المبحَثُ الثَّاني: أثَرُ التَّشيُّعِ الإماميِّ في الأخبارِ والمرويَّاتِ
تُشَكِّلُ النَّزعةُ المَذهَبِيةُ -أيًّا كانت- مورِدًا من موارِدِ الزَّلَلِ والتَّحريفِ والكَذِبِ في كتابةِ التَّاريخِ وفَهمِه، فصاحِبُ النَّزعةِ يحاوِلُ -بقَصدٍ أو دونَ قَصدٍ- أن يفسِّرَ الحَدَثَ وَفقَ هواه، ويصوِّرَ الأمورَ وَفْقَ نَزعتِه.
قال
ابنُ خَلدونَ: (لمَّا كان الكَذِبُ متطَرِّقًا للخَبَرِ بطبيعتِه، وله أسبابٌ تقتضيه، وإنما التَّشيُّعاتُ للآراءِ والمذاهِبِ؛ فإنَّ النَّفسَ إذا كانت على حالِ الاعتدالِ في قَبولِ الخَبَرِ أعطَتْه حَقَّه من التَّمحيصِ والنَّظَرِ حتَّى تتبيَّنَ صِدقَه من كَذِبِه، وإذا خامَرها تشيُّعٌ لرأيٍ أو نِحلةٍ قَبِلَت ما يوافِقُها من الأخبارِ لأوَّلِ وَهلةٍ، وكان ذلك الميلُ والتَّشيُّعُ غطاءً على عينِ بصيرتِها من الانتقادِ والتَّمحيصِ، فتَقَعُ في قَبولِ الكَذِبِ ونَقلِه)
.
قال
ابنُ تَيميَّةَ عن الشِّيعةِ الرَّافِضةِ أنَّهم: (أكذَبُ فِرَقِ الأمَّةِ، فليس في الطَّوائِفِ المنتَسِبةِ إلى القِبلةِ أكثَرُ كَذِبًا ولا أكثَرُ تصديقًا للكَذِبِ وتكذيبًا للصِّدقِ منهم، وسِيْما النِّفاقِ فيهم أظهَرُ منه في سائِرِ النَّاسِ، وهي التي قال فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((آيةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خان))
، وفي روايةٍ:
((أربَعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافِقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهنَّ كانت فيه خَصلةٌ من النِّفاقِ حتَّى يدَعَها: إذا حدَّث كَذَب، وإذا وَعَد أخلَفَ، وإذا عاهَدَ غَدَر، وإذا خاصَمَ فَجَر))
، وكُلُّ من جَرَّبَهم يعرِفُ اشتمالَهم على هذه الخِصالِ؛ ولهذا يَستعمِلون التَّقيَّةَ التي هي سِيْما للمُنافِقين واليهودِ، ويستعمِلونها مع المُسلِمين،
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: 11] ، ويحلِفون ما قالوا وقد قالوا، ويحلِفون باللَّهِ ليُرضوا المُؤمِنين واللَّهُ ورسولُه أحَقُّ أن يُرضوه)
.
وقال
ابنُ تَيميَّةَ أيضًا: (العُلَماءُ كُلُّهم مُتَّفِقون على أنَّ الكَذِبَ في الرَّافِضةِ أظهَرُ منه في سائِرِ طوائِفِ أهلِ القِبلةِ، ومن تأمَّل كُتُبَ الجرحِ والتَّعديلِ المُصنَّفةَ في أسماءِ الرُّواةِ والنَّقَلةِ وأحوالِهم، مِثلَ كُتُبِ
يحيى بنِ مَعينٍ، و
البُخاريِّ، وأبي أحمدَ بنِ عَديٍّ، و
الدَّارَقُطنيِّ، وإبراهيمَ بنِ يَعقوبَ الجَوْزَجانيِّ، ويعقوبَ بنِ سُفيانَ الفَسَويِّ، وأحمدَ بنِ صالحٍ العِجليِّ، والعُقَيليِّ، ومُحمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمَّارٍ المَوصِليِّ، و
الحاكِمِ النَّيسابوريِّ، والحافِظِ عبدِ الغَنيِّ بنِ سَعيدٍ المِصريِّ، وأمثالِ هؤلاء الذين هم جهابِذةٌ ونُقَّادٌ، وأهلُ مَعرفةٍ بأحوالِ الإسنادِ- رأى المعروفَ عِندَهم بالكَذِبِ في الشِّيعةِ أكثَرَ منهم في جميعِ الطَّوائِفِ، حتَّى إنَّ أصحابَ الصَّحيحِ ك
البُخاريِّ لم يَرْوِ عن أحَدٍ من قُدَماءِ الشِّيعةِ، مِثلُ عاصِمِ بنِ ضَمرةَ، والحارِثِ الأعوَرِ، وعبدِ اللَّهِ بنِ سَلَمةَ، وأمثالِهم، مع أنَّ هؤلاء من خيارِ الشِّيعةِ، وإنَّما يروي أصحابُ الصَّحيحِ حديثَ عليٍّ عن أهلِ بيتِه، ك
الحَسَنِ، والحُسَينِ، و
مُحمَّدِ بنِ الحَنَفيَّةِ، وكاتِبِه عُبَيدِ اللَّهِ بنِ أبي رافعٍ، أو عن أصحابِ
عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، كعَبيدةَ السَّلمانيِّ، والحارِثِ بنِ قَيسٍ، أو عمَّن يُشبِهُ هؤلاء، وهؤلاء أئِمَّةُ النَّقلِ ونُقَّادُه من أبعَدِ النَّاسِ عن الهوى، وأخبَرِهم بالنَّاسِ، وأقوَلِهم بالحَقِّ، لا يخافون في اللَّهِ لومةَ لائِمٍ)
.
أقوالٌ للسَّلَفِ حَولَ كَذِبِ الشِّيعةِ1- قال
مالِكٌ حينَ سُئِل عن الرَّافِضةِ: (لا تُكَلِّمْهم ولا تَرْوِ عنهم؛ فإنَّهم يَكذِبون)
.
وكان
مالِكٌ يقولُ: (نَزِّلوا أحاديثَ أهلِ العِراقِ مَنزلةَ أحاديثِ أهلِ الكتابِ، لا تُصَدِّقوهم ولا تُكَذِّبوهم)
.
2- عن الشَّعبيِّ أنَّه قال: (ما رأيتُ أحمَقَ من الخَشَبيَّةِ
، لو كانوا من الطَّيرِ لكانوا رَخَمًا، ولو كانوا من البهائِمِ لكانوا حُمُرًا، واللَّهِ لو طلَبْتُ منهم أن يملؤا هذا البيتَ ذَهَبًا على أن أكذِبَ على عليٍّ أعطَوني، وواللَّهِ ما أكذِبُ عليه أبدًا)
.
3- عن الأعمَشِ قال: (أدركْتُ النَّاسَ وما يسمُّونَهم إلَّا الكذَّابين يعني أصحابَ المغيرةِ بنِ سَعيدٍ
، وهم طائفةٌ من الرَّافِضةِ.
4- قال حمَّادُ بنُ سَلَمةَ: (حدَّثني شيخٌ للشِّيعةِ قال: كنَّا إذا اجتَمَعْنا استحَسَنَّا شيئًا جعَلْنا حديثًا)
.
5- قال
ابنُ المبارَكِ: (الدِّينُ لأهلِ الحديثِ، والكلامُ والحِيَلُ لأهلِ الرَّأيِ، والكَذِبُ للرَّافِضةِ)
.
6- قال
الشَّافعيُّ: (لم أرَ أحَدًا أشهدَ بالزُّورِ من الرَّافِضةِ)
.
7- قال يزيدُ بنُ هارونَ: (نكتُبُ عن كُلِّ صاحِبِ بِدعةٍ إذا لم يكُنْ داعيةً إلَّا الرَّافِضةَ؛ فإنَّهم يَكذِبون)
.
8- قال شَريكٌ الكوفيُّ: (احمِلِ العِلمَ عن كُلِّ مَن لَقِيتَ إلَّا الرَّافِضةَ؛ فإنَّهم يَضَعون الحديثَ، ويتَّخِذونه دينًا).
وعلَّق
ابنُ تَيميَّة على كلامِ شَريكٍ بقَولِه: (شريكٌ هذا هو ابنُ عبدِ اللَّهِ القاضي، قاضي الكوفةِ، من أقرانِ
الثَّوريِّ و
أبي حنيفةَ، وهو من الشِّيعةِ، الذي يقولُ بلسانِه: أنا من الشِّيعةِ، وهذه شهادتُه فيهم)
.
وقد أكَّد ابنُ أبي الحديدِ رَغْمَ تشيُّعِه تأصُّلَ الكَذِبِ في الرَّافِضةِ، فقال: (إنَّ أصلَ الأكاذيبِ في أحاديثِ الفضائلِ كان من جِهةِ الشِّيعةِ؛ فإنَّهم وضَعوا في مبدأِ الأمرِ أحاديثَ مختَلَقةً في صاحِبِهم، وحمَلَهم على وَضعِها عداوةُ خُصومِهم)
.