المطلَبُ الرَّابعُ: الدَّولةُ الفاطِميَّةُ وسَعيُها في مَحوِ السُّنَّةِ ونَشرِ التَّشَيُّعِ
الدَّولةُ الفاطِميَّةُ التي قامَت في المَغرِبِ ثُمَّ تَوسَّعَت إلى مِصرَ كانت دَولةً باطِنيَّةً شيعيَّةً
، وبَذَلت جُهودًا في مَحوِ السُّنَّةِ ونَشرِ التَّشَيُّعِ في مِصرَ والمَغرِبِ، وكانت خُطَّتُها المُتَّبَعةُ أنَّه في حالِ غيابِ دَولتِهم يتَوزَّعُ الدُّعاةُ سِرًّا ليقوموا بالدَّعوةِ إلى مَذهَبِ الإسماعيليَّةِ
الشِّيعيِّ، وفي حالِ قيامِ دَولةٍ لهم فإنَّهم يجعَلونَ الدِّينَ الرَّسميَّ للدَّولةِ هو المَذهَبَ الشِّيعيَّ.
قال
ابنُ كثيرٍ: (كان الفاطِميُّونَ أغنى الخُلفاءِ وأكثَرَهم مالًا، وكانوا من أعتى الخُلفاءِ وأَجبرِهم وأظلَمِهم، وأنجَسِ المُلوكِ سِيرةً وأخبَثِهم سَريرةً؛ ظَهَرَت في دَولتِهمُ البدَعُ والمُنكراتُ، وكثُرَ أهلُ الفسادِ، وقَلَّ عِندَهمُ الصَّالحونَ مِنَ العُلماءِ والعُبَّادِ، وكثُرَ بأرضِ الشَّامِ النُّصَيريَّةُ والدَّرزيَّةُ والحُشَيشيَّةُ، وتَغَلَّب الفِرِنجُ على سَواحِلِ الشَّامِ بكمالِه؛ حتَّى أخَذوا القُدسَ ونابُلُسَ وعَجلونَ والغَورَ وبلادَ غَزَّةَ وعَسقَلانَ وكَرَكَ الشَّوْبكِ وطَبَريَّةَ وبانْياسَ وصُورَ وعَثْليثَ وصَيدَا وبَيروتَ وعَكَّا وصَفَدَ وطَرابُلُسَ وأنطاكيَةَ وجَميعَ ما والى ذلك إلى بلادِ آياسَ وسِيسَ، واستَحوذوا على بلادِ آمِدَ والرُّها ورَأسِ العَينِ، وبلادٍ شَتَّى غَيرِ ذلك، وقَتَلوا خَلقًا لا يعلمُهم إلَّا اللهُ، وسَبَوا من ذَراريِّ المُسلمينَ مِنَ النِّساءِ والولدانِ ما لا يُحَدُّ ولا يُوصَفُ، وكادوا أن يتَغَلَّبوا على دِمَشقَ، ولكِنْ صانَها اللهُ بعِنايتِه وسَلَّمَها برِعايتِه، وحينَ زالت أيَّامُهم وانتَقَضَ إبرامُهم أعادَ اللهُ هذه البلادَ كُلَّها إلى أهلِها مِنَ السَّادةِ المُسلمينَ، ورَدَّ اللهُ الكَفَرةَ خائِبينَ، وأركسَهم بما كسَبوا في الدُّنيا ويومَ الدِّينِ)
.
وعِندَما بَدَأ الفاطِميُّونَ دَعَوتَهم في بلادِ المَغرِبِ، وجَدوا أنَّ التَّشَيُّعَ كان مُنتَشِرًا هناك؛ لأنَّ دَولةَ الأدارِسةِ التي أقامَها إدريسُ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ سَنةَ 172هـ هي في الأصلِ دَولةٌ عَلويَّةٌ؛ فمِن ثَمَّ أصبَحَت بلادُ المَغرِبِ صالحةً للدَّعوةِ الإسماعيليَّةِ، فانتَشَرَ التَّشَيُّعُ واعتَنَقَه كثيرٌ مِنَ البَربَرِ، حتَّى إنَّ أكثَرَ وُزَراءِ الأغالبةِ في تونُسَ كانوا على المَذهَبِ الشِّيعيِّ، وكان من أبرَزِ الدُّعاةِ للفاطِميِّينَ في تلك البلادِ رَجُلٌ يُقالُ له أبو عَبدِ اللهِ الشِّيعيُّ من بلادِ اليمَنِ
.
ولم يكتَفِ أبو عَبدِ اللهِ الشِّيعيُّ بنَشرِ الدَّعوةِ للفاطِميِّينَ في بلادِ المَغرِبِ، بل أخَذَ يعمَلُ على بَسطِ نُفوذِهم في شَمالِ إفريقيَّةَ، فوقَعَت في يدِه عِدَّةُ مُدُنٍ، وأعلنَ الفاطِميُّونَ قيامَ دَولتِهم سَنةَ 296هـ إثرَ انتِصارِهم على الأغالبةِ في مَوقِعةِ الأربسِ
.
ورَأى الفاطِميُّونَ بَعدَ أن تمَكَّنوا من بلادِ المَغرِبِ أنَّها لا تَصلُحُ لتَكونَ مَركزًا لدَولتِهم، لضَعفِ مَوارِدِها، ولأنَّه كان يسودُها الاضطِرابُ من حينٍ لآخَرَ، فاتَّجَهَت أنظارُهم إلى مِصرَ لوفرةِ ثَرَواتِها، وقُربِها من بلادِ المَشرِقِ
.
فوجَّهَ الفاطِميُّونَ أكثَرَ من حَملةٍ للاستيلاءِ على مِصرَ بَدءًا من سَنةِ 301ه وحتَّى 350هـ، وفي سَنةِ 358هـ أرسَل الخَليفةُ الفاطِميُّ المُعِزُّ لدينِ اللهِ قائِدَه جَوهَرَ الصِّقِلِّيَّ فاحتَلَّ مِصرَ، وقَرَأ كِتابًا بالأمانِ لأهلِ مِصرَ، فيه أن يظَلَّ المِصريُّونَ على مَذهَبِهم، وأن يجريَ الأذانُ والصَّلاةُ وصيامُ شَهرِ رَمَضانَ وفِطرُه والزَّكاةُ والحَجُّ والجِهادُ على ما ورَدَ في كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
.
ولم يكُنْ كِتابُ جَوهَرٍ لأهلِ مِصرَ إلَّا مُجَرَّدَ مُهادَنةٍ، وعِندَما وصل المُعِزُّ لدينِ اللهِ إلى القاهرةِ سَنةَ 362هـ رَكَّزَ اهتِمامَه في تَحويلِ المِصريِّينَ إلى المَذهَبِ الشِّيعيِّ، واتَّبَعَتِ الخِلافةُ الفاطِميَّةُ في ذلك عِدَّةَ طُرُقٍ، منها: إسنادُ المَناصِبِ العَليا -لا سيَّما القَضاءِ- إلى الشِّيعيِّينَ، واتِّخاذُ المَساجِدِ الكبيرةِ مَراكِزَ للدِّعايةِ الفاطِميَّةِ، كالجامِعِ الأزهَرِ، وجامِعِ عَمرِو بنِ العاصِ، ومَسجِدِ أحمَدَ بنِ طُولونَ
.
قال
ابنُ كثيرٍ: (قدِمَ المُعِزُّ في جَحافِلَ عَظيمةٍ، ومَعَه الأُمَراءُ مِنَ المَغارِبةِ والأكابرُ والقوَّادُ، وحينَ نَزَل الإسكندَريَّةَ تَلقَّاه وُجوهُ النَّاسِ إليها، فخَطَبَهم بها خُطبةً بليغةً افتَخَرَ فيها بنَسَبه ومُلكِه، وادَّعى أنَّه يعدِلُ ويُنصِفُ المَظلومَ من ظالمِه، وأنَّ اللهَ قد رَحِمَ الأُمَّةَ بهم، واستَنقَذَهم من أيدي الظَّلَمةِ إلى عَدلِهم وإنصافِهم، وهو مَعَ ذلك يدَّعي ظاهِرَ الرَّفضِ، ويُبطِنُ -كما قال القاضي الباقِلَّانيُّ- الكُفرَ المَحضَ، وكذلك أهلُ طاعَتِه ومَن نَصَرَه ووالاه، واتَّبَعَه في مَذهَبِه، قَبَّحَهمُ اللهُ وإيَّاه. وقد أحضَرَ إلى بَينَ يدَيه الزَّاهِدَ العابِدَ التَّقيَّ أبا بكرٍ النَّابُلُسيَّ فأوقِفَ بَينَ يدَيه، فقال له المُعِزُّ: بلغَني أنَّك قُلتَ: لو أنَّ مَعي عَشرةَ أسهُمٍ لرَمَيتُ الرُّومَ بسَهمٍ، ورَمَيتُ المُعِزِّيينَ بتِسعةٍ، فقال: ما قُلتُ هذا، فظَنَّ أنَّه قد رَجَعَ، وقال: كيف قُلتَ؟ قال: قُلتُ: ينبَغي أن يرميَكم بتِسعةٍ، ثُمَّ يرميَكم بالعاشِرِ! قال: ولمَ؟ قال: لأنَّكم غَيَّرتُم دينَ الأُمَّةِ، وقَتَلتُم الصَّالحينَ، وادَّعَيتُم نورَ الإلهيَّةِ؛ فأمَرَ بإشهارِه في أوَّلِ يومٍ، ثُمَّ ضُرِبَ بالسِّياطِ في اليومِ الثَّاني ضَربًا شَديدًا مُبَرِّحًا، ثُمَّ أمَر بسَلخِه في اليومِ الثَّالثِ، فجيءَ بيهوديٍّ فجَعل يَسلُخُه، وهو يقرَأُ القُرآنَ، قال اليهوديُّ: فأخَذَتْني رِقَّةٌ عليه، فلمَّا بلغتُ تِلقاءَ قَلبِه طَعنتُه بالسِّكِّينِ، فماتَ رَحِمَه اللهُ تعالى، فقيل له: الشَّهيدُ، وإليه يُنسَبُ بَنو الشَّهيدِ من أهلِ نابُلُسَ إلى اليومِ)
.
وحَرَصَ الشِّيعةُ الفاطِميُّونَ في إظهارِ شَعائِرِهم المُخالِفةِ لشَعائِرِ أهلِ السُّنَّةِ، مِثلُ الأذانِ بحَيَّ على خَيرِ العَمَلِ، والاحتِفالِ بيومِ العاشِرِ مِن شَهرِ المُحَرَّمِ
.
وكان الفاطِميُّونَ يُرغِمونَ أهلَ السُّنَّةِ ويعتَدونَ عليهم ليُشارِكوهم في طُقوسِهم؛ فمَثلًا في العاشِرِ مِنَ المُحَرَّمِ سَنةَ 363هـ سارَ جَماعةٌ مِنَ المِصريِّينَ الشِّيعةِ والمَغارِبةِ في مَوكِبهم ينوحونَ ويبكونَ على الحُسَينِ بنِ عَليِّ رَضيَ اللهُ عنهما، وصاروا يعتَدونَ على كُلِّ مَن لم يُشارِكْهم مَظاهِرَ الأسى والحُزنِ
.
ولمَّا آلتِ الخِلافةُ إلى العَزيزِ سَنةَ 365هـ اهتَمَّ كأبيه المُعِزِّ بنَشرِ المَذهَبِ الشِّيعيِّ، وحَتَّمَ على القُضاةِ أن يُصدِروا أحكامَهم وَفقَ المَذهَبِ الشِّيعيِّ، كما قَصَرَ المَناصِبَ الهامَّةَ على الشِّيعةِ، وأصبَحَ لزامًا على الموظَّفينَ من أهلِ السُّنَّةِ الذين تَقَلَّدوا بَعضَ المَناصِبِ الصَّغيرةِ أن يَسيروا طِبقًا لأحكامِ المَذهَبِ الإسماعيليِّ، وإذا ما ثَبَتَ على أحَدِهمُ التَّقصيرُ في مُراعاتِها عُزِل عن وظيفتِه، وكان ذلك مِمَّا دَفعَ الكثيرينَ مِنَ الموظَّفينَ من أهلِ السُّنَّةِ إلى اعتِناقِ المَذهَبِ الشِّيعيِّ الفاطِميِّ
.
ولمَّا قَبَضَ الحاكِمُ بأمرِ اللهِ زِمامَ الأُمورِ عَمَدَ إلى إصدارِ كثيرٍ مِنَ الأوامِرِ والقَوانينِ المَبنيَّةِ على التَّعَصُّبِ الشَّديدِ للمَذهَبِ الفاطِميِّ، فأمَرَ في سَنةِ 395هـ بنَقش سَبِّ الصَّحابةِ على جُدرانِ المَساجِدِ، وفي الأسواقِ والشَّوارِعِ، وصَدَرَتِ الأوامِرُ إلى العُمَّالِ في البلادِ المِصريَّةِ بمُراعاةِ ذلك
.
وكان من وُزَراءِ الفاطِميِّينَ بَدرٌ الجَماليُّ، وكان غاليًا في مَذهَبِ الشِّيعةِ، حَريصًا على مُخالفةِ مَذهَبِ أهلِ السُّنَّةِ، وإظهارِ العَداوةِ لهم.
ولم يُنقَلْ في التَّاريخِ أنَّ الخِلافةَ الفاطِميَّةَ حارَبَتِ الفِرِنجةَ أو غَيرَهم مِنَ الكَفَرةِ لنَشرِ الإسلامِ، والدِّفاعِ عنِ المُسلمينَ، بل كانوا حَربًا على أهلِ الإسلامِ، سِلمًا على أعدائِه، وقد عانى كثيرًا من خياناتِهم
نورُ الدِّينِ زِنكي في الشَّامِ، و
صَلاحُ الدِّينِ الأيُّوبيُّ في مِصرَ، ومِن ذلك:
أنَّ
صَلاحَ الدِّينِ الأيُّوبيَّ لَمَّا قَوي نُفوذُه في مِصرَ، وأخَذَت سُلطةُ العاضِدِ
الفاطِميِّ تَضعُفُ، اتَّفقَ رَأيُ الفاطِميِّينَ على مُكاتَبةِ الفِرِنجةِ ودَعوتِهم إلى مِصرَ، واتَّفقوا أنَّه إذا خَرَجَ
صَلاحُ الدِّينِ لقِتالهم قَبَضوا على مَن بَقيَ من أصحابِه بالقاهرةِ، وانضَمُّوا إلى الفِرِنجةِ في مُحارَبَتِهم والقَضاءِ عليه، فجاءَ الفِرِنجةُ إلى مِصرَ مِنَ البَرِّ والبَحرِ، وحاصَروا دِمياطَ سَنةَ 565هـ، وضَيَّقوا على أهلِها، وقَتَلوا أُمَمًا كثيرةً، ورَجُوا أن يملِكوا الدِّيارَ المِصريَّةَ خَوفًا مِن استيلاءِ المُسلمينَ على القُدسِ، فأرسَل
صَلاحُ الدِّينِ إلى نورِ الدِّينِ مَحمود بدِمَشقَ يستَنجِدُه فأمَدَّه، وبَعَثَ
صَلاحُ الدِّينِ جَيشًا بقيادةِ ابنِ أخيه وخالِه شِهابِ الدِّينِ، وأمَدَّهما بالسِّلاحِ والذَّخائِرِ؛ فرَدَّ اللهُ بفضلِه كيدَ الفِرِنجةِ والشِّيعةِ الفاطِميِّينَ الذين كاتَبوهم، وفشِلَت هذه الحَملةُ الصَّليبيَّةُ، وانصَرَف الفِرِنجةُ عن دِمياطَ بَعدَ أن بلغَهم أنَّ
نورَ الدِّينِ مَحمود زِنكي قد غَزا بلادَهم، وهاجَمَ حِصنَ الكَركِ وغَيرَه من نواحيهم، وقَتَل خَلقًا من رِجالِهم، وغَنِمَ من أموالِهم، وسَبى كثيرًا من نِسائِهم وأطفالِهم
.
ومَعلومٌ أنَّ
صَلاحَ الدِّيِن الأيُّوبيَّ هو الذي أزال الدَّولةَ الفاطِميَّةَ في مِصرَ، ومَهَّدَ للسُّنَّةِ من جَديدٍ؛ لذلك حاولوا مِرارًا الفَتكَ به لإعادةِ الدَّولةِ الفاطِميَّةِ، واستَعانوا في هذه المُؤامَراتِ بالفِرِنجِ.
قال
المَقريزيُّ: (وفيها -أي سَنةِ 569ه- اجتَمَعَ طائِفةٌ من أهلِ القاهرةِ على إقامةِ رَجُلٍ من أولادِ العاضِدِ -آخِرِ خَليفةٍ فاطِميٍّ بمِصرَ- وأن يفتِكوا ب
صَلاحِ الدِّينِ، وكاتَبوا الفِرِنجَ، ومنهمُ القاضي المُفضَّلُ ضياءُ الدِّينِ نَصرُ اللهِ بنُ عَبدِ اللهِ بنِ كامِلٍ القاضي، والشَّريفُ الجَليسُ، ونَجاحٌ الحَماميُّ، والفقيهُ عِمارةُ بنُ عَليٍّ اليمانيُّ، وعَبدُ الصَّمَدِ الكاتِبُ، والقاضي الأعَزُّ سَلامةُ العوريسُ مُتَولِّي ديوانَ النَّظَرِ ثُمَّ القَضاءِ، وداعي الدُّعاةِ عَبدُ الجابِرِ بنُ إسماعيلَ بنِ عَبدِ القَويِّ، والواعِظُ زَينُ الدِّينِ بنُ نَجا، فوشى ابنُ نَجا بخبَرِهم إلى السُّلطانِ، وسَأله أن يُنعِمَ عليه بجَميعِ ما لابنِ كامِلٍ الدَّاعي مِنَ الدُّورِ والمَوجودِ كُلِّه، فأُجيبَ إلى ذلك، فأُحيطَ بهم وشُنِقوا،... وتتَبَّع
صَلاحُ الدِّينِ من له هَوًى في الدَّولةِ الفاطِميَّةِ، فقَتل كثيرًا، وأَسَر كثيرًا، ونوديَ بأن يرحَلَ كافَّةُ الأجنادِ وحاشيةُ القَصرِ، وراجَل السُّودانَ إلى أقصى بلادِ الصَّعيدِ، وقَبض على رَجُلٍ يُقالُ له: قديدٌ بالإسكندَريَّةِ من دُعاةِ الفاطِميِّينَ)
.
وقال
المَقريزيُّ أيضًا: (وفي سَنةِ 570ه جَمَعَ كنزُ الدَّولةِ والي أسوانَ العَرَبَ والسُّودانَ وقَصَد القاهرةَ يُريدُ إعادةَ الدَّولةِ الفاطِميَّةِ، وأنفَق في جُموعِه أموالًا جزيلةً، وانضَمَّ إليه جَماعةٌ مِمَّن يهوى هَواهم، فقَتَل عِدَّةً من أُمَراءِ
صَلاحِ الدِّينِ، وخَرَجَ في قَريةِ طودٍ رَجُلٌ يُعرَفُ بعَبَّاسِ بنِ شادي، وأخَذَ بلادَ قوصٍ، وانتَهَبَ أموالَها؛ فجَهَّزَ
السُّلطانُ صَلاحُ الدِّينِ أخاه المَلكَ العادِلَ في جَيشٍ كثيفٍ، ومَعَه الخَطيرُ مُهَذَّبُ بنُ مماتي، فسارَ وأوقَعَ بشادي، وبَدَّدَ جُموعَه وقَتله. ثُمَّ سارَ فلَقِيَه كنزُ الدَّولةِ بناحيةِ طودٍ، وكانت بَينَهما حُروبٌ فَرَّ منها كنزُ الدَّولةِ بَعدَ ما قُتِل أكثَرُ عَسكرِه، ثُمَّ قُتِل كنزُ الدَّولةِ في سابعِ صَفرٍ، وقدِمَ العادِلُ إلى القاهرةِ)
.
وفي سَنةِ 571هـ في رابعَ عَشَرَ ذي الحِجَّةِ وثَبَ عِدَّةٌ مِنَ الإسماعيليَّةِ على
السُّلطانِ صَلاحِ الدِّينِ، فظَفِرَ بهم بَعدَ ما جَرَحوا عِدَّةَ أُمَراءَ وبَعضَ الخَواصِّ
.
قال
ابنُ الأثيرِ: (في سَنةِ 584هـ ثارَ بالقاهرةِ جَماعةٌ مِنَ الشِّيعةِ، عِدَّتُهم اثنا عَشَرَ رَجُلًا، ليلًا ونادَوا بشِعارِ العَلويِّينَ: يا لَعليٍّ، يا لَعليٍّ، وسَلكوا الدُّروبَ يُنادونَ، ظَنًّا منهم أنَّ رَعيَّةَ البلدِ يُلبُّونَ دَعوتَهم، ويخرُجونَ مَعَهم، فيُعيدونَ الدَّولةَ العَلويَّةَ، ويُخرِجونَ بَعضَ مَن بالقَصرِ مَحبوسًا منهم، ويملِكونَ البلدَ، فلم يلتَفِتْ أحَدٌ منهم إليهم، ولا أعارَهم سَمْعَه، فلمَّا رَأوا ذلك تَفرَّقوا خائِفينَ، فأُخِذوا)
.