المَطلَب الأوَّل: حدُّ العَورةِ
الفرعُ الأوَّل: عورةِ الرَّجُلِ في الصَّلاةِ وستر العاتقين وصفة ما يلبسه في الصلاةالمسألةُ الأُولى: حَدُّ عورَةِ الرَّجُلعورةُ الرَّجُلِ ما بين السُّرَّةِ والرُّكبةِ
، وهذا باتِّفاقِ المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة على الصَّحيح
، والحنابلة
، وبه قال أكثرُ الفُقهاءِ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عنِ المِسْوَرِ بنِ مَخرمَةَ قال: أقبلتُ بحجرٍ أحملُه ثقيلٍ، وعليَّ إزارٌ خفيفٌ، قال: فانحلَّ إزاري ومعي الحجرُ لم أستطعْ أنْ أضعَه حتى بلغتُ به إلى موضعِه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ارجعْ إلى ثوبِكَ فخُذْه ولا تَمشُوا عُراةً ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: في الحديث الأمر بأخْذ الإزارِ، وهو يسترُ ما بين السُّرَّة والرُّكبةِ
2- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا رآه مشتمِلًا بثوبه:
((فإنْ كان واسعًا فالْتَحِفْ به، وإنْ كان ضيِّقًا فاتَّزِرْ به ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله:
((فاتَّزِر بهـ)) دلَّ على وجوبِ سَترِ ما بينَ السُّرة والركبةِ
ثانيًا: لأنَّ ما حولَ السَّوأتينِ مِن حريمِهما، وسترُه تمامُ سترِهما، والمجاورةُ لها تأثيرٌ في مثلِ ذلك، فوجب أن يُعطَى حكمَهما
المسألة الثَّانية: السُّرَّةُ والرُّكبةُ ليستَا مِنَ العورةِالرُّكبةُ والسُّرَّةُ ليستَا مِنَ العورةِ، وهو مذهبُ الجمهور: المالكيَّة
، والشافعيَّة
، والحنابلة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أبي الدرداءِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: كنتُ جالسًا عندَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذ أَقبَلَ
أبو بكر آخذًا بطَرَفِ ثوبِه حتى أبْدَى عن رُكبتِه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أمَّا صاحبُكم فقدْ غامَرَ
))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرَّه على كشْفِ الرُّكبةِ ولم يُنكِرْ عليه؛ فدلَّ على أنَّ الركبةَ ليستْ عورةً
2- عن أبي مُوسى رَضِيَ اللهُ عَنْه:
((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخَلَ حائطًا وأَمَرني بحِفظِ بابِ الحائطِ، فجاءَ رجل يستأذِنُ، فقال: ائذنْ له وبشِّرْه بالجَنَّةِ؛ فإذا أبو بكرٍ، ثم جاءَ آخَرُ يستأذِنُ، فقال: ائذنْ له وبشِّرْه بالجَنِّةِ؛ فإذا عمرُ، ثم جاءَ آخَرُ يستأذنُ، فسكَتَ هُنيهةً، ثم قال: ائذنْ له وبشِّرْه بالجَنَّةِ على بَلوَى ستُصيبُه؛ فإذا عثمانُ بنُ عفَّان)) وفي رواية زاد:
((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان قاعدًا في مكانٍ فيه ماءٌ، قد انكشَفَ عن رُكبتيه - أو رُكبته - فلمَّا دخل عثمانُ غطَّاها ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان كاشفًا عن رُكبتيهِ وهو مع أصحابِه، ولو كانتْ عورةً ما كشَفَها
ثانيًا: ولأنَّهما حدُّ العورةِ فلم يكونَا منها
المسألة الثَّالثة: سَتْرُ العاتقَينِ للرَّجُلِ في الصَّلاةِاختَلف أهلُ العلمِ في اشتراطِ أنْ يَجعَلَ الرَّجلُ على عاتقيه
شيئًا في الصَّلاة
على قولين:
القول الأوّل: يُستَحَبُّ أن يَضعَ الرجلُ على عاتِقَيْه شيئًا في الصَّلاة، وهذا مذهبُ الجمهورِ: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة
، وبه قال أكثرُ الفقهاءِ
، وهو روايةٌ عن
أحمد
، وحُكي الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة 1- عن أبي هُرَيرَة، قال: نادَى رجلٌ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أيُصلِّي أحدُنا في ثوبٍ واحدٍ؟ فقال:
((أوَ كُلُّكم يَجِدُ ثَوبينِ؟! ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ فيه مشروعيَّةُ الصَّلاةِ في الثَّوبِ الواحِدِ، وأنَّ الصَّلاةَ في الثَّوبينِ ليست على الوجوبِ؛ لأنَّ رسولَ اللهِ وأصحابَه قد صلَّوْا في ثوبٍ واحدٍ ومعهم ثيابٌ
2- عن سعيدِ بنِ الحارثِ قال: سأَلْنا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ عن الصَّلاةِ في الثوبِ الواحدِ، فقال:
((خرجتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بعضِ أسفارِه، فجئتُ ليلةً لبعضِ أَمْري فوجدتُه يُصلِّي وعليَّ ثوبٌ واحد فاشتملتُ به وصليتُ إلى جانبه، فلما انصرَف قال: ما السُّرَى
يا جابر؟ فأخبرتُه بحاجتي، فلمَّا فرغتُ قال: ما هذا الاشتمالُ الذي رأيتُ؟ قلت: كان ثوبًا - يعني: ضاقَ - قال: فإنْ كان واسعًا فالْتَحِفْ به، وإنْ كان ضيِّقًا فاتَّزِرْ به ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:قولُه: (فاتَّزِرْ بهـ) يعني: إنْ قَصُرَ عن سَتْرِ جَسَدِه فلْيَسْتُر به عورَتَه؛ لأنَّ سَتْرَها آكَدُ مِن سَتْرِ سائِرِ جَسَدِه؛ لأنَّ سَتر جَسَده سُنَّة وفضيلةٌ، وسَتْر عَوْرَتِه فريضةٌ، وإنَّما أَمَرَه بالالتحافِ بالثَّوبِ الكامِلِ ليجمعَ في اللِّباسِ بين الفَضْلِ والفَرْضِ؛ فإذا قَصُرَ الثَّوْبُ عن ذلك أَمَرَه بالاتِّزارِ به؛ لأنَّه الفَرْضُ
ثانيًا: أنَّ العاتقينِ ليسَا بعورةٍ، فأشبَها بقيَّةَ البدنِ
القول الثاني: يُشترَطُ سَترُ العاتقِ بشيءٍ، وهو مذهبُ الحنابلةِ
، واختارَه
ابنُ حزمٍ
، و
الشوكانيُّ
، و
ابنُ باز
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي هُرَيرَة، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا يُصلِّي أحدُكم في الثوبِ الواحدِ ليسَ على عاتقيه شيءٌ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه نَهى عن ترْكِه في الصَّلاة، والنهيُ يَقتضي فسادَ المنهيِّ عنه
ثانيًا: أنَّها سترةٌ واجبةٌ في الصَّلاة، والإخلالُ بها يُفسِدُها، كسترِ العورةِ
المسألةُ الرَّابِعَة: حُكْمُ التَّجَمُّلِ بأحسَنِ الثِّيابِيُستحَبُّ أنْ يَتجمَّلَ الرجلُ بأحسنِ الثِّيابِ عند الصَّلاةِ؛ نصَّ عليه الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكِتابقال الله تعالى:
يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّه يُستحبُّ التجمُّلُ للصلاةِ بأحسنِ الثِّيابِ؛ لأنَّه من الزينةِ
ثانيًا: من السُّنَّةعن
ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إذا صَلَّى أحدُكم فلْيَلْبَسْ ثوبيه؛ فإنَّ اللهَ أحقُّ مَن يُزيَّن له, فإنْ لم يكن له ثوبانِ, فليتَّزرْ إذا صلَّى, ولا يَشتمِلْ أحدُكم في صلاتِه اشتمالَ اليهودِ ))
ثالثًا: أنَّ المقصودَ من اللِّباسِ التزيُّنُ للهِ في الصَّلاةِ؛ ولذلك جاء باسمِ الزِّينةِ في القرآنِ
الفرعُ الثاني: حدُّ عورةِ المرأةِ في الصَّلاةِ، وحُكْمُ انتقابِها في الصَّلاةِالمسألة الأولى: حدُّ عورةِ المرأةِ في الصَّلاةِيجِبُ على المرأةِ في الصَّلاةِ سَترُ جميعِ جِسمِها، ما عدَا الوجهَ
والكفَّينِ
وهو مذهبُ المالكيَّة
، والشافعيَّة
، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ
، واختارَه
ابنُ حزمٍ
، و
ابنُ باز
، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأَدِلَّةُ:أولًا: من السُّنَّة1- عن
ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((المرأةُ عورةٌ ))
2- عن
عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنه، قال:
((لا يَقبَلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ الحديثَ فيه النَّهيُ عن كشفِ الرَّأس
والعُنُق ونحوهما مما يُسترُ بالخمارِ، ويقتضي ذلك أنَّ الوجهَ لا يُسترُ في الصَّلاة، فدلَّ على أنَّه ليس مِن عورتِها في الصَّلاةِ.
ثانيًا: أنَّ وجهَها ليس بعورةٍ في الإحرامِ، فكذلك في الصَّلاةِ
ثالثًا: أنَّ قَدَمَيِ المرأةِ لا يَجِبُ كَشْفُهما في الإحرامِ فلم يَجِبْ كَشْفُهما في الصَّلاةِ كالسَّاقَينِ
المَسألةُ الثانية: انتقابُ المرأةِ في الصَّلاةِلا تَنتقِبُ المرأةُ في الصَّلاة بلا حاجةٍ.
الأدلَّة:أوَّلًا: من الإجماعنقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ عبد البرِّ
ثانيًا: أنَّ وجهَها ليس بعورةٍ في الإحرامِ، فكذلك في الصَّلاةِ
الفرعُ الثالث: حدُّ عورةِ الخُنْثى المُشكِلِ الحُرِّاختَلفَ أهلُ العلمِ في حدِّ عورةِ الخُنْثى المُشكِلِ
الحُرِّ
على قولينِ:
القول الأوّل: عورتُه كعورةِ المرأةِ الحُرَّةِ؛ نصَّ على هذا الجمهور: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة
، وهو روايةٌ عن
أحمدَ
؛ وذلك لجوازِ أنْ يكونَ أنثى، فكان أمرُه على الاحتياطِ بأنْ يَستتِرَ سترَ المرأةِ
القول الثاني: عورتُه كعورةِ الرَّجُلِ، ويُستحَبُّ سترُه كالحُرِّةِ احتياطًا، وهو مذهبُ الحنابلةِ
، واختارَه
ابنُ تَيميَّة
؛ وذلك لأنَّ سترَ ما زاد على عورةِ الرجلِ مُحتمَلٌ، فلا نُوجِبْ عليه حُكمًا بأمْرٍ مُحتمَل متردِّد