الموسوعة الفقهية

الفَرْعُ الثَّالِثُ: وَقْتُ اسْتِحقاقِ الأُجْرةِ عنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ والعُرْفِ


اخْتَلَفَ العُلَماءُ في وَقْتِ اسْتِحقاقِ الأُجْرةِ عنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ والعُرْفِ، على قَوْلَينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: تُملَكُ الأُجْرةُ بالعَقْدِ وتُستَحَقُّ بتَسْليمِ العَيْنِ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعِيَّةِ ، والحَنابِلةِ .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: القِياسُ على ثَمَنِ البَيْعِ والصَّداقِ إذا أُطْلِقا، بجامِعِ كَوْنِ الجَميعِ عِوَضًا في عَقْدِ مُعاوَضةٍ .
ثانِيًا: لأنَّه عِوَضٌ في عَقْدٍ يُتَعجَّلُ بالشَّرْطِ، فوَجَبَ أن يُتَعجَّلَ بمُطلَقِ العَقْدِ .
القَوْلُ الثَّاني: لا تُملَكُ الأُجْرةُ بالعَقْدِ، وإنَّما تُسْتوفى شَيئًا فشَيئًا، وهو مَذهَبُ الحَنَفِيَّةِ . والمالِكِيَّةِ ، واخْتارَه ابنُ حَزْمٍ .
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِن الكِتابِ
قَوْلُه تَعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق: 6] .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ بإيتائِهنَّ بَعْدَ الإرْضاعِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّها لا تُستَحَقُّ بمَجُرَّدِ العَقْدِ .
ثانِيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: ((قالَ اللهُ: ثَلاثةٌ أنا خَصْمُهم يَوْمَ القِيامةِ: رَجُلٌ أعْطى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَه، ورَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجيرًا فاسْتَوْفى مِنه ولم يُعْطِ أجْرَهـ)) .
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَوعَّدَ على الامْتِناعِ مِن دَفْعِ الأجْرِ بَعْدَ العَمَلِ؛ فدَلَّ على أنَّها حالةُ الوُجوبِ .
ثالِثًا: لأنَّه عِوَضٌ لم يُملَكْ مُعوَّضُه، فلم يَجِبْ تَسْليمُه، كالعِوَضِ في العَقْدِ الفاسِدِ؛ فإنَّ المَنافِعَ مَعْدومةٌ لم تُملَكْ، ولو مُلِكَتْ فلم يَتَسَلَّمْها؛ لأنَّه يَتَسَلَّمُها شَيئًا فشَيئًا .
رابِعًا: لأنَّه يَسْتَوفي مَنْفعةً مَقْصودةً، فوَجَبَ أجْرُها بَعْدَ اسْتيفائِها .
خامِسًا: لأنَّ الأُجْرةَ إنَّما هي على العَمَلِ، فلكلِّ جُزءٍ مِن العَمَلِ جُزءٌ مِن الأُجْرةِ .

انظر أيضا:

  1. (1) ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (6/126)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/334)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/265)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (3/69).
  2. (2) ((الفروع)) لمحمد بن مفلح (7/140)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/40). ويُنظَرُ: ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/329).
  3. (3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/40).
  4. (4) ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/329).
  5. (5) ((الهداية)) للمرغيناني (3/231)، ((العناية)) للبابرتي (9/72، 73).
  6. (6) في إجارةِ العَيْنِ دونَ إجارةِ الذِّمَّةِ، فلا تَجوزُ إلَّا بتَعْجيلِ الأجْرِ أو الشُّروعِ في العَمَلِ. ((مواهب الجليل)) للحطاب (7/502)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (7/7)، ((منح الجليل)) لعليش (7/438).
  7. (7) قالَ ابنُ حَزْمٍ: (وكلُّ ما عَمِلَ الأجيرُ شَيئًا ممَّا اسْتُؤجِرَ لعَمَلِه اسْتَحقَّ مِن الأُجْرةِ بقَدْرِ ما عَمِلَ، فله طَلَبُ ذلك وأخْذُه، وله تَأخيرُه بغَيْرِ شَرْطٍ حتَّى يُتِمَّ عَمَلَه أو يُتِمَّ مِنه جُمْلةً ما). ((المحلى)) (7/14).
  8. (8) ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/329).
  9. (9) أخرجه البُخارِيُّ (2227).
  10. (10) ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/329).
  11. (11) ((المغني)) لابن قُدامةَ (5/329).
  12. (12) ((الهداية) للمرغيناني (3/231).
  13. (13) ((المحلى)) لابن حَزْمٍ (7/14).