موسوعة الفرق

المطلَبُ الأوَّلُ: التَّعريفُ بفِرْقةِ الزَّيديَّةِ ونشأتِها


الزَّيديَّةُ: هي إحدى فِرَقِ الشِّيعةِ، وترجِعُ نِسبتُها إلى زَيدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (ت 122 هـ).
وكان يرى صِحَّةَ إمامةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم جميعًا، إلَّا أنَّه يرى تفضيلَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ على سائِرِ الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنه وعنهم جميعًا. ويرى الخُروجَ على أئمَّةِ الجَورِ [225] يُنظر: ((أنساب الأشراف)) للبلاذري (10/ 301)، ((مقالات الإسلاميين)) لأبي الحسن الأشعري (1/ 68، 69)، ((الفصل في الملل والأهواء والنحل)) لابن حزم (4/ 76، 77)، ((اعتقادات فرق المسلمين والمشركين)) للرازي (ص: 52)، ((فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام)) لغالب عواجي (1/334 - 343)، ((الزيدية نشأتها ومعتقداتها)) لإسماعيل الأكوع (ص: 25 -73)، ((الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة)) (1/ 76 - 80). .
قال السَّمعانيُّ: (هذه النِّسبةُ إلى زَيدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، والجماعةُ من الزَّيديَّةِ ينتَسِبون إليه إمَّا نَسَبًا أو مَذهَبًا، وسُمِّيَ الرَّوافضُ بهذا الاسمِ في زمانِه؛ لأنَّه كان يرى الإمامةَ لأبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، فلمَّا سَمِع غُلاةُ الشِّيعةِ منه هذا القولَ رَفَضوا قولَه، أي: تركوا، فسُمُّوا الرَّافِضةَ، والزَّيديَّةُ والإماميَّةُ ضِدَّانِ؛ فأمَّا الزَّيديَّةُ فخَيرُهم؛ لأنَّهم يجوِّزون إمامةَ المفضولِ على الفاضِلِ، ويُصَحِّحون إمامةَ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رضي اللَّهُ عنهما، ويقولون بأنَّ عَليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه أفضَلُ منهما، والإماميَّةُ تقولُ باستحقاقِ الإمامةِ لعَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ولا يرون للمفضولِ شيئًا، ولا يُصَحِّحون إمامةَ الشَّيخينِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، واجتمَعَت الإماميَّةُ على تضليلِ الصَّحابةِ؛ حيثُ جعلوا الإمامةَ لغَيرِ عليٍّ، واجتمعت الأمَّةُ على تكفيرِ الإماميَّةِ؛ لأنَّهم يعتَقِدون تضليلَ الصَّحابةِ، ويُنكِرون إجماعَهم، وينسُبونهم إلى ما لا يليقُ بهم.
وأكثَرُ العُلَماءِ على أنَّ الزَّيديَّةَ مُبتَدِعةٌ) [226] ((الأنساب)) (6/ 365). .
وكان التَّشيُّعُ بعدَ استشهادِ الحُسَينِ بنِ عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه قد أخذ يتصاعَدُ في الغُلُوِّ، فظَهَرت فِرْقةُ الكَيْسانيَّةِ والمُختاريَّةِ، وظَهَر كثيرٌ من غُلاةِ الشِّيعةِ، وطَمِع بعضُهم في استمالةِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ المُلَقَّبِ بزَينِ العابِدين (ت 94هـ) إليهم، غيرَ أنَّه كان مجانِبًا للفِتَنِ، ولم يكُنْ يسعى في منازعةِ بني أميَّةَ المُلْكَ، ولم يناصِرْ كُلَّ من قام ضِدَّهم في المدينةِ أو في مكَّةَ أو في العِراقِ [227] يُنظر: ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (4/389، 391، 395 - 397)، ((الشيعة والتشيع)) لإحسان ظهير (ص: 204)، ((الإمام زيد)) لأبي زهرة (ص: 23). .
وكان لعَليِّ بنِ الحُسَينِ كثيرٌ من الأبناءِ أشهَرُهم اثنانِ:
1- مُحمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، المُلَقَّبُ بالباقِرِ، والِدُ جَعفَرٍ الصَّادِقِ.
2- زيدُ بنُ عَليِّ بنِ الحُسَينِ [228] يُنظر: ((أنساب الأشراف)) للبلاذري (3/ 147). .
وكان محمَّدٌ أكبَرَ من زيدٍ وأعلَمَ، وكِلاهما ذو فَضلٍ وعِلمٍ.
وقد اختَلَف الشِّيعةُ في: أيُّهما أَولى بالإمامةِ بَعدَ أبيهما؟
1- ذَهبَت الرَّافضةُ الإماميَّةُ إلى أنَّ الإمامةَ بعد عَليِّ بنِ الحُسَينِ انتقلت إلى ابنِه أبي جعفَرٍ مُحمَّدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ الملقَّبِ بالباقِرِ.
2- وذهَبَت الزَّيديَّةُ إلى أنَّ الأَولى بالإمامةِ زَيدُ بنُ عَليٍّ، فسُمُّوا زيديَّةً، ويُرَتِّبون الأئمَّةَ ابتداءً بعليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ثُمَّ ابنِه الحَسَنِ، ثُمَّ الحُسَينِ، ثُمَّ هي شورى بعد ذلك بَيْنَ أولادِهما -كما ترى الجاروديَّةُ منهم-، ثُمَّ ابنِه عَليِّ بنِ الحُسَينِ زينِ العابِدين، ثُمَّ ابنِه زيدٍ، ثُمَّ ابنِه يحيى بنِ زَيدٍ، ثُمَّ ابنِه عيسى بنِ زَيدٍ -كما ترى الحصنيَّةُ منهم. ويشترطون في الإمامِ أن يخرُجَ بسيفِه سواءٌ كان من أولادِ الحَسَنِ أو من أولادِ الحُسَينِ [229] يُنظر: ((المقالات والفرق)) للقمي (ص: 18، 74)، ((الشيعة والتشيع)) لإحسان ظهير (ص: 204).  .
والزَّيديَّةُ من حيثُ الجملةُ أقرَبُ فِرَقِ الشِّيعةِ إلى أهلِ السُّنَّةِ، وليس جميعُ الزَّيديَّةِ مُعتَدِلةً في التَّشيُّعِ، بل منهم غُلاةٌ يَطعَنون في أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ رضي اللَّهُ عنهم، وهم الجاروديَّةُ؛ فإنَّهم في الحقيقةِ روافِضُ، كما سيأتي الحديثُ عنهم.
فالزَّيديَّةُ من حيثُ الاعتقادُ قِسمانِ:
1- قِسمٌ مُعتَدِلون: يعترفون بإمامةِ الشَّيخينِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ولا يطعَنون في الصَّحابةِ، وإن كانوا يَرَون أنَّ عَليًّا أفضَلُ الصَّحابةِ رضي اللَّهُ عن الجميعِ.
2- قِسمٌ روافِضُ: يرفُضون إمامةَ الشَّيخينِ ويَسُبُّونهما، ويطعَنون في الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم [230] يُنظر: ((تاريخ المذاهب الإسلامية)) لأبي زهرة (1/52). .
ومن مَذهَبِ الزَّيديَّةِ في الإمامةِ: أنَّهم يحصُرون حقَّ الخلافةِ في أولادِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ من فاطمةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنها- فقط، سواءٌ كانوا من أولادِ الحَسَنِ أو الحُسَينِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، ويشترِطون لوجوبِ طاعتِه شُروطًا [231] يُنظر: ((الملل والنحل)) للشهرستاني (1/154). ويُنظر: ((فرق الشيعة)) للنوبختي (ص: 43).  .
ترجمةُ زَيدِ بنِ عَليٍّ:
هو زَيدُ بنُ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، وُلِدَ حوالَي سنة 80هـ، وكانت أمُّه أَمَةً اسمُها جيداءَ، يقال: إنَّه أهداها المُختارُ بنُ أبي عُبيدٍ إلى أبيه عليٍّ زينِ العابِدينَ، فأنجبت له زَيدًا [232] يُنظر: ((أنساب الأشراف)) للبلاذري (3/ 147)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (19/ 457، 477، 479)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (3/ 416)، ((الإمام زيد)) لأبي زهرة (ص: 22).  .
وكان زيدٌ صاحِبَ عِلمٍ وفِقهٍ وقُرآنٍ وتقوى وفَضلٍ، مات أبوه عَليُّ بنُ الحُسَينِ، وعُمرُ زَيدٍ 14 عامًا، وقد روى عنه شيئًا من العلمِ، وتلقَّى كثيرًا من العلمِ عن أخيه الأكبَرِ محمَّدٍ الباقِرِ، وروى عن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ، وأبانَ بنِ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، وعُبَيدِ اللَّهِ بن أبي رافعٍ [233] يُنظر: ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (19/450، 451)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (5/389). ، ويقال: إنَّ زيدَ بنَ عَليٍّ اتَّصل بواصِلِ بنِ عَطاءٍ رأسِ المعتَزِلةِ، وأخذ عنه بعضَ مَذهَبِ الاعتزالِ، واللَّهُ أعلَمُ بصِحَّةِ ذلك [234] يُنظر: ((طبقات المعتزلة)) للمرتضى (1/ 17، 33)، ونقل المرتضى الزيديُّ عن ابنِ يزداذ قال: (كان زيدُ بنُ عليٍّ لا يخالفُ المعتزلةَ إلَّا في المنزلةِ بين المنزلتينِ). ((طبقات المعتزلة)) (1/ 34). وقد روى ابنُ عساكرَ عن مطلبِ بنِ زيادٍ قال: (جاء رجلٌ إلى زيدٍ فقال: يا زيدُ، أنت الذي تزعُمُ أنَّ اللهَ أراد أن يُعصى؟! فقال له زيدٌ: أفعُصِيَ عَنوةً؟!) ((تاريخ دمشق)) (19/ 460)؛ ففي هذا الأثرِ أن زيدَ بنَ عليٍّ يخالِفُ المعتزلةَ في قولهِم: إنَّ أفعالَ العبادِ مخلوقةٌ، وإنَّها ليست بإرادةِ اللهِ سُبحانَه. ، ويقالُ أيضًا: إنَّه التَقى بأبي حنيفةَ. وقد صار الزَّيديَّةُ بعد الإمامِ زيدٍ مُعتَزِلةً في العقائِدِ، وحَنَفيَّةً في الأحكامِ [235] يُنظر: مقدمة سعود الخلف لكتاب ((الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار)) للعمراني (1/ 72 - 74). وللاستزادة يُنظر: ((الصلة بين الزيدية والمعتزلة)) لأحمد عبد الله عارف. .
وقد خَرَج زيدُ بنُ عَليٍّ على هِشامِ بنِ عَبدِ الملِكِ الأُمَويِّ، مُنكِرًا للظُّلمِ والجَورِ، وقيل: إنَّه لم يكُنْ يريدُ الخُروجَ على هشامِ بنِ عبد الملِكِ، ولا طَلَب الخلافةَ، ولكِنْ حَدَث من هشامٍ وعُمَّالِه إهانةٌ وإساءةٌ لزيدٍ لم يُطِقْ أن يعيشَ معها مسالِمًا لهشامِ بنِ عبدِ الملِكِ.
ثمَّ قتله والي العِراقِ يوسُفُ بنُ عُمَرَ الثَّقَفيُّ سنةَ 122هـ [236] يُنظر: ((مروج الذهب)) للمسعودي (3/217-220)، ((مقاتل الطالبين)) للأصفهاني (ص: 86- 102)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (19/ 467)، ((الكامل)) لابن الأثير (5/ 229 - 235، 242 - 247)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (9/329، 330). .
قال الذَّهبيُّ: (كان زيدُ بنُ عَليٍّ أحَدَ العُلَماءِ الصُّلَحاءِ... روى أبو اليَقظانِ عن جُوَيريةَ بنِ أسماءَ وغيرِه أنَّ زَيدَ بنَ عَليٍّ وفَد من المدينةِ على يوسُفَ بنِ عُمَرَ الثَّقَفيِّ أميرِ العراقَينِ والحِيرةِ، فأحسن جائزتَه، ثُمَّ رجع إلى المدينةِ، فأتاه ناسٌ من أهلِ الكوفةِ فقالوا: ارجِعْ فليس يوسُفُ بشَيءٍ، فنحن نأخُذُ لك الكوفةَ، فرجع فبايعَه ناسٌ كثيرٌ، وخرجوا معه، فعسكَرَ، فالتَقاه العَسكَرُ العراقيُّ، فقُتِل زيدٌ في المعركةِ، ثُمَّ صُلِب، فبَقِيَ مُعَلَّقًا أربعةَ أعوامٍ، ثُمَّ أُنزِلَ فأُحرِقَ، فإنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ!) [237] ((تاريخ الإسلام)) (3/ 415، 416) بتصرف يسير. .
وقد رُوِيَت عن زيدِ بنِ عَليٍّ أقوالٌ كثيرةٌ تَدُلُّ على تعظيمِه لأبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ رضي اللَّهُ عنهم، وبراءتِه من الرَّافضةِ الذين يطعَنون في الصَّحابةِ، ومن ذلك:
1- عن هاشِمِ بنِ البريدِ عن زيدِ بنِ عَليٍّ قال: (أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ إمامُ الشَّاكِرين) [238] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 460). .
2- عن آدَمَ بنِ عبدِ اللَّهِ الخَثعَميِّ، وكان من أصحابِ زَيدِ بنِ عَليٍّ قال: (سألتُ زيدَ بنَ عَليٍّ عن قولِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 10 - 11] مَن هؤلاء؟ قال: أبو بكرٍ وعُمَرُ. ثُمَّ قال: لا أنالني اللَّهُ شفاعةَ جَدِّي إن لم أوالِهما) [239] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 461). .
3- عن كثيرٍ النَّوَّاءِ قال: (سألتُ زيدَ بنَ عَليٍّ عن أبي بَكرٍ وعُمَرَ، فقال: تولَّهما، قلُت: كيف تقولُ فيمَن يبرَأُ منهما؟ قال: أبرَأُ منه حتَّى يموتَ) [240] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 461). .
4- عن هاشِمِ بنِ البريدِ عن زيدِ بنِ عَليٍّ أنَّه قال: (البراءةُ من أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ البراءةُ من عليٍّ، والبراءةُ من عليٍّ البراءةُ من أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ) [241] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 462). ورواه البلاذري في ((أنساب الأشراف)) (10/ 301) من طريقِ هاشمِ بنِ البريدِ عن زيدِ بنِ عليٍّ أنَّه قال: (ما البراءةُ من أبي بَكرٍ وعُمَرَ إلَّا كالبراءةِ من عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهم أجمعين). .
5- عن السُّدِّيِّ قال: قال زيدُ بنُ عَليٍّ: (الرَّافِضةُ حَربي وحَربُ أبي في الدُّنيا والآخِرةِ، مرَقَت الرَّافِضةُ علينا كما مرَدَت الخوارِجُ على عليٍّ عليه السَّلامُ) [242] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 463، 464). .
6- عن أحمدَ بنِ داودَ الحُدَّانيِّ قال: سمِعتُ عيسى بنَ يونَسَ، وسُئِل عن الرَّافِضةِ والزَّيديَّةِ، فقال: (أمَّا الرَّافضةُ فأوَّلَ ما ترفَّضَت جاؤوا إلى زيدِ بنِ عَليٍّ حينَ خرَج، فقالوا: تبرَّأْ من أبي بَكرٍ وعُمَرَ حتى نكونَ معك، فقال: بل أتولَّاهما، وأبرَأُ ممَّن يبرَأُ منهما، قالوا: فإذًا نرفُضُك؛ فسُمِّيَت الرَّافِضةَ، قال: وأمَّا الزَّيديَّةُ فقالوا: نتوَلَّاهما، ونبرَأُ ممَّن يتبَرَّأُ منهما، فخرجوا مع زيدٍ؛ فسُمِّيَت الزَّيديَّةَ) [243] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 464). .
وقد جاءت روايةٌ أُخرى عن زيدِ بنِ عَليٍّ مكذوبةٌ عليه، قال الجعابيُّ: حَدَّثني مُحمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ المؤمِّلِ قال: حَدَّثنا مُحمَّدُ بنُ عَليِّ بنِ خَلَفٍ قال: حَدَّثنا مُحمَّدُ بنُ كثيرٍ قال: سمِعتُ هاشِمَ بنَ البريدِ يقولُ: سَمِعتُ زيدَ بنَ عَليٍّ يقولُ: (المعصومون منَّا خمسةٌ: النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّم، وعليٌّ، وفاطِمةُ، والحَسَنُ، والحُسَينُ) [244] رواه ابنُ عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/ 464) من طريقِ محمدِ بن عُمَرَ الجِعابيِّ، وهو محدِّثٌ شيعيٌّ واسعُ الروايةِ والحفظِ، لكِنَّه كان فاسقًا رقيقَ الدِّينِ، وعنده غرائبُ ومناكيرُ كثيرةٌ. يُنظر: ((لسان الميزان)) لابن حجر (7/ 409 - 411)، ومحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ خلفٍ العطارُ الكوفيُّ، شيعيٌّ رافضيٌّ، اتهمه ابنُ عَديٍّ، وقال: عنده عجائبُ. يُنظر: ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (3/ 651)، ((النكت الجياد)) للصبيحي (1/ 555)، ومحمَّدُ بنُ كثيرٍ الكوفيُّ شيعيٌّ ضعيفٌ جِدًّا، قال عنه البخاريُّ: مُنكَرُ الحديثِ، وقال ابنُ المَدينيِّ: كتَبْنا عنه عجائبَ. يُنظر: ((لسان الميزان)) لابن حجر (7/ 459). فهذه الروايةُ إسنادُها ضعيفٌ جدًّا، وغالبُ الظنِّ أنها من كَذِبِ الشِّيعةِ على زيدٍ، فلا يجوزُ الاعتمادُ عليها، وحاشا زيدًا أن يقولَ ذلك. .
وعندَ الزَّيديَّةِ كتابٌ يُسَمُّونه (مجموعَ رسائِلِ الإمامِ زيدِ بنِ عَليٍّ)، فيه عِدَّةُ رسائِلَ يزعُمون أنَّها من كلامِ زيدٍ، بعضُها مرويٌّ بأسانيدَ فيها شيعةٌ كذَّابون، كإبراهيمَ بنِ الحَكَمِ بنِ ظهيرٍ الكوفيِّ وأبيه، وأبي خالدٍ الواسِطيِّ، وأبي الجارودِ الكوفيِّ، وبعضُها فيها رجالٌ مجهولون، وبعضُها تُروى بلا إسنادٍ.
والنَّاظِرُ في هذا الكتابِ بعِلمٍ وإنصافٍ يجزِمُ أنَّ غالِبَ ما فيه لا تصِحُّ نسبتُه إلى زيدٍ، وحاشا زيدًا أن يقولَ ذلك؛ ففي تلك الرَّسائِلِ ما يدُلُّ على تشيُّعٍ مُفرِطٍ، وغُلُوٍّ في عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ وأهلِ بيته، كدعوى عِصمةِ عَليٍّ، وأنَّه هو الوَصيُّ، وفي ذلك الكتابِ طَعنٌ في أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ وطلحةَ والزُّبَيرِ وعائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، بل فيه تصويبُ قَتلِ عُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وفيه عقائدُ ضالَّةٌ مخالِفةٌ لمَّا دلَّ عليه القرآنُ والسُّنَّةُ، كالقولِ بخلودِ أهلِ المعاصي في النَّارِ، وفيه الجِدالُ لنَصرِ قولِ المُعتَزِلةِ والشِّيعةِ في مسائِلَ كثيرةٍ، وفيه التَّشكيكُ في السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ، وفيه ذِكرُ شيءٍ من المناظَراتِ والخُطَبِ والدَّعَواتِ والأشعارِ التي غالِبُها لا يصِحُّ عن زيدٍ بإسنادٍ صحيحٍ، وفي هذا الكتابِ أخبارٌ وحكاياتٌ لا يعرِفُها العُلَماءُ، مِثلُ القَولِ بأنَّ هِشامَ بنَ عبدِ الملِكِ حَبَس زيدَ بنَ عَليٍّ خمسةَ أشهُرٍ، وفي آخِرِ المجموعِ أنَّ زيدَ بنَ عَليٍّ أتى قَبْرَ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وآلِه وسلَّم فصلَّى إلى جَنبِه، ثُمَّ انصرف من صلاتِه فقال: السَّلامُ عليك يا رسولَ اللَّهِ، هذا آخِرُ عهدي بمدينتِك، وآخِرُ عهدي بقَبرِك ومِنبَرِك، أُخرِجْتُ يا أَبَهْ كارِهًا، وسِرتُ في البلادِ أسيرًا يا رسولَ اللَّهِ، وإنِّي سائِلُك الشَّفاعةَ إلى اللَّهِ عزَّ وجَلَّ، وأن يختِمَ لي بشهادةٍ تُلحِقُني بآبائي الأكرَمينَ وأهلي الطَّاهِرين، وحاشا زيدًا أن يدعوَ غيرَ اللَّهِ سُبحانَه!
والزَّيديَّةُ يعتَمِدون على هذا الكتابِ، ويجزِمون بنسبةِ ما فيه إلى زيدِ بنِ عَليٍّ، واللَّهُ المستعانُ [245] يُنظر: ((مجموع رسائل الإمام زيد بن علي عليهم السلام)) طبعة مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية (ص: 23 - 31، 83 – 149، 236، 262 - 270). ويُنظر: ((الكامل في ضعفاء الرجال)) لابن عدي (4/ 132 - 136) و (6/ 217 - 224)، ((ميزان الاعتدال)) للذهبي (1/ 27، 572).
وقد طَبَع الزَّيديَّةُ الكتابَ طبعةً حديثةً في مركزِ أهلِ البيتِ للدِّراساتِ الإسلاميَّةِ بصَعدةَ باليمَنِ سنةَ 1422هـ، جاء في تقديمِ الكتابِ: (فهذا المجموعُ المبارَكُ مجموعُ كُتُبِ ورسائِلِ الإمامِ الأعظَمِ أميرِ المُؤمِنين فاتِحِ بابِ الجِهادِ والاجتهادِ، الغاضِبِ للهِ في الأرضِ، ومُقيمِ أحكامِ السُّنَّةِ والفَرضِ؛ أبي الحُسَينِ زيدِ بنِ عَليٍّ سَيِّد العابِدينَ بنِ الحُسَينِ السِّبطِ بنِ أميرِ المُؤمِنين وسَيِّدِ المُسلِمين ووَصِيِّ رسولِ رَبِّ العالمينَ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (ع). وهو أخو باقِرِ عِلمِ الأنبياءِ، وهو مجَدِّدُ المَّائةِ الأولى، وفيه آثارٌ عن جَدِّه، وفي سائِرِ الأئمَّةِ خُصوصًا وعُمومًا. قال الإمامُ الهادي عليه السَّلامُ: وممَّا روى الحُسَينُ بنُ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السَّلامُ قال: أخبَرَني أبي: قال: حَدَّثني رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وآلِه وسلَّم أنَّه سيَخرُجُ منِّي رجلٌ يُقالُ له: زيدٌ، فينتَهِبُ مُلكَ السُّلطانِ، فيُقتَلُ، ثُمَّ يُصعَدُ برُوحِه إلى السَّماءِ الدُّنيا، فيقولُ له النَّبيُّون: جزى اللَّهُ نبيَّك عنا أفضَلَ الجزاءِ، كما شَهِد لنا بالبلاغِ، وأقولُ أنا: أقرَرْتَ عيني يا بُنَيَّ وأدَّيتَ عَنِّي) [246] يُنظر: (ص: 2، 3). .
ولو ثَبَت الكتابُ عن زيدِ بنِ عَليٍّ لقُلْنا: إنَّ زيدَ بنَ عَليٍّ شيعيٌّ غالٍ، وإنَّه من أهلِ الاعتزالِ، لكِنْ لا نستجيزُ أن ننسُبَ إلى زيدِ بنِ عَليٍّ أنَّه من غلاةِ الشِّيعةِ أو أنَّه من المعتَزلةِ بأسانيدَ مكذوبةٍ أو بحكاياتٍ مُنقَطِعةٍ، وقد أمَرَنا اللَّهُ أن نقولَ القولَ السَّديدَ، واللَّهُ يحكُمُ بَيْنَ عبادِه فيما كانوا فيه يختَلِفون. 
يحيى بنُ زَيدِ بنِ عَليٍّ:
كان مع أبيه، فتمَكَّنَ من الفِرارِ إلى خُراسانَ، ثُمَّ دعا إلى نفسِه، وقاتل الأُمَويِّين حتَّى قُتِل سَنةَ 125هـ.
قال الذَّهبيُّ: (خرج يحيى بنُ زيدٍ بخُراسانَ، ودعا إلى نفسِه، وانضَمَّ إليه خَلقٌ من الشِّيعةِ، وجَرت له حروبٌ مع عَسكَرِ خُراسانَ ومواقِفُ إلى أن جاءه سَهمٌ غَربٌ في صُدغِه فوقع فاحتزُّوا رأسَه، وبعَثوا به إلى الشَّامِ، وصلَبوا جُثَّتَه كأبيه، فلمَّا استولى أبو مُسلِمٍ الخُراسانيُّ على البلادِ أنزل الجثَّةَ، وأمَر بإقامةِ المأتمِ عليه ببَلخٍ ومَرْوٍ سَبعةَ أيَّامٍ، ثُمَّ تتَبَّعَ أبو مسلمٍ قتَلَتَه فأبادهم) [247] ((تاريخ الإسلام)) (3/ 558) باختصار وتصرف. .
وبعد مَقتَلِ يحيى بنِ زيدِ بنِ عَليٍّ فُوِّض الأمرُ إلى محمَّدٍ وإبراهيمَ ابنَي عبدِ اللَّهِ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ [248] هو: عبدُ اللهِ بنُ الحسَنِ بنِ الحسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، الهاشميُّ القُرَشيُّ، تابعيٌّ ثقةٌ، من أهلِ المدينةِ، كان ذا هيبةٍ ولسانٍ وشَرَفٍ، وكان يُعَظِّمُ أبا بكرٍ وعُمَرَ، ويتبرَّأ من الرافضةِ، وكانت له منزلةٌ عظيمةٌ عِندَ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيز، ولمَّا ظهر العباسيُّون قَدِم على السَّفَّاحِ وهو بالأنبارِ، فأعطاه ألفَ ألفَ دِرهَمٍ، وحين عَزَم السَّفَّاحُ على قتلِ بني أميَّةَ في الحجازِ نصَحَه أن يكُفَّ عنهم ففعل، وعاد عبدُ اللهِ إلى المدينةِ، ولمَّا خرج ابناه محمَّدٌ وإبراهيمُ حبسه المنصورُ عدَّةَ سَنواتٍ، ونقله إلى الكوفةِ، فمات سجينًا فيها سنة 145هـ قبل مقتَلِ ابنِه محمَّدٍ بأشهُرٍ. يُنظر: ((تاريخ بغداد)) للخطيب (9/ 438 - 440)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (27/ 364 - 390). .
ومُحمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ الحَسَنِ هو: الملقَّبُ بالنَّفسِ الزَّكيَّةِ، وقد وُلِد ونشأ بالمدينةِ، وكان غزيرَ العِلمِ، فيه شجاعةٌ وحَزمٌ وسَخاءٌ، ولمَّا بدأ انحلالُ دولةِ بني أميَّةَ بالشَّامِ اتَّفق رجالٌ من بني هاشمٍ بالمدينةِ على بَيعتِه سِرًّا، وفيهم بعضُ بني العبَّاسِ، وكان لا يَشُكُّ كثيرٌ من النَّاسِ أنَّه المَهديُّ، وحين ذهب مُلكُ الأُمَويِّين، وقامت دولةُ العبَّاسيِّين، تخلَّف هو وأخوه إبراهيمُ عن الوفودِ على السَّفَّاحِ، ثُمَّ على أبي جَعفَرٍ المنصورِ، فطلَبَهما أبو جعفَرٍ فتوارَيا في باديةِ المدينةِ، فقُبِض على أبيهما واثنَي عَشَرَ من أقاربِهما، فماتوا في حَبسِه بالكوفةِ بعدَ سَبعِ سِنينَ، وعَلِم محمَّدٌ بموتِ أبيه فخَرَج من مخبَئِه ثائِرًا في مئتينِ وخمسينَ رَجُلًا، فقَبَض على أميرِ المدينةِ، وبايعَه أهلُها بالخلافةِ، وأرسَل أخاه إبراهيمَ إلى البَصرةِ فغَلَب عليها وعلى الأهوازِ وفارِسَ، وبَعَث الحَسَنَ بنَ معاويةَ إلى مكَّةَ فمَلَكَها، وبعَثَ عامِلًا إلى اليَمَنِ، فانتدب المنصورُ لقتالِه وَليَّ عَهدِه عيسى بنَ موسى العبَّاسيَّ، فسار إليه عيسى بأربعةِ آلافِ فارِسٍ، فقاتله محمَّدٌ بثلاثمئةٍ على أبوابِ المدينةِ، ثُمَّ تفرَّق عنه أكثَرُ أنصارِه، فقَتَله عيسى في المدينةِ، وكاد إبراهيمُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ الحَسَنِ أن يَغلِبَ على العِراقِ، وبايعه كثيرٌ من النَّاسِ، ثُمَّ قُتِل بعدَ وَقائِعَ كثيرةٍ [249] يُنظر: ((تاريخ الطبري)) (7/552 – 609، 622 - 649)، ((التنبيه والإشراف)) للمسعودي (1/ 295)، ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني (ص: 206- 262)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (6/ 210 - 224). .
وكان عيسى والحُسَينُ ابنا زيدِ بنِ عَليٍّ مع محمَّدٍ وإبراهيمَ في حُروبِهما على أبي جَعفَرٍ المنصورِ، وكان يُسَمَّى أصحابُ محمَّدٍ وإبراهيمَ بالزَّيديَّةِ [250] يُنظر: ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني (ص: 343، 344). .
ونشأ في المدينةِ أحمدُ بنُ عيسى بنِ زيدِ بنِ عَليٍّ: وكان فقيهًا شيعيًّا زيديًّا، قيل: إنَّه كان معتَزِليًّا، ويقولُ بعِصمةِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ رضي اللَّهُ عنه وَحدَه دونَ غيرِه من الأمَّةِ، ويَطعَنُ في عثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، ويرى أنَّه قُتِل بحَقٍّ [251] يُنظر: ((أمالي الإمام أحمد بن عيسى)) (2/ 389، 391، 392، 393). !
وقيل لهارونَ الرَّشيدِ: إنَّه يسعى في الخُروجِ عليك، فأحضَره إلى بغدادَ وسَجَنه وهو شابٌّ، ففَرَّ من السِّجنِ، وبَقِيَ مختفيًا في بغدادَ والبَصرةِ يتنَقَّلُ من دارٍ إلى دارٍ، إلى أن مات سنة (247هـ) وعمره تِسعون سنةً [252] يُنظر: ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني (ص: 492 - 498)، ((العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم)) لابن الوزير (6/ 234)، ((الأعلام)) للزركلي (1/ 191). .
وعندَ الزَّيديَّةِ كتابٌ في الحديثِ مشهورٌ يُسَمَّى: «أمالي أحمدَ بنِ عيسى» [253] يُنظر: ((الفهرست)) لابن النديم (ص: 240)، ((سؤالات الحاكم النيسابوري)) (ص: 134)، ((الضعفاء والمتروكون)) (1/253) كلاهما للدارقطني، ((الجامع الكافي في فقه الزيدية)) للعلوي (1/2)، ((تاريخ بغداد)) للخطيب البغدادي (1/463)، ((إكمال الإكمال)) لابن نقطة (3/590)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (5/1010)، ((غاية النهاية)) لابن الجزري (1/139) و (2/267)، ((العواصم والقواصم)) لابن الوزير (2/53) و (5/333) و (8/278)، ((الجداول الصغرى مختصر الطبقات الكبرى)) لعبد الله القاسمي (ص: 742). جمعه مُحمَّدُ بنُ منصورٍ المُراديُّ الكوفيُّ، وسمَّى كتابَه "العلومَ" أو "علومَ آلِ محمَّدٍ"، وهذا المراديُّ من ثقاتِ الشِّيعةِ الزَّيديَّةِ، وثَّقَه الدَّارقُطنيُّ، وكان من قُرَّاءِ القرآنِ، روى القراءةَ عن أبي هاشمٍ مُحمَّدِ بنِ يزيدَ الرِّفاعيِّ عن أصحابِ حمزةَ الزَّيَّاتِ الكوفيِّ.
وهذا الكتابُ أصَحُّ من كتابِ مُسنَدِ زيدِ بنِ عَليٍّ الذي تفرَّد بروايتِه أبو خالدٍ الواسِطيُّ عن زيدٍ، والواسِطيُّ كذَّابٌ كما قال أهلُ الحديثِ، ومُسنَدُ زيدٍ كُلُّه من طريقِ زيدِ بنِ عَليٍّ عن آبائِه عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، وكثيرٌ منها أحاديثُ معروفةٌ عِندَ أهلِ الحديثِ من غيرِ روايةِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، فجعَلَها الواسطيُّ كُلَّها عن عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وفي كتابِ (أمالي أحمدَ بنِ عيسى) بعضُ الرِّواياتِ من مُسنَدِ زَيدِ بنِ عَليٍّ من طريقِ أبي خالدٍ الواسِطيِّ الكذَّابِ، والأحاديثُ التي في كتابِ (أمالي أحمدَ بنِ عيسى) هي عن عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ وعن غيرِه من الصَّحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم) [254] يُنظر: ((أمالي أحمد بن عيسى)) (3/ 13، 14). .
ومِن عُلَماءِ الزَّيديَّةِ: القاسِمُ بنُ إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (ت 246هـ)، أخذ الفِقهَ عن عُلَماءِ المذهَبِ الحَنَفيِّ، وأخذ العقيدةَ عن شُيوخِ المعتَزِلةِ، وكان فقيهًا شاعِرًا، له تآليفُ، وكان يسكُنُ الرَّسَّ بالقُربِ من المدينةِ النَّبَويَّةِ، ويُلَقَّبُ بالقاسِمِ الرَّسِّيِّ [255] يُنظر: ((معجم الشعراء)) للمرزباني (ص: 335)، ((الوافي بالوفيات)) للصفدي (24/83)، ((الأعلام)) للزركلي (5/171، 172)، ((معجم المؤلفين)) لرضا كحالة (8/91)، مقدمة سعود الخلف لكتاب ((الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار)) للعمراني (1/73). .
ومن عُلَماءِ الزَّيديَّةِ: يحيى بنُ الحُسَينِ بنِ القاسِمِ بنِ إبراهيمَ بنِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بنِ الحَسَنِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (ت 298هـ)، حفيدُ القاسِمِ الرَّسِّيِّ، ويُلَقَّبُ بالإمامِ الهادي إلى الحَقِّ، كان فقيهًا شجاعًا، ومن عُلَماءِ المُعتَزِلةِ، منحَرِفًا عن أهلِ الحديثِ، وهو أوَّلُ من دعا باليمَنِ إلى مذهَبِ الزَّيديَّةِ، وحارب العبَّاسيِّين والقرامِطةَ فيها، ومَلَك صَنعاءَ، وامتَدَّ مُلكُه إلى نجرانَ ومكَّةَ، وهو إمامُ الزَّيديَّةِ في اليَمَنِ، وكثيرٌ من أئمَّةِ اليَمَنِ من ذُرِّيَّتِه، وزيديَّةُ اليَمَنِ ينتَسِبون إليه، فيقالُ عنهم: الهادَويَّةُ [256] يُنظر: ((جمهرة أنساب العرب)) لابن حزم (1/43، 44)، ((شرح رسالة الحور العين)) لنشوان الحميري (ص: 196)، ((غربال الزمان في وفيات الأعيان)) للحرضي (1/236 - 238)، ((تاريخ اليمن)) للواسعي (ص: 21)، ((الأعلام)) للزركلي (8/141)، ((معجم المؤلفين)) لرضا كحالة (13/191)، مقدمة سعود الخلف لكتاب ((الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار)) للعمراني (1/73، 74). .
وكان كثيرٌ من أهلِ البيتِ من ذُرِّيَّةِ زيدِ بنِ عَليٍّ ومن غيرِ ذُرِّيَّتِه يقتدون بزيدِ بنِ عَليٍّ في خروجِهم على الحُكَّامِ الظَّلَمةِ، وحصل بسبَبِ خُروجِهم على الحُكَّامِ حُروبٌ كثيرةٌ، وفِتَنٌ عظيمةٌ، وربَّما دعى بعضُهم إلى نفسِه وهو ليس من أهلِ البيتِ مُدَّعيًا أنَّه منهم [257] ليس كُلُّ من خرج على الحكَّامِ زيديَّةً نسَبًا أو مذهَبًا؛ فقد كان كثيرٌ من الخوارجِ وطالبي المُلكِ يخرُجون على الحُكَّامِ في مختَلِفِ الأمصارِ وعلى مَرِّ الأعصارِ، وتَكثُرُ الفِتَنُ وسَفكُ الدِّماءِ بسَبَبِ القِتالِ على المُلكِ، واللهُ المُستعانُ. ، كالعَلَويِّ الذي ظهر في البصرةِ سنةَ 255هـ، وهو رجلٌ من عبدِ القَيسِ يُسَمَّى عَليَّ بنَ مُحمَّدِ بنِ عبدِ الرَّحيمِ، وادَّعى أنَّه عَليُّ بنُ مُحمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ عيسى بنِ زَيدِ بنِ عَليٍّ، وأكثَرَ سَفكَ الدِّماءِ وقَتْلَ النِّساءِ والأطفالِ، وحصَل منه التَّخريبُ والفسادُ في فتنةٍ مشهورةٍ تُسَمَّى بفتنةِ الزِّنجِ؛ لأنَّ أكثَرَ أتباعِه كانوا من الزِّنجِ [258] الزِّنجُ بمعنى السُّودِ. ، وحينَ اتَّبعه جماعةٌ من العَلَويِّين، كعَليِّ بنِ مُحمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ عيسى بنِ زيدٍ وجماعةٍ خوفًا على نسائِهم وحُرَمِهم، تَرَك هذا العَلَويُّ الانتسابَ إلى عيسى بنِ زيدٍ، وانتَسَب إلى يحيى بنِ زَيدٍ كاذِبًا، مع أنَّ يحيى بنَ زيدٍ لم يُعقِبْ غيرَ بِنتٍ ماتت في رَضاعِها [259] يُنظر: ((مروج الذهب ومعادن الجوهر)) للمسعودي (4/108)، ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (6/298)، ((المختصر في أخبار البشر)) لأبي الفداء (2/46)، ((الأعلام)) للزركلي (1/60، 75، 117، 202، 329) و (2/244، 253)، و (3/61، 82، 128) و (4/116) و (5/102، 103، 293، 294) و (6/220، 334) و (8/154، 160)، ويُنظر كثيرٌ من تفاصيلِ تلك الفِتَنِ والحروبِ في كتاب: ((مقاتل الطالبيين)) للأصفهاني. !
وقد قامت للزَّيديَّةِ دَولةٌ في طَبَرِستانَ جَنوبَ بحرِ قَزوينَ سنةَ 250هـ، وامتدَّت إلى ما جاورها من بلادِ الجِيلِ والدَّيلَمِ من أرضِ فارِسَ، أسَّسها الحَسَنُ بنُ زيدِ بنِ مُحمَّدِ بنِ إسماعيلَ بنِ الحَسَنِ بنِ زيدِ بنِ الحَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ (ت 270هـ)، وكان من أشهَرِ مُلوكِ الزَّيديَّةِ هناك الحَسُنِ بنُ عَليِّ بنِ الحَسَنِ بنِ عُمَرَ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ، الملقَّبُ بالنَّاصِرِ الأُطْروشِ (ت 304هـ)، كان فقيهًا شاعرًا شجاعًا، هاجر إلى بلادِ الجيلِ والدَّيلمِ داعيًا إلى الإسلامِ، فدخل أهلُها فيه وصاروا زيديَّةً، ثُمَّ انقَرَضت دولةُ الزَّيديَّةِ في تلك البلادِ آخِرَ القَرنِ الرَّابعِ الهِجريِّ، وكانوا سَبَبًا لتغَلُّبِ الدَّيلمِ على خُلَفاءِ بني العبَّاسِ، وقيامِ دَولةِ بني بُوَيهِ الشِّيعيَّةِ في العِراقِ [260] يُنظر: ((مروج الذهب ومعادن الجوهر)) للمسعودي (4/68، 69، 217)، ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (6/628 - 630)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (6/312)، ((المختصر في أخبار البشر)) لأبي الفداء (2/68)، ((تاريخ ابن خلدون)) (1/251) و (4/14، 15)، ((الأعلام)) للزركلي (1/105) و (2/191، 200، 210) و (6/81). .
وقد انقَرَض مَذهَبُ الزَّيديَّةِ من أكثَرِ البلادِ إلَّا بعضَ بلادِ اليَمَنِ، فلا يزالُ المذهَبُ الزَّيديُّ منتَشِرًا في اليَمَنِ، لا سيَّما في صَعدةَ وحَجَّةَ وصَنعاءَ وذِمارٍ والجَوفِ [261] يُنظر: ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (10/208، 209)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (18/15)، ((تاريخ المدينة المنورة)) لابن فرحون (ص: 214)، ((شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام)) للفاسي (2/240 - 242)، ((تاريخ اليمن)) للواسعي (ص: 128 - 253)، ((الأعلام)) للزركلي (1/112، 271، 275، 322) (2/211) و (5/106، 156، 182، 189) و (7/284) و (8/170، 171). .

انظر أيضا: