري على لسانِك غَيرُ هذا الِاسمِ ما أمكَنَك)
.
ومَعلومٌ ما في هذه الأُمورِ مِنَ المُخالَفاتِ الشَّرعيَّةِ؛ فالعَهدُ لا يَجوزُ إلَّا على الإسلامِ وعلى بَيعةِ الإمامِ أو على فِعلِ أمرٍ مِن أُمورِ الإسلامِ، لا يُحِلُّ به المُسلِمُ حرامًا ولا يُحرِّمُ حلالًا، وطاعةُ الإمامِ تَجِبُ في المَعروفِ فقَط. أمَّا أن يَختَرِعَ الشَّيخُ للمُريدِ أذكارًا خاصَّةً ويُعاهِدَه على عَدَدٍ مَخصوصٍ وأعمالٍ مَخصوصةٍ، فهذا لم يَأتِ به الشَّرعُ الحَكيمُ، وإنَّما هذا مِن بدَعِ الصُّوفيَّةِ.
ثُمَّ قال القُشَيريُّ أيضًا: (مِن شَأنِ المُريدِ حِفظُ حُدودِه مَعَ اللهِ تعالى؛ فإنَّ نَقضَ العَهدِ في طَريقِ الإشادةِ كالرِّدَّةِ عنِ الدّينِ لأهلِ الظَّاهِر)
.
لقَدِ ابتَدَعَ الصُّوفيَّةُ بدعةَ التَّربيةِ الذَّليلةِ، وجَعَلوا لها قَواعِدَ عامَّةً لتَربيةِ مُريديهم، وكُلُّها تَحومُ حَولَ الخُضوعِ التَّامِّ مِنَ المُريدِ للشَّيخِ، بحَيثُ يَتَحَوَّلُ التِّلميذُ المِسكينُ إلى آلةٍ جَوفاءَ تُرَدِّدُ ما يُقالُ لها بلا تَفكيرٍ ولا شَخصيَّةٍ مُستَقِلَّةٍ، بَلِ انقيادٌ أعمى، وحَتَّى تَتِمَّ هذه التَّربيةُ الذَّليلةُ ألزَموهم بلُبسٍ مُعَيَّنٍ وشَيخٍ مُعَيَّنٍ وطَريقةٍ مُعَيَّنةٍ، وقالوا لهم:
- كُنْ بَينَ يَدَيِ الشَّيخِ كالمَيِّتِ بَينَ يَدَيِ المُغَسِّلِ.
- لا تَعتَرِضْ فتَنطَرِد.
- مَن قال لشَيخِه: لمَ؟ لا يُفلِحُ.
- مَن لم يَكُنْ له شَيخٌ فشَيخُه الشَّيطانُ.
ومَشَت هذه الجَماهيرُ وراءَ شُيوخِهم يُقَبِّلونَ الأيديَ ويَنحَنونَ لهم بالتَّعظيمِ كُلَّما رَأوهم، لا يَتَكَلَّمونَ إلَّا إذا تَكَلَّمَ الشَّيخُ، ويُصَدِّقونَ بكُلِّ ما يَقولُ، ويَحمِلونَ له حِذاءَه وسجَّادتَه، وقَد فلسَفوا كُلَّ هذا في كُتُبِهم تَحتَ عُنوانِ (آدابُ المُريدِ)!
وهذا الأُسلوبُ في تَربيةِ الأتباعِ ليس مستحدَثًا، بل نَقل القُشَيريُّ عنِ الدَّقَّاقِ قَولَه: (... فمَن صَحِبَ شَيخًا مِنَ الشُّيوخِ ثُمَّ اعتَرَضَ عليه بقَلبِه، فقَد نَقَضَ عَهدَ الصُّحبةِ، ووَجَبَت عليه التَّوبةُ، على أنَّ الشُّيوخَ قالوا: حُقوقُ الأُستاذينَ لا تَوبةَ عنها)
.
ولَم يَتَرَبَّ أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه التَّربيةَ الخانِعةَ؛ فكانَ أحَدُهم يَسألُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَحيٌ هذا أم هو الرَّأيُ والمَشورةُ؟ فإن كان الرَّأيُ والمَشورةُ أدلى برَأيِه، كما فعَلَ سَعدُ بنُ مُعاذٍ رَضيَ اللهُ عنه في غَزوةِ الخَندَقِ، عِندَما رَأى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُصالَحةَ قَبائِلِ غَطَفانَ
.
وكانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بقيادَتِه الحَكيمةِ يَستَمِعُ لهم ويُناقِشُهم وُجوهَ الرَّأيِ، ولا يَقولُ لهم: كَيفَ تَعتَرِضونَ عليَّ وأنا رَسولٌ مِن رَبِّ العالَمينَ؟ ومَعَ حُبِّهم الشَّديدِ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كانوا لا يَقومونَ له ولا يُقَبِّلونَ يَدَيه كُلَّما دَخَلَ؛ وذلك لمَعرِفَتِهم أنَّه يَكرَهُ المُبالَغةَ في تَعظيمِ البَشَرِ.
وعَقِلَ الصَّحابةُ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذه التَّربيةَ، فكانَ أوَّلَ ما تَكَلَّمَ به أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه عِندَما تَوَلَّى الخِلافةَ: (وإن أسَأتُ فقَوِّموني)
، وقال: (أيُّ سَماءٍ تُظِلُّني، وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني إذا قُلتُ في كِتابِ اللهِ ما لا أعلَمُ)
، والصُّوفيَّةُ يَقولونَ: الشَّيخُ يُسَلَّمُ إليه طَريقَتُه، وأيُّ طَريقةٍ مَعَ الشَّرعِ؟ وهل أبقَتِ الشَّريعةُ لقائِلٍ قولًا؟
.
فقد خَطَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه النَّاسَ، فقال: (إنّي واللَّهِ ما أبعَثُ إليكُم عُمَّالي ليَضرِبوا أبشارَكم، ولا ليَأخُذوا مِن أموالِكم، ولَكنِّي أبعَثُهم إليكم ليُعَلِّموكم دينَكم وسُنَّةَ نَبيِّكم؛ فمَن فُعِلَ به سِوى ذلك فليَرفَعْه إليَّ؛ فوالذي نَفسي بيَدِه لأُقِصَّنَّه مِنه، فوَثَبَ عَمرُو بنُ العاصِ فقال: يا أميرَ المُؤمِنينَ، أرَأيتَ إن كان رَجُلٌ مِنَ المُسلِمينَ واليًا على رَعيَّةٍ فأدَّب بَعضَهم، إنَّك لتُقِصُّه مِنه؟! فقال: إي والذي نَفسي بيَدِه لأُقِصَّنَّه مِنه، وقد رَأيتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقِصُّ مِن نَفسِه، ألَا لا تَضرِبوا المُسلِمينَ فتُذِلُّوهم، ولا تَمنَعوهم حُقوقَهم فتُكَفِّروهم، ولا تَنزِلوا بهم الغِياضَ فتُضَيِّعوهم
.
وقَد ذَهَبَ بَعضُ العُلَماءِ إلى كَراهيةِ تَقبيلِ اليَدِ مطلقًا كَمالِكٍ؛ قال سُلَيمانُ بنُ حَربٍ: هي السَّجدةُ الصُّغرى
، وعن أنَسِ بنِ مالِك رَضيَ اللهُ عنه قال:
((قُلْنا: يا رَسولَ اللهِ، أيَنحَني بَعضُنا لبَعضٍ؟ قال: لا))
.
وعَقِلَ التَّابِعونَ هذه التَّربيةَ فكانوا يَكرَهونَ (أن تُوطَأَ أعقابُهم)
، وهوَ أن يَمشيَ التَّلاميذُ وراءَ الشَّيخِ، ويَقولونَ: (إنَّها فِتنةٌ للتَّابِعِ والمَتبوعِ)
.
إنَّ الشَّعبَ الذَّليلَ لا خَيرَ فيه، كما ذَكَرَ القُرآنُ الكَريمُ قِصَّةَ بَني إسرائيلَ عِندَما كانوا أذِلَّاءَ تَحتَ حُكمِ فِرعَونَ، فلمَّا أرادَ موسى عليه السَّلامُ إخراجَهم إلى العِزَّةِ والكَرامةِ قالوا له:
فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24] .