الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الأوَّلُ: أخْذُ الوَقْفِ بالشُّفْعةِ إذا بِيعَ


يُؤخَذُ الوَقْفُ بالشُّفْعةِ إذا جازَ بَيْعُه بأن تَعَطَّلَتْ مَنافِعُه [155] كأنْ تكونَ أرْضٌ نِصْفُها مَوْقوفٌ، ونِصْفُها مَمْلوكٌ، فإذا بِيعَ الوَقْفُ بَعْدَ تَعَطُّلِ مَنافِعِه يَحِقُّ لمالِكِ النِّصْفِ الآخَرِ أن يَأخُذَ الوَقْفَ بالشُّفْعةِ. ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [156] ((المبدع)) لبرهان الدِّين ابن مفلح (5/147)، ((الإنصاف)) للمرداوي (6/208)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (4/125). ، وقَوْلٌ للحَنَفِيَّةِ [157] جَمَعَ ابنُ عابِدينَ بَيْنَ القَوْلَينِ في المَذهَبِ؛ فحَمَلَ القَوْلَ بالمَنْعِ فيما إذا كانَ الوَقْفُ لا يُملَكُ بحالٍ، وعلى القَوْلِ بالجَوازِ فيما إذا كانَ الوَقْفُ يُملَكُ. ((الفتاوى الهندية)) (5/161)، ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/223). ، وهو اخْتِيارُ ابنِ عُثَيْمينَ [158] قالَ ابنُ عُثَيْمينَ: (مِثال: ... زَيدٌ وعَمْرٌو شَريكانِ في أرْضٍ قد أَوْقَفاها، فباعَ عَمْرٌو نَصيبَه مِن هذه الأرْضِ لسَبَبٍ اقْتَضى بَيْعَها، فإنَّه ليس لزَيدٍ أن يَشْفَعَ؛ لأنَّ شَريكَه لو وَقَفَ الأرْضَ لم يكنْ له أن يَشفَعَ، فكذلك إذا باعَها وهي وَقْفٌ فليس له أن يَشفَعَ. والصَّوابُ أيضًا أنَّ له أن يَشفَعَ؛ لأنَّ الوَقْفَ إذا بِيعَ فقدِ انْتَقَلَ بعِوَضٍ ماليٍّ، والضَّرَرُ الحاصِلُ بالشَّرِكةِ الجَديدةِ في الوَقْفِ أَشَدُّ مِن الضَّرَرِ الحاصِلِ في الشَّرِكةِ الجَديدةِ في الطِّلْقِ؛ لأنَّ شَريكَ الطِّلْقِ يَسْتَطيعُ التَّخَلُّصَ ببَيْعِه، وشَريكَ الوَقْفِ لا يَسْتَطيعُ التَّخَلُّصَ، فكانَ الأخْذُ بالشُّفْعةِ بشَرِكةِ الوَقْفِ أَوْلى مِن أخْذِها بالشَّرِكةِ في الطِّلْقِ. والحاصِلُ: أنَّ الشُّفْعةَ ثابِتةٌ في الصُّورتَينِ، وما اسْتَدَلَّ به المانِعونَ لا يَسْتَقيمُ، بلِ الصَّوابُ العُمومُ بدَلالةِ الحَديثِ: «قَضى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالشُّفْعةِ في كُلِّ ما لم يُقسَمْ»، وهذا عامٌّ في الشَّرِكةِ في مِلْكٍ مُطلَقٍ أو شَرِكةِ وَقْفٍ). ((الشرح الممتع)) (10/260). .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن جابِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قالَ: ((قَضى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالشُّفْعةِ في كُلِّ ما لم يُقسَمْ، فإذا وَقَعَتِ الحُدودُ وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، فلا شُفْعةَ)) [159] أخرجه البخاريُّ (2257) واللَّفْظُ له، ومُسلِمٌ (1608) مطوَّلًا. .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ شَرَعَ الشُّفْعةَ فيما لم يُقسَمْ، وهو عامٌّ، ويَدخُلُ فيه الشَّرِكةُ في وَقْفٍ [160] ((الشرح الممتع)) لابن عُثَيْمينَ (10/260). .
ثانِيًا: لأنَّه إذا جازَ بَيْعُ الوَقْفِ جازَ أخْذُه بالشُّفْعةِ [161] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/208)، ((الدر المختار للحصكفي وحاشية ابن عابدين)) (6/223). .

انظر أيضا: