موسوعة الفرق

المَسألةُ الثَّانيةُ: نَفيُ رُؤيةِ المُؤمِنينَ رَبَّهم في الآخِرةِ


رُؤية المُؤمِنينَ في الجَنَّةِ لرَبِّهم سُبحانَه حَقٌّ لا مِريةَ فيه، كما قال اللهُ تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22 - 23] ، والأحاديثُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه، الدَّالَّةُ على الرُّؤيةِ: مُتَواتِرةٌ رَواها أصحابُ الصِّحاحِ والمَسانيدِ والسُّنَنِ .
وخالف في ذلك الجَهميَّةُ والمُعتَزِلةُ ومَن تَبعَهم مِنَ الخَوارِجِ والشِّيعةِ الإماميَّةِ ، وقَولُهم مُخالِفٌ للكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ السَّلَفِ .
فأمَّا الشِّيعةُ فقد رَوَوا في كُتُبِهم عن أبي عَبدِ اللهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ أنَّه سُئِل عن اللهِ تَبارَك وتعالى هَل يُرى في المَعادِ؟ فقال: (سُبحانَ اللهِ وتعالى عن ذلك عُلوًّا كبيرًا! إنَّ الأبصارَ لا تُدرِكُ إلَّا ما له لونٌ وكيفيَّةٌ، واللهُ خالِقُ الألوانِ والكيفيَّةِ) .
ويَظهَرُ أنَّ الحُجَّةَ التي احتَجَّ بها هؤلاء الذينَ وضَعوا هذه الرِّوايةَ على جَعفرٍ تَتَضَمَّنُ نَفيَ الوُجودِ الحَقِّ؛ لأنَّ ما لا كيفيَّةَ له مُطلقًا لا وُجودَ له؛ ولهذا قال بَعضُ السَّلفِ حينَما سُئِل عن الاستِواءِ: (الاستِواءُ مَعلومٌ، والكيفُ مَجهولٌ) ، ولم يَقُلْ: لا كيفيَّةَ له، فالمَنفيُّ هَنا عِلمُ البَشَرِ بالكيفيَّةِ لا نَفيُ ذاتِ الكيفيَّةِ.
ولم يكتَفِ الشِّيعةُ بنَفيِ رُؤيةِ المُؤمِنينَ لرَبِّهم في الآخِرةِ، بل كفَّروا مَن أثبتَها، قال جَعفَرٌ النَّجَفيُّ: (ولو نَسَبَ إلى اللهِ بَعضَ الصِّفاتِ كالرُّؤيةِ حُكِم بارتِدادِهـ) .
وجَعَل الحُرُّ العامِليُّ نَفيَ الرُّؤيةِ مِن أُصولِ الأئِمَّةِ، وعَقد لذلك بابًا بعُنوانِ (بابُ أنَّ اللهَ سُبحانَه لا تَراه عَينٌ ولا يُدرِكُه بَصَرٌ في الدُّنيا ولا في الآخِرةِ) .
فنَفيُهم لرُؤيةِ المُؤمِنينَ لرَبِّهم في الآخِرةِ خُروجٌ عن مُقتَضى النُّصوصِ الشَّرعيَّةِ، وهو أيضًا خُروجٌ عن مَذهَبِ أهلِ البَيتِ، وقد اعتَرَفت بَعضُ رِواياتِهم بذلك؛ فعن أبي بَصيرٍ عن أبي عَبدِ اللهِ عليه السَّلامُ قال: قُلتُ له: أخبِرْني عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ هَل يراه المُؤمِنونَ يومَ القيامةِ؟ قال: (نَعَم) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظر: ((التصديق بالنظر إلى اللهِ تعالى في الآخرة)) للآجري (ص: 28 - 86)، ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 151).
  2. (2) يُنظر: ((شرح الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 146).
  3. (3) يُنظر: ((الرد على الزنادقة والجهمية)) لأحمد بن حنبل (ص: 85)، ((رد الإمام الدارمي عثمان بن سعيد على المريسي العنيد)) (ص: 413)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) للالكائي (3/454)، ((التبصرة)) للشيرازي (ص: 229)، ((مختصر الصواعق المُرسَلة)) للموصلي (ص: 179).
  4. (4) يُنظر: ((بحار الأنوار)) للمجلسي (4/31).
  5. (5) ثبت مثلُ هذا الجوابِ عن ربيعةَ شَيخِ مالكٍ، ورُوِيَ من غيرِ وجهٍ عن مالكٍ، أخرجه اللَّالكائيُّ عنهما في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (3/398)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (ص: 408)، وذكره البغوي في ((شرح السنة)) (1/171)، والسيوطي في ((الدر المنثور)) (3/91).
  6. (6) ((كشف الغطا)) (ص: 417).
  7. (7) ((الفصول المهمة في أصول الأئمة)) (ص: 12).
  8. (8) يُنظر: ((التوحيد)) لابن بابويه (ص: 117)، ((بحار الأنوار)) للمجلسي (4/44)، ((رجال الكشِّي)) (ص: 450).