موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّاني: عَرضٌ لمَسلَكِهم في خِداعِ أهلِ السُّنَّةِ بتَلاعُبِهم في طَبَعاتِ الكُتُبِ


مِن خِداعِ الشِّيعةِ لأهلِ السُّنَّةِ أنَّهم يتَلاعَبونَ بطَبَعاتِ الكُتُبِ والمُؤَلَّفاتِ، فيحذِفونَ من بَعضِ الطَّبَعاتِ كلماتٍ وأحيانًا فُصولًا كامِلةً مِمَّا يَدينُهم، ويُظهرُ عَقائِدَهمُ الفاسِدةَ، بل وصَل الأمرُ إلى حَذفِ مُجَلَّدٍ كامِلٍ من بَعضِ كُتُبِهم مِمَّا يتَضَمَّنُ الطَّعنَ واللَّعنَ الصَّريحَ للخُلفاءِ الرَّاشِدينَ رَضيَ اللهُ عنهم.
أمثلةٌ على خِداعِ أهلِ السُّنَّةِ في التَّلاعُبِ بطَبَعاتِ الكُتُبِ:
أوَّلًا: حَذفُ وتَغييرُ كَلِماتٍ وعِباراتٍ:
1- في إحدى طَبَعاتِ تَفسيرِ القُمِّيِّ بتَحقيقِ الطَّيِّبِ الموسَويِّ الجَزائِريِّ، رَوى القُمِّيُّ عنِ الصَّادِقِ في تَفسيرِ قَولِ اللهِ تعالى: يَحْلِفُونَ باللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ... [التوبة: 74] أنَّه قال: (لمَّا أقام الرَّسولُ عَليًّا يومَ غديرِ خُمٍّ كان بحذائِه سبعةُ نَفَرٍ من المُنافِقين، وهم: أبو بَكرٍ، وعُمَرُ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ، وسَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وأبو عُبَيدةَ، وسالمٌ مولى أبي حُذَيفةَ، والمغيرةُ بنُ شُعبةَ، قال عُمَرُ: ألا ترون عينَيه كأنَّهما عينا مجنونٍ؟! يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، السَّاعةَ يقومُ ويقولُ: قال لي رَبِّي، فلمَّا قامَ قال: أيُّها النَّاسُ مَن أولى بكم من أنفُسِكم؟ قالوا: اللهُ ورَسولُه، قال: اللَّهمَّ فاشهَدْ، ثُمَّ قال: ألا مَن كُنتُ مَولاه فِعليٌّ مَولاه، وسَلَّموا عليه بإمرةِ المُؤمِنينَ، فنَزَل جبرئيلُ وأعلَمَ رسولَ اللهِ بمَقالةِ القَومِ، فدَعاهم وسَألهم، فأنكروا وحَلفوا، فأنزَل اللهُ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ [التوبة: 74] ) [2476] يُنظر: ((تفسير القمي)) (1/ 301). .
والتَّلاعُبُ حَصَل في كلمةِ (فُلانٍ وفُلانٍ)، وكلمةِ (قال الثَّاني)، فنَفسُ هذه الرِّوايةِ مَوجودةٌ في تَفسيرِ الصَّافي وبحارِ الأنوارِ، ومَذكورٌ فيهما بدلًا من فُلانٍ وفُلانٍ: أبو بكرٍ وعُمَرُ.
ومَن يُدَقِّقِ النَّظَرَ في الطَّبعةِ المَذكورةِ يجِدْ أنَّ كلمةَ فُلانٍ وفُلانٍ مَكتوبةٌ بخَطِّ اليدِ خلافًا لبَقيَّةِ الكِتابِ؛ فإنَّه مَكتوبٌ بحُروفِ الآلةِ الطَّابعةِ!
والنُّسخةُ المَخطوطةُ لتَفسيرِ القُمِّيِّ مَوجودةٌ في دارِ صَدَّام للمَخطوطاتِ، رَقم (144)، وفيها بَدَلَ فُلانٍ وفُلانٍ: أبو بكرٍ وعُمَرُ، وفيها بَدَلَ قال الثَّاني: قال عُمَرُ.
2- في كِتابِ مِرآة العُقول شَرْح كِتاب الكافي للمَجلِسيِّ، شَرَحَ عِبارةً ورَدَت في الحَديثِ رَقم (16) من رَوضة الكافي، وهذه العِبارةُ هي: (مَعَ فُلانٍ)؛ ففي النُّسخةِ المَطبوعةِ قال: (يعني أبا بكرٍ) [2477] ((مرآة العقول)) للمجلسي (25/21). ، وهي في النُّسخةِ المَخطوطةِ هكذا: (يعني أبا بكرٍ عليه اللَّعنةُ) [2478] المخطوطة موجودة في دائرة الآثار والتراث (دار صدام للمخطوطات) برقم (27099). ، أي: أنَّ المُحَقِّقَ حَذَف عِبارةَ المَجلِسيِّ التي لَعَنَ فيها أبا بكرٍ رَضيَ اللهُ عنه.
3- في كِتاب (شوارق النُّصوص) لمُؤَلِّفِه حامِد حُسَين الموسَويِّ حَذَفوا من عُنوانِه ما يتَعَلَّقُ بالطَّعنِ بالخُلفاءِ؛ لأنَّ عُنوانَ الكِتابِ هو: (شوارقُ النُّصوصِ في تَكذيبِ فضائِلِ اللُّصوصِ)، فعَبَّرَ عنِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ رَضيَ اللهُ عنهم باللُّصوصِ، وكذَّبَ في كِتابِه بكُلِّ فضيلةٍ ورَدَت في حَقِّهم، وقد بَيَّنَ وُقوعَ هذا التَّلاعُبِ مُحَقِّقُ الكِتابِ طاهر السَّلاميُّ الشِّيعيُّ في الطَّبعةِ الأولى سَنةَ 1423هـ؛ حَيثُ قال في مُقدِّمَتِه تَحتَ عُنوانِ (هذا المَطبوعُ): (ذَكرَ المُؤَلِّفُ في مُقدِّمةِ كِتابه: «شوارقُ النُّصوصِ في تَكذيبِ فضائِلِ اللُّصوصِ» أنَّه رَتَّبَ هذا الكِتابَ على سِتَّةِ أبوابٍ وخاتِمةٍ، وذَكرَ في البابِ الأوَّلِ ما وضَعوا من فضائِلَ لأبي بكرٍ، وأعقَبَه بالبابِ الثَّاني، وذَكرَ فيه ما وضَعوا من فضائِلَ لعُمرَ، وأردَفهما بالبابِ الثَّالثِ ذاكرًا فيه ما وضَعوه للاثنَينِ معًا، وإلى هنا تَنتَهي أوراقُ الكِتابِ الذي عَمِلْنا عليه، وقد كان اعتِمادُنا في عَمَلِنا هذا على النُّسخةِ الوحيدةِ المُصَوَّرةِ للمَخطوطِ التي تَحمِلُ اسمَ «شوارقُ النُّصوصِ في تَكذيبِ فضائِلِ اللُّصوصِ» المَوجودةِ في مَكتَبةِ آلِ اللهِ المرعشيِّ النَّجَفيِّ، والمُشارِ إليها بالرَّقمِ 314-315-316-317) [2479] ((شوارق النصوص في تكذيب فضائل اللصوص)) (ص: 34). .
4- في كِتابِ (فَدَكٌ في التَّاريخِ) لمُحَمَّد باقِر الصَّدر، اتَّهَمَ فيه عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه بأنَّه هَجَمَ على بَيتِ عَليٍّ وفاطِمةَ رَضيَ اللهُ عنهما، وأحرَقَ البَيتَ عليهم أو كادَ أن يفعَلَ، ومِمَّا جاءَ فيه: (... ثُمَّ أخَذَت تقولُ: يا مَبادِئَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم التي جَرَت في عُروقي مُنذُ وُلِدتُ كما يجري الدَّمُ في العَصَبِ، إنَّ عُمرَ الذي هَجَمَ عليك في بَيتِك المَكِّيِّ الذي أقامَه النَّبيُّ مَركزًا لدَعوتِه قد هَجَمَ على آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه في دارِهم، وأشعَل النَّارَ فيها أو كادَ) [2480] ((فدك في التاريخ)) (ص: 28). .
وفي طَبعةٍ أُخرى لنَفسِ الكِتابِ غَيَّروا كَلِمةَ (عُمَرَ) وكتَبوا: (الرَّجُل) [2481] ((فدك في التاريخ)) (ص: 19). .
ثانيًا: حَذفُ فصلٍ بكامِلِه:
في كِتابِ (تَقريبُ المَعارِفِ) لأبي الصَّلاحِ الحَلبيِّ، خَصَّصَ المُؤَلِّفُ فيه بابًا كاملًا لإبطالِ خِلافةِ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ الثَّلاثةِ رَضيَ اللهُ عنهم، وفيه رِواياتٌ صَريحةٌ بلعنِهم والطَّعنِ فيهم، إلَّا أنَّ الطَّبعةَ التي بتَحقيقِ الأستاديِّ سَنةَ 1404هـ رُفِعَ منها هذا البابُ بكامِلِه، ثُمَّ طُبعَ الكِتابُ سَنةَ 1417هـ بتَحقيقِ فارِس تَبريزيان، وقال في مُقدِّمةِ تَحقيقِه: (كان هذا الكِتابُ قد طُبعَ بتَحقيقِ المُحَقِّقِ الخَبيرِ الشَّيخِ رِضا الأستاديِّ حَفِظَه اللهُ سَنةَ 1404هـ في قُمَّ، ولمُراعاةِ بَعضِ الظُّروفِ آنَذاك حَذَف منه ما يتَعَلَّقُ بإبطالِ خِلافةِ القَومِ، الذي يحتَلُّ نِصفَ الكِتابِ تَقريبًا، مَعَ الإشارةِ إلى أماكِنِ الحَذفِ، فعَزَمْنا على تَتميمِ ما حَقَّقَه الشَّيخُ الأستاديُّ حَفِظَه الله، وتَحقيقِ الكِتابِ وإخراجِه بصورةٍ كامِلةٍ؛ لتَتِمَّ الفائِدةُ، مَعَ وافِرِ احتِرامِنا وتَقديرنا لجُهودِ الشَّيخِ الأستاديِّ الذي لا يزالُ يدأبُ على نَشرِ مَعارِفِ أهلِ البَيتِ عليهمُ السَّلامُ) [2482] ((تقريب المعارف)) للحلبي (ص: 11). .
2- في كِتابِ (بحارُ الأنوارِ) للمَجلِسيِّ عَقدَ بابًا في القدحِ في الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ رَضيَ اللهُ عنهم، وقد نَقلَ أبو الصَّلاحِ الحَلبيُّ البابَ المَذكورَ في كِتابِه (تَقريبُ المَعارِفِ) بكامِلِه، مِمَّا جَعَل مُحَقِّقَ كِتابِ (بحارُ الأنوارِ) عَبدَ الزَّهراءِ العَلويَّ يقولُ: (أقولُ: من هنا لم يُطبَعْ في الطَّبعةِ المُحَقَّقةِ، مَعَ أنَّه ذَكرَ في مُقدِّمةِ الكِتابِ أنَّ هذا القِسمَ مَوجودٌ عِندَ المُحَقِّقِ، ولعَلَّه لمَصالحِه الخاصَّةِ ولحِفظِ مَوقِعيَّتِه السِّياسيَّةِ لم يطبَعْه، وقد ذَكرَ في صَفحةِ 26 في عَدِّه لفِهرِس القِسمِ الثَّاني مِنَ الخَطِّيَّةِ: 74-83 عَينَ ما ذَكرَ هنا، قال: ومِمَّا يقدَحُ في عَدالةِ الخُلفاءِ الثَّلاثةِ ما حُفِظَ... ثُمَّ قال: وفي ذلك البابِ نَحوٌ مَن ثَمانينَ رِوايةً، وفيها رِواياتٌ طَريفةٌ جِدًّا) [2483] ((بحار الأنوار)) للمجلسي (30/378). .
ثالثًا: حَذفُ مجلَّدٍ بكامِلِه:
كِتابُ (بحارُ الأنوارِ) لعَلَّامةِ الشِّيعةِ وخاتِمةِ محدِّثيهم مُحَمَّد باقِر المَجلِسيِّ، ومُجَلَّداتُه 25 مجلَّدًا في الطَّبعةِ الحَجَريَّةِ، وعِندَما طَبَعَه الشِّيعةُ طَبعةً جَديدةً مُحَقَّقةً جَعَلوه 110 مُجَلَّداتٍ، ومِن ضِمنِ مُجَلَّداتِ الطَّبعةِ الحَجَريَّةِ مُجَلَّدٌ كامِلٌ يُسَمَّى مُجَلَّدَ المَطاعِنِ، وهو عِدَّةُ مُجَلَّداتٍ في بَعضِ الطَّبَعاتِ الحَديثةِ المُحَقَّقةِ.
وبما أنَّ مَضمونَ هذا المُجَلَّدِ ظاهرٌ من عُنوانِه (المَطاعِن)، فقد مَلأه مُؤَلِّفُه بالطَّعنِ واللَّعنِ للخُلفاءِ رَضيَ اللهُ عنهم، فلم يطبَعْه الشِّيعةُ في بَعضِ الطَّبَعاتِ، وقد اعتَرَف بوُقوعِ التَّلاعُبِ بطَبَعاتِ كِتابِ (البِحار) مُحَقِّقُ الكِتابِ عَبدُ الزَّهراءِ العَلويُّ الذي قال: (وكان أن خُصِّصَ لهذا المُجَلَّدِ -في طَبعَتِه الجَديدةِ- الأجزاءُ 28-34، ولكِنْ بَعدَ طَبعِ المُجَلَّدِ الثَّامِنِ والعِشرينَ منه تَرَك بَقيَّةَ الأجزاءِ، وشَرَعَ بطَبعِ المُجَلَّدِ الخامِسِ والثَّلاثينَ مُهمِلينَ بَقيَّةَ الأجزاءِ من هذا المُجَلَّدِ، وقد طُبعَت أخيرًا الأجزاءُ الثَّاني والثَّلاثونَ والثَّالثُ والثَّلاثونَ والرَّابعُ والثَّلاثونَ بواسِطةِ وِزارةِ الثَّقافةِ والإرشادِ الإسلاميِّ في إيرانَ بتَحقيقِ الحاجِّ الشَّيخِ مُحَمَّد باقِر المَحموديِّ، ولنا عليه عِدَّةُ مُلاحَظاتٍ ومُؤاخَذاتٍ، مَعَ ما قامَ فيه من تَصَرُّفٍ أو حَذفٍ وتَغييرٍ، فما أجمَل قَولَ شَيخِنا الطِّهرانيِّ في ذَريعَتِه 25/356-357 عِندَ حَديثِه في استِدراكاتِه على طَبعِ دَورةِ البحارِ على الحُروفِ في 110 مُجَلَّداتٍ، قال: بَعدَ إسقاطِ بَعضِ أقسامِه تَحتَ ضَغطِ التَّيَّارِ المُتَسَنِّنِ الدَّاعي إلى الاتِّحادِ من جِهةٍ واحِدةٍ، ففي الوقتِ الذي أُلِّفت فيه مِئاتُ المُصَنَّفاتِ والمَقالاتِ -جاوزَتِ الثَّمانمِائةِ في العَصرِ الحاضِرِ- ضِدَّ الشِّيعةِ، وما من تُهمةٍ وفِريةٍ إلَّا وألصَقوها بهم، وما من أُكذوبةٍ إلَّا وقَذَفوهم بها، وها هي تَترى عليها اللَّكَماتُ والصَّفَعاتُ من كُلِّ جانِبٍ، ونُسِبَت إليهم عَشَراتُ الاتِّهاماتِ والافتِراءاتِ، نَجِدُها قد حُكمَ عليها ألَّا تقولَ كلمَتها ولا تَنبِسَ ببِنتِ شَفةٍ! نَعَم، لقد تَكالبَت أيدٍ مَريضةٌ طَورًا، وبَسيطةٌ أُخرى، ومُجرِمةٌ ثالثةً مَعَ ما كان للسُّلطةِ الحاكِمةِ آنَذاك من دَورٍ قَذِرٍ، وجَورٍ مُستَمِرٍّ، ومُحاباةٍ للظَّالمينَ، أنَّ حَرَمَت هذه المُجَلَّداتِ من أن تَرى النُّورَ، وتَظهَرَ إلى السَّاحةِ؛ إذ تَجِدُ دَورة البحارِ -بأجزائِها المِائةِ وعَشرةٍ ويا للأسَفِ- مُبتَزَّةً عنها واسِطةُ العِقدِ، مَسلوبٌ من صَدَفِها دُرُّها وجَوهَرُها) [2484] يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (29/17-18). .



انظر أيضا: