الموسوعة الفقهية

المطلب الثاني: شروطُ صحَّةِ تكبيرةِ الإحرامِ


الفَرْعُ الأول: مقارنةُ النيَّةِ لتكبيرةِ الإحرامِ
المسألة الأولى: حُكمُ تقدُّمِ النيَّةِ عن تكبيرةِ الإحرامِ
1- تقدُّمُ النيَّةِ عن تكبيرةِ الإحرامِ بزمنٍ طويلٍ:
لا يجوزُ تقدُّمُ النيَّةِ عن تكبيرةِ الإحرامِ بزمنٍ طويلٍ.
الدَّليلُ من الإجماع:
نقَل ابنُ رُشدٍ الجَدُّ: الإجماعَ على أنَّه لا يجوزُ تقدُّمُ النيَّةِ الكثيرُ على تكبيرةِ الإحرامِ
2- تقدُّمُ النيَّةِ عن تكبيرةِ الإحرامِ بزمنٍ يسيرٍ:  
يجوز تقديمُ النيَّةِ عن التَّكبيرِ تقديمًا يسيرًا، ولا يُشترطُ مقارنةُ النيَّةِ للتَّكبيرِ، وهو مذهبُ الجمهور: الحنفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والحنابلةِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ الصَّلاةَ عبادةٌ، فجاء تقديمُ نيتِها عليها كتقديمِ النيَّة في الصومِ على طُلوع الفَجرِ، وتقديمُ النيَّةِ على الفعلِ لا يُخرِجُه عن كونِه مَنْوِيًّا، ولا يُخرجُ الفاعلَ عن كونِه مخلِصًا، كسائرِ الأفعالِ في أثناءِ العبادةِ
ثانيًا: أنَّه لم يُنقَلِ اشتراطُ المقارنةِ المؤدِّيةِ إلى الوسوسةِ المذمومةِ شرعًا وطبعًا؛ فدلَّ ذلك على أنَّهم تسامحوا في التَّقديمِ اليسيرِ
ثالثًا: أنَّ التَّكبيرَ جزءٌ مِن أجزاءِ الصَّلاةِ، فجاز أن تكونَ النيَّةُ مستصحَبةً فيه حُكمًا، وإن لم تكُنْ مذكورةً، كسائرِ أجزاءِ الصَّلاةِ
رابعًا: أنَّ إيجابَ مقارنةِ النيَّةِ للتَّكبيرِ يعسُرُ ويشُقُّ على كثيرٍ مِن النَّاسِ، ويفتَحُ بابَ الوَسواسِ المخرِجِ لهم عن الصَّلاةِ إلى العبَثِ واللَّغوِ مِن القولِ
خامسًا: أنَّ المقصودَ بالنيَّةِ تمييزُ عملٍ عن عملٍ، وهذا يحصُلُ بالنيَّةِ المقترِنةِ والمتقدِّمةِ
سادسًا: أنَّ المعروفَ من صلاةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابِه أنَّهم كانوا يُكبِّرون بيُسرٍ وسهولةٍ مِن غير تعمُّقٍ وتكلُّفٍ وتعسيرٍ وتصعيبٍ، ولو كانت المقارنةُ واجبةً لاحتاجوا إلى ذلك
المسألة الثَّانية: حُكْمُ تأخُّرِ النيَّةِ عن تكبيرةِ الإحرامِ
لا يجوزُ تأخُّرُ النيَّةِ عن تكبيرةِ الإحرامِ باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ والشافعيَّةِ والحنابلةِ
لأنَّ ذلك يَقتضي عُزوبَ النيَّةِ عن أوَّلِ الصَّلاةِ، وخُلوَّ أوَّلِ الصَّلاةِ عن النيَّةِ الواجبةِ ، فلا يقَعُ أوَّلُها عِبادةً؛ لعدمِ النيَّةِ
الفرعُ الثاني: الإتيانُ بتكبيرةِ الإحرامِ قائمًا
يُشترطُ في صحَّةِ تكبيرةِ الإحرامِ في صلاةِ الفرضِ أن يأتيَ بها قائمًا، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحنفيَّةِ ، والمالكيَّةِ ، والشافعيَّةِ ، والحنابلةِ
الدَّليلُ من السنَّةِ:
عن أبي حُميدٍ السَّاعديِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ اعتَدَل قائمًا، ورفَعَ يديه، ثم قال: اللهُ أكبَرُ ))
الفرع الثالث: كونُ تكبيرةِ الإحرامِ بلفظِ (اللهُ أكبَرُ)
لا تنعقِدُ الصَّلاةُ إلَّا بتكبيرةِ الإحرامِ بلفظِ: (اللهُ أكبَرُ)، وهذا مذهبُ المالكيَّةِ ، والحنابلةِ ، وهو قولُ الشافعيِّ القديمُ ، وبه قال أكثَرُ السَّلفِ ، واختاره داودُ الظَّاهريُّ ، وابنُ القيِّمِ ، وابنُ عُثَيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِن السنَّة
1- عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مِفتاحُ الصَّلاةِ: الطُّهورُ، وتحريمُها: التَّكبيرُ، وتحليلُها: التَّسليمُ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ اللَّامَ في قولِه: ((تحريمُها التَّكبير)) للعهدِ، وهو التَّكبيرُ المعهودُ الذي نقَلَتْه الأمَّةُ نقلًا ضروريًّا، خلَفًا عن سلَفٍ، عن نبيِّها أنَّه كان يقولُه في كلِّ صلاةٍ، لا يقولُ غيرَه، ولا مرَّةً واحدةً
2- عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا قام إلى الصَّلاةِ قال: اللهُ أكبَرُ... ))
عن أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا قام إلى الصَّلاةِ اعتَدَل قائمًا، ورفَع يديه، ثم قال: اللهُ أكبَرُ ))
3- عن رِفاعةَ بنِ رافعٍ رضيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تتِمُّ صلاةٌ لأحَدٍ مِن النَّاسِ حتَّى يتوضَّأَ فيضَعَ الوُضوءَ مواضِعَه ثم يقولَ: اللهُ أكبَرُ.... ))
4- عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال للأعرابيِّ: ((إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فكبِّرْ ))
ثانيًا: أنَّ المنقولَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اللهُ أكبَرُ" لم يُخِلَّ به هو ولا أحدٌ مِن خلفائِه ولا أصحابِه، ولو كانت الصَّلاةُ تنعقِدُ بغيرِ هذا اللَّفظِ لترَكه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولو مرَّةً واحدةً في عُمُرِه؛ لبيانِ الجوازِ، فحيث لم ينقُلْ أحَدٌ عنه قطُّ أنَّه عدَل عنه حتَّى فارَقَ الدُّنيا، دلَّ على أنَّ الصَّلاةَ لا تنعقِدُ بغيرِه
ثالثًا: أنَّه لو قام غيرُه مقامَه لجاز أن يقومَ غيرُ كلماتِ الأَذانِ مقامَها، وأن يقولَ المؤذِّنُ: كبَّرْتُ اللهَ، أو اللهُ الكبيرُ، أو اللهُ أعظَمُ، ونحوَه، بل تعيَّن لفظةُ: اللهُ أكبَرُ في الصَّلاةِ، أعظَمَ مِن تعيُّنِها في الأَذانِ؛ لأنَّ كلَّ مسلمٍ لا بدَّ له منها، وأمَّا الأذانُ فقد يكونُ في المِصرِ مؤذِّنٌ واحدٌ أو اثنانِ
رابعًا: أنَّ ألفاظَ الذِّكرِ توقيفيَّةٌ؛ يتوقَّفُ فيها على ما ورَدَ به النَّصُّ، ولا يجوزُ إبدالُها بغيِرها؛ لأنَّها قد تحمِلُ معنًى نظُنُّ أنَّ غيرَها يحمِلُه، وهو لا يحمِلُه

انظر أيضا:

  1. (1) قال ابنُ رشد الجَدُّ: (يجزئ أن تتقدَّمه بيسيرٍ بعد إجماعِهم أنه لا يجوز أن تتقدَّمَه بكثيرٍ). ((المقدمات الممهدات)) (1/170).
  2. (2) ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 146)، وينظر: ((تحفة الملوك)) لزين الدين الرازي (ص: 66).
  3. (3) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/260)، وينظر: ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/170).
  4. (4) ((الفروع وتصحيح الفروع)) (2/ 137)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/339)، ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) (ص: 586).
  5. (5) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/92)، ((المغني)) لابن قدامة (1/339).
  6. (6) ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني)) (1/260).
  7. (7) ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 586).
  8. (8) ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/93)، ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 586).
  9. (9) ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 586).
  10. (10) ((شرح العمدة - كتاب الصلاة)) لابن تيمية (ص: 586).
  11. (11) ((مراقي الفلاح)) للشرنبلالي (ص: 83)، وينظر:  ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/129).
  12. (12) ((حاشية الدسوقي)) (1/236)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/269)، ((كفاية الطالب الرباني)) لأبي الحسن المالكي (2/521).
  13. (13) ((المجموع)) للنووي (3/277) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/152).
  14. (14) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/315)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/494).
  15. (15) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/315).
  16. (16) ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (1/265)، ((الجوهرة النيرة)) للحدادي (1/48).
  17. (17) ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/131).
  18. (18) ((التاج والإكليل)) للمواق (1/514)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/475).
  19. (19) ((روضة الطالبين)) للنووي (1/229)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/151).
  20. (20) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/183)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/330).
  21. (21) رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، وابن ماجه (709) واللفظ له. قال الترمذيُّ: حسن صحيح. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/91)، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، وصححه النَّووي في ((المجموع)) (3/406)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416)، وقال: متلقًّى بالقَبول لا عِلَّة له. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (304).
  22. (22) ((الكافي)) لابن عبد البر (1/ 199)، وينظر: ((التلقين)) للقاضي عبد الوهاب (1/42)، ((المقدمات الممهدات)) لابن رشد (1/169).
  23. (23) ((الإنصاف)) للمرداوي (2/32)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/333).
  24. (24) قال النَّوويُّ: (لفظة التكبير: الله أكبر، فهذا يجزئ بالإجماع، قال الشافعي: ويجزئ: الله الأكبر، لا يجزئ غيرهما، وقال مالك: لا يجزئ إلَّا: الله أكبر، وهو الذي ثبت أنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يقوله، وهذا قول منقول عن الشافعي في القديم). ((شرح النَّووي على مسلم)) (4/96)، ويُنظر: ((المجموع)) للنووي (3/302).
  25. (25) قال ابنُ قُدامة: (الصلاة لا تنعقد إلَّا بقول: "الله أكبر" عند إمامنا، ومالك، وكان ابن مسعود، وطاوس، وأيوب، ومالك، والثوري، والشافعي، يقولون: افتتاح الصلاة: التكبير، وعلى هذا عوامُّ أهل العلم في القديم والحديث). ((المغني)) (1/333)  وقال ابنُ القيِّم: (قال أحمد ومالك وأكثر السَّلف: يتعيَّن لفظ: الله أكبر، وحدها). ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/92).
  26. (26) ((المجموع)) للنووي (3/302).
  27. (27) قال ابنُ القيِّم: (الصحيح: قول الأكثرين، وأنه يتعيَّن: الله أكبر) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/93، 92).
  28. (28) قال ابن عُثَيمين: (فإنْ قال: الله الأكبر، فقال بعض العلماء: إنه يجزئ، وقال آخرون: بل لا يجزئ، والصحيح: أنه لا يجزئ؛ لأن قولك: «أكبر» مع حذف المفضل عليه يدل على أكبرية مطلقة، بخلاف: الله الأكبر، فإنك تقول: ولدي هذا هو الأكبر، فلا يدلُّ على ما تدلُّ عليه «أكبر» بالتنكير، ثم إنَّ هذا هو الذي ورد به النصُّ، وقد قال النبيُّ عليه الصلاة والسلام: «من عمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ»، فالواجب أن يقول: «الله أكبر»). ((الشرح الممتع)) (3/21).
  29. (29) رواه أبو داود (61)، والترمذي (3)، وابن ماجه (224)، وأحمد (1/123) (1006). قال الترمذيُّ: أصحُّ شيء في هذا الباب وأحسنُه، وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/36): رواه أبو داود بسند صحيح. وحسَّنه النَّووي في ((الخلاصة)) (1/384)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/230)، وقال الشَّوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/184): له طُرق يقوِّي بعضها بعضًا، فيصلح للاحتجاج به. وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (2/218)، وحسَّن إسنادَه ابن باز في ((حاشية بلوغ المرام)) (207)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): حسن صحيح.
  30. (30) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/93، 92).  وقال النَّوويُّ: (ليس هو تمسُّكًا بدليل الخطاب، بل بمنطوقٍ، وهو أن قوله: "تحريمها: التكبير" يقتضي الاستغراق، وأنَّ تحريمها لا يكون إلَّا به، وبقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"). ((المجموع)) (3/303، 304).
  31. (31) رواه مسلم (771) بلفظ: ((إذا استفتح الصلاة كبَّر))، وأبو داود (761)، والترمذي (3421)، والنسائي (2/129)، والبزار (2/169) (536) واللفظ له.
  32. (32) رواه أبو داود (730)، والترمذي (304)، وابن ماجه (709) واللفظ له. قال الترمذيُّ: حسن صحيح. واحتجَّ به ابن حزم في ((المحلى)) (4/91)، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/339)، وصحَّحه النَّووي في ((المجموع)) (3/406)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (2/416). وقال: متلقًّى بالقَبول لا عِلَّة له. وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (304).
  33. (33) رواه أبو داود (857) واللفظ له، والنسائي (1053) والدارمي (1368)، والطبراني (5/38) (4526). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (857).
  34. (34) رواه البخاري (757)، ومسلم (397).
  35. (35) ((المجموع)) للنووي (3/303)، ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/93، 92).
  36. (36) ((المجموع)) للنووي (3/303)، ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود)) (1/93).
  37. (37) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (3/21).