الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّالثُ: شُروطُ بَيْعِ العَرَايا


الفَرْعُ الأوَّلُ: مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا أنْ تكونَ دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ
يُشتَرَطُ في عدَدِ الأَوْسُقِ التي يَصِحُّ بها بَيْعُ العَرَايا أنْ تكونَ دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/563)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/472). ، والحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (5/28)، ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/259). ، والظَّاهريَّةِ قال ابنُ حَزمٍ: (يَجوزُ بَيْعُ الزَّهْوِ والرُّطَبِ بكلِّ شَيءٍ يَحِلُّ بَيعُه -حاشا ما ذَكَرْنا- نقْدًا وبالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، نقْدًا ونَسيئةً، حاشا العَرَايا في الرُّطَبِ وحْدَه. ومعناها: أنْ يَأتِيَ الرُّطَبُ ويكونَ قَومٌ يُرِيدون ابتياعَ الرُّطَبِ للأكلِ، فأُبِيحَ لهم أنْ يَبْتاعوا رُطَبًا في رُؤوسِ النَّخلِ بخَرْصِها تَمْرًا فيما دونَ خَمْسةِ أَوسُقٍ، يَدفَعُ التَّمرَ إلى صاحبِ الرُّطَبِ، ولا بُدَّ، ولا يَحِلُّ بتَأخيرٍ، ولا في خَمْسةِ أَوسُقٍ فصاعدًا، ولا بأقلَّ مِن خَرْصِها تَمْرًا ولا بأكثَرَ) ((المحلى)) (7/389). ونسَبَه الشَّوكانيُّ للظَّاهريَّةِ. يُنظر: ((نيل الأوطار)) (5/ 239). ، وابنِ المُنذِرِ قال ابنُ المُنذِرِ: (لا يَجوزُ أنْ يُسْتثنى مِن نَهيِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَيْع الثَّمَرِ بالثَّمرِ إلَّا بيَقينٍ؛ فبَيعُ أقلَّ مِن خَمسةِ أوْسُقٍ جائزٌ؛ إذ ذلك يَقينٌ، وبَيعُ خَمسةِ أَوسُقٍ لا يجوزُ؛ إذ في ذلك شَكٌّ، ولا يَجوزُ أنْ يُسْتثنى مِن يَقينِ ما نَهى عنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن بَيْعِ الثَّمرِ بالثَّمرِ بالشَّكِّ) ((الإشراف)) (6/ 32). ، والصَّنعانيِّ قال الصَّنعانيُّ: (وقَعَ اتِّفاقُ الجُمهورِ على جَوازِ رُخْصةِ العَرَايا، وهو بَيْعُ الرُّطَبِ على رُؤوسِ النَّخْلِ بقَدْرِ كَيْلِه مِن التَّمْرِ خَرْصًا فيما دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ بشَرْطِ التَّقابضِ، وإنَّمَا قُلْنا فيما دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ؛ لِحَديثِ أبي هُرَيرةَ، وهو... «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَخَّصَ في بَيْعِ العَرَايا بخَرْصِها مِن التَّمْرِ، فِيمَا دُونَ خَمْسةِ أوْسُقٍ، أو في خَمْسةِ أوْسُقٍ» مُتَّفقٌ عليه، وعنْ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه «أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَخَّصَ في بَيْعِ العَرَايا بخَرْصِها مِن التَّمْرِ فيمَا دُونَ خَمسةِ أَوْسُقٍ -أو في خَمسةِ-» مُتَّفقٌ عليه. وبيَّنَ مُسلِمٌ أنَّ الشَّكَّ فيه مِن دَاودَ بنِ الحُصَينِ، وقَدْ وقَعَ الاتِّفاقُ بيْن الشَّافعيِّ ومالكٍ على صِحَّتِه فيمَا دُونَ الخَمسةِ، وامتِناعِه فيمَا فوْقَها، والخِلافُ بيْنهما فيهَا، والأقرَبُ تَحْرِيمُه فيها؛ لِحَديثِ جابِرٍ: «سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ حِينَ أَذِنَ لِأصحابِ العَرَايا أنْ يَبِيعُوها بخَرْصِها، يَقولُ: الوَسْقَ والوَسْقَيْنِ، والثَّلاثةَ والأَربَعةَ». أخْرَجَه أحمَدُ، وتَرْجَمَ له ابنُ حِبَّانَ: الاحتِياطُ على ألَّا يَزِيدَ على أرْبَعةِ أوْسُقٍ) ((سبل السلام)) (3/ 45). ، وابنِ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (فالعَرَايا لا بأْسَ أنْ يَبيعَ ثمَرًا بخَرصِه تمْرًا، فلا بأْسَ؛ لأنَّه عندَ الحاجةِ يكونُ الخرْصُ قائمًا مَقامَ الكيْلِ، فإذا باعَ الثَّمرةَ في رُؤوسِ النَّخلِ رُطَبًا بخرْصِها تمْرًا؛ لمَسيسِ الحاجةِ إلى التَّمتُّعِ بالرُّطَبِ، فلا بأْسَ، مِثلًا بمِثلٍ، فيكونُ الخرْصُ حِينئذٍ قائمًا مَقامَ الكيْلِ للحاجةِ، هذا بَيْعٌ مُستثنًى فقطْ، وهو العَرَايا فيما دونَ خَمسةِ أوْسُقٍ، لا بُدَّ أنْ تكونَ في أقلَّ مِن خمْسةِ أوْسُقٍ، كما في حَديثِ أبي هُرَيرةَ: «رُخِّصَ في العَرَايا فيما دُونَ خَمسةِ أوْسُقٍ، أو في خَمسةِ أوْسُقٍ»، شكٌّ مِن الرَّاوي؛ ولهذا قال: لا بُدَّ أنْ يكونَ دونَ خَمسةِ أوْسُقٍ، عمَلًا باليَقينِ) ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 532). ، وهو قَوْلُ ابْنِ عُثَيمينَ في أحَدِ قَولَيْه قال ابنُ عُثَيمينَ: (الحديث... فيه شكٌّ هلْ هو في خَمسةِ أوْسُقٍ أو فيما دُونَ خَمسةِ أوْسُقٍ؟ وهنا ثلاثُ صُوَرٍ: أنْ تكونَ بأقلَّ، أنْ تكونَ في أكثَرَ، أنْ تكونَ في الخَمسةِ؛ أمَّا فيما هو أقلُّ فلا شكَّ أنَّ الحديثَ يَتناوَلُه، وأمَّا ما هو أكثَرُ فلا شكَّ أنَّ الحديثَ يدُلُّ على المنْعِ فيه، وأمَّا ما كان خَمسةَ أوْسُقٍ فهو مَحلُّ شَكٍّ، وما هي القاعدةُ في مِثلِ هذا؟ القاعدةُ: أنْ نُحوِّلَ المشْكوكَ فيه إلى الشَّيءِ المُتيقَّنِ، والمُتيقَّنُ في هذا أنَّ بَيْعَ الرُّطَبِ بالتَّمرِ لا يجوزُ، فتَبْقى الخمسةُ مَشكوكًا فيها: هل تَجوزُ أوْ لا؟ والأصلُ المنْعُ، وعلى هذا فنَأخذُ هذا الشَّرطَ الثَّالثَ: أنْ تكونَ فيما دُونَ خَمسةِ أوْسُقٍ، الشُّروطُ الآنَ ثَلاثةٌ، مِن أيْن تُؤخَذُ؟ الأوَّلُ قال: "أنْ تُباعَ بخَرْصِها". والثَّاني: "أنْ يَأكُلوها رُطَبًا". والثَّالثُ: أنْ "تكون فيما دُونَ خَمسةِ أوْسُقٍ") ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/54). ، ونسَبَه الصَّنعانيُّ للجُمهورِ قال الصَّنعانيُّ: (وقَعَ اتِّفاقُ الجُمهورِ على جَوازِ رُخْصةِ العَرَايا) ((سبل السلام)) (3/ 45).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن بُشَيرِ بنِ يَسارٍ مَولى بَني حارثةَ، أنَّ رافعَ بنَ خَديجٍ وسَهلَ بنَ أبي حَثْمةَ، حدَّثاهُ ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن المُزابَنةِ -الثَّمرِ بالتَّمرِ-، إلَّا أصحابَ العَرَايا؛ فإنَّه قدْ أَذِنَ لهم)) أخرجه البخاري (2383، 3384)، ومسلم (1540) واللفظ له.
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ في بَيْعِ العَرَايا في خَمسةِ أَوْسُقٍ، أو دُونَ خَمسةِ أَوْسُقٍ )) أخرجه البخاري (2190) واللفظ له، ومسلم (1541).
وَجْه الدَّلالةِ مِن الحَديثينِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن المُزابَنةِ، وهي: بَيْعُ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، ثمَّ أرْخَصَ في العَريَّةِ فيما دُونَ خَمسةِ أَوْسُقٍ، وشكَّ رَاوي الحديثِ في الخَمسةِ، فيَبْقى على العُمومِ في التَّحريمِ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/45).
ثانيًا: لأنَّ خَمسةَ الأَوْسُقِ في حُكمِ ما زاد عليها؛ بدَليلِ وُجوبِ الزَّكاةِ فيها دُونَ ما نَقَص عنها، ولأنَّها قدْرٌ تَجِبُ الزَّكاةُ فيه، فلم يَجْزُ بَيعُه عَرِيَّةً، كالزَّائدِ عليها يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/46).
ثالِثًا: لأنَّ العَرِيَّةَ رُخْصةٌ بُنِيَت على خِلافِ النَّصِّ والقِياسِ يَقينًا فيما دُونَ الخَمسةِ، والخمسةُ مَشكوكٌ فيها، فلا تَثبُتُ إباحتُها مع الشَّكِّ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/45، 46).
الفَرْعُ الثَّاني: اشتِراطُ أنْ تكونَ الشَّجرةُ مَوهوبةً لبائعِها في بَيْعِ العَرَايا
لا يُشْتَرَطُ في بَيْعِ العَرَايا أنْ تكونَ الشَّجرةُ مَوهوبةً لبائعِها، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ ((تكملة المجموع)) للسُّبكي (11/31،17). ، والحَنابِلةِ ((الفروع)) لابن مُفْلِح (6/304)، ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (3/259)، وينظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/47). ، وهو ما دلَّ عليه كَلامُ ابنِ المُنذِرِ قال ابنُ المُنذِرِ في تَفسيرِ مَعنى العَرَايا: (اختَلَفوا في تَفسيرِ العَرَايا؛ فكان أبو عُبيدٍ يقولُ: العَرَايا تُفسَّرُ بتَفسيرينِ؛ كان مالكٌ يقولُ: هي النَّخلةُ يَهَبُ الرَّجلُ ثَمرتَها للمُحتاجِ، يُعرِيها إيَّاهُ، فيَأتي المُعْرَى -وهو الموهوبُ له- إلى نَخلتِه تلك ليَجتنِيَها، فيَشُقُّ ذلك على المُعْرِي له دُخولُه عليه، فجاءت الرُّخصةُ له خاصةً أنْ يَشترِيَ ثمَرَ تلك النَّخلةِ مِن الموهوبِ بخَرْصِها تمْرًا. أمَّا التَّفسيرُ الآخَرُ: فهو أنَّ العَرَايا هي النَّخلاتُ يَسْتثنِيها الرَّجلُ مِن حائطِهِ إذا باع ثَمرتَه، فلا يُدخِلُها في البَيعِ، ويُبْقِيها لنفْسِه وعِيالِه، فأرخَصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ الحاجةِ والمسْكَنةِ الَّذين لا وَرِقَ لهم، ولا ذَهَبَ، وهمْ يَقدِرون على الثَّمرِ؛ أنْ يَبْتاعوا بتَمْرِهم مِن ثِمارِ هذه العَرَايا بخَرْصِها، فَعَل ذلك بهم تَرفُّقًا بأهلِ الفاقَةِ الَّذين لا يَقدِرون على الرُّطَبِ. قال أبو بَكرٍ: وهذا أصَحُّ في المعنى مِن الأوَّلِ) ((الإشراف)) (6/33). ، وابنِ حَزمٍ قال ابنُ حَزمٍ: (يَجوزُ بَيْعُ الزَّهْوِ والرُّطَبِ بكلِّ شَيءٍ يَحِلُّ بَيعُه -حاشا ما ذَكَرْنا- نقْدًا وبالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، نقْدًا ونَسيئةً، حاشا العَرَايا في الرُّطَبِ وحْدَه. ومعناها: أنْ يَأتِيَ الرُّطَبُ ويكونَ قَومٌ يُرِيدون ابتياعَ الرُّطَبِ للأكلِ، فأُبِيحَ لهم أنْ يَبْتاعوا رُطَبًا في رُؤوسِ النَّخلِ بخَرْصِها تَمْرًا فيما دونَ خَمْسةِ أَوسُقٍ، يَدفَعُ التَّمرَ إلى صاحبِ الرُّطَبِ، ولا بُدَّ، ولا يَحِلُّ بتَأخيرٍ، ولا في خَمْسةِ أَوسُقٍ فصاعدًا، ولا بأقلَّ مِن خَرْصِها تَمْرًا ولا بأكثَرَ) ((المحلى)) (7/389). ، وابنِ تَيمِيَّةَ قال ابنُ تَيميَّةَ: (يَجوزُ للحاجةِ ما لا يَجوزُ بدُونِها، كما جاز بَيْعُ العَرَايا) ((مجموع الفتاوى)) (29/480). ، وابنِ القَيِّمِ قال ابنُ القيِّمِ: (حرَّمَ عليهم بَيْعَ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، وأباح لهمْ منه العَرَايا) ((إعلام الموقعين)) (2/113). وقال: (فأخَذْنا بحَديثِ النَّهيِ عن بَيْعِ التَّمرِ بالتَّمرِ مُتفاضِلًا، وأخَذْنا بحَديثِ النَّهيِ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ مُطلَقًا، وأخَذْنا بحَديثِ العَرَايا وخصَّصْنا به عُمومَ حَديثِ النَّهيِ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ) ((إعلام الموقعين)) (2/237). ، والصَّنعانيِّ قال الصَّنعانيُّ -في شَرحِه لحديثِ "رُخِّصَ في العَرِيَّةِ يَأخُذُها أهلُ البيتِ بخَرْصِها تَمْرًا، يَأكُلونها رُطَبًا"-: (التَّرخيصُ في الأصلِ: التَّسهيلُ والتَّيسيرُ، وفي عُرفِ المتشرِّعةِ: ما شُرِعَ مِن الأحكامِ لعُذرٍ، مع بَقاءِ دَليلِ الإيجابِ والتَّحريمِ لوْلا ذلك العُذرُ، وهذا دَليلٌ على أنَّ حُكمَ العَرَايا مُخرَجٌ مِن بيْن المحرَّماتِ مَخصوصٌ بالحُكمِ، وقدْ صُرِّحَ باسْتِثنائِه في حَديثِ جابرٍ عندَ البُخاريِّ بلَفظِ: «نَهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن بَيْعِ الثَّمرِ حتَّى يَطِيبَ، ولا يُباعُ شَيءٌ منه إلَّا بالدَّنانيرِ والدَّراهمِ، إلَّا العَرَايا»، وفي قولِه: «في العَرَايا» مُضافٌ مَحذوفٌ، أي: في بَيْعِ ثَمَرِ العَرَايا؛ لأنَّ العَرِيَّةَ هي النَّخلةُ) ((سبل السلام)) (2/62). وقال: (وقَعَ اتِّفاقُ الجُمهورِ على جَوازِ رُخْصةِ العَرَايا، وهو بَيْعُ الرُّطَبِ على رُؤوسِ النَّخْلِ بقَدْرِ كَيْلِه مِن التَّمْرِ خَرْصًا فيما دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ بشَرْطِ التَّقابضِ، وإنَّمَا قُلْنا فيما دُونَ خَمْسةِ أَوْسُقٍ؛ لِحَديثِ أبي هُرَيرةَ) ((سبل السلام)) (2/63). ، والشَّوكانيِّ قال الشَّوكانيُّ: (المرادُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ للفُقراءِ الَّذين لا نخْلَ لهم أنْ يَشترُوا مِن أهلِ النَّخلِ رُطَبًا يَأكُلونه في شَجَرِه بخَرْصِه تَمْرًا، والعَرَايا جمْعُ عَرِيَّةٍ، وهي في الأصلِ عَطيَّةُ ثَمرِ النَّخلِ دونَ الرَّقبةِ، وقدْ ذهَبَ إلى ذلك الجُمهورُ، ومَن خالَفَ فالأحاديثُ تَرُدُّ عليه) ((الدراري المضية)) (2/262). ، وابنِ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (العَرَايا: كونُ الإنسانِ يَحتاجُ إلى رُطَبٍ، وليْس عندَه دَراهمُ، فيَشْتري بالتَّمرِ الَّذي عِنده النَّخيلَ -الثَّمرةَ- بخَرْصِها تمرًا، ويُعطِيه التَّمرَ يَدًا بيَدٍ، هذه رُخصةٌ خاصَّةٌ؛ لحاجةِ النَّاسِ إلى الرُّطَبِ، إذا كان ليْس عِندهم نُقودٌ، فيَأخُذُها بخَرْصِها تمْرًا، والمشْتري يَأكُلُه رُطَبًا، على أنْ تكونَ الثَّمرةُ خمْسةَ أَوسُقٍ فأقلَّ؛ يعني: أقلَّ مِن خمْسةِ أَوسُقٍ؛ لأنَّ الشَّكَّ يَقْتضي عدَمَ حِلِّ الخمسةِ، والوسْقُ سِتُّون صاعًا، [فالعَرَايا تكونُ] في أقلَّ مِن ثَلاثِ مائةِ صاعٍ، لا بأْسَ بذلك، واحدُها: عَرِيَّةٌ، والعَرِيَّةُ هي هذه، هي الَّتي تُشترى بخَرْصِها تمرًا، والتَّمرُ في رُؤوسِ النَّخلِ) ((الموقع الرسمي للشيخ ابن باز)). ، وابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (أجاز الشَّرعُ بعضَ المسائلِ الرِّبويَّةِ مِن أجْلِ المصلحةِ، مِثلُ بَيْعِ العَرَايا) ((الشرح الممتع)) (6/115). وقال: (العَرَايا هي أنْ يكونَ عندَ إنسانٍ تمْرٌ مِن العامِ الماضي، وجاء الرُّطَبُ هذا العامَ، وأراد أنْ يَتفكَّهَ بالرُّطَبِ، لكنَّه ليْس عنده دَراهمُ، وليْس عنده إلَّا تمْرٌ يابسٌ مِن العامِ الماضي؛ فهنا رَخَّصَ الشَّرعُ بجَوازِ شِراءِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، وسُمِّيَت عَرايا؛ لعُروِّها عن الثَّمنِ، فيَأتي هذا الرَّجلُ الفقيرُ الَّذي عنده تمْرٌ مِن العامِ الماضي إلى صاحبِ البُستانِ، ويقولُ: بِعْني تمْرَ هذه النَّخلةِ -الَّذي هو الآنَ رُطَبٌ- بالتَّمرِ، فهذا جائزٌ؛ لدُعاءِ الحاجةِ إليه؛ فإنَّ هذا الفقيرَ يُريدُ أنْ يَتفكَّهَ كما يَتفكَّهُ النَّاسُ، وليْس عِنده دَراهمُ، فيَشْتري الرُّطَبَ على رُؤوسِ النَّخلِ بالتَّمرِ) ((الشرح الممتع)) (8/419).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن سَهلِ بنِ أبي حَثْمةَ رَضِي اللهُ عنه قال: ((أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن بَيْعِ الثَّمرِ بالتَّمرِ، ورخَّصَ في العَريَّةِ أنْ تُباعَ بخَرْصِها، يَأكُلُها أهْلُها رُطَبً ا)) أخرجه البخاري (2191) واللفظ له، ومسلم (1540).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
قولُه: ((ورخَّصَ في العَريَّةِ أنْ تُباعَ بخَرْصِها)) فيه التَّصريحُ بتَرخيصِ العَرِيَّةِ مُطلَقًا وبَيعِها مِن غيرِ الواهبِ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/45، 47).
ثانيًا: لأنَّ ما جاز بَيعُه إذا كان مَوهوبًا، جاز وإنْ لم يكُنْ مَوهوبًا، كسائرِ الأموالِ، وما جاز بَيعُه لِواهبِه، جاز لغيرِه، كسائرِ الأموالِ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/47).
ثالِثًا: لأنَّ عِلَّةَ الرُّخصةِ حاجةُ المُشْتري إلى أكْلِ الرُّطَبِ، ولا ثَمَنَ معه سِوى التَّمرِ، فمتى وُجِدَ ذلك، جاز البَيْعُ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/47).
رابعًا: لأنَّ اشتراطَ كونِها مَوهوبةً مع اشتراطِ حاجةِ المُشْتري إلى أكْلِها رُطَبًا، ولا ثَمَنَ معه؛ يُفْضي إلى سُقوطِ الرُّخصةِ؛ إذ لا يَكادُ يَتَّفِقُ ذلك يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/47).
الفَرْعُ الثَّالثُ: مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا أنْ يكونَ بخَرْصِه مِن التَّمرِ يُشتَرَطُ في بَيْعِ العَرَايا: أنْ يكونَ الرُّطَبُ الَّذي في النَّخلِ إذا يَبِسَ مُساويًا للتَّمرِ الَّذي دُفِعَ؛ كأنْ يكونَ الرُّطَبُ الَّذي في النَّخلِ إذا يَبِسَ يُساوي مائةَ صاعٍ، فيُؤخَذُ مُقابِلَها مائةُ صاعٍ مِن التَّمرِ.
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ العَرَايا أنْ يُباعَ بخَرْصِه مِن التَّمرِ، وهو مَذْهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ بناءً على تعريفِهم. ((التاج والإكليل)) للموَّاق (4/502)، ((كفاية الطالب الرباني ومعه حاشية العدوي)) (2/221). ، والشَّافِعيَّةِ ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/563)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/93). ، والحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (5/28)، ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (3/258، 259). ، واخْتارَهُ ابنُ المُنذِرِ قال ابنُ المُنذِرِ: (رُخِّصَ في بَيْعِ العَرَايا بخَرْصِها، وذلك مُستثنًى مِن جُملةِ نَهيِه عن بَيْعِ التَّمرِ بالتَّمرِ، وَلا يَجوزُ أنْ يُباعَ مِن العَرَايا إلَّا دونَ خَمسةِ أَوْسُقٍ) ((الإقناع)) (1/ 260). ، وابنُ حَزمٍ قال ابنُ حَزمٍ: (يَجوزُ بَيْعُ الزَّهْوِ والرُّطَبِ بكلِّ شَيءٍ يَحِلُّ بَيعُه -حاشا ما ذَكَرْنا- نقْدًا وبالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، نقْدًا ونَسيئةً، حاشا العَرَايا في الرُّطَبِ وحْدَه. ومعناها: أنْ يَأتِيَ الرُّطَبُ ويكونَ قَومٌ يُرِيدون ابتياعَ الرُّطَبِ للأكلِ، فأُبِيحَ لهم أنْ يَبْتاعوا رُطَبًا في رُؤوسِ النَّخلِ بخَرْصِها تَمْرًا فيما دونَ خَمْسةِ أَوسُقٍ، يَدفَعُ التَّمرَ إلى صاحبِ الرُّطَبِ، ولا بُدَّ، ولا يَحِلُّ بتَأخيرٍ، ولا في خَمْسةِ أَوسُقٍ فصاعدًا، ولا بأقلَّ مِن خَرْصِها تَمْرًا ولا بأكثَرَ، فإنْ وقَعَ ما قُلنا: إنَّه لا يَجوزُ، فُسِخَ أبدًا، وضُمِن ضَمانَ الغصْبِ) ((المحلى بالآثار)) (7/ 389). ، وابنُ تَيمِيَّةَ قال ابنُ تَيميَّةَ: (فإذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن المُزابَنةِ -وهي بَيْعُ الرُّطَبِ بالتَّمرِ-؛ لِما في ذلك مِن بَيْعِ الرِّبَويِّ بجِنسِه مُجازَفةً -وبابُ الرِّبا أشدُّ مِن بابِ الميْسِرِ- ثمَّ إنَّه أرْخَصَ في العَرَايا أنْ تُباعَ بخَرْصِها؛ لأجْلِ الحاجةِ) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/ 234). ، والشَّوكانيُّ قال الشَّوكانيُّ: (المرادُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رخَّصَ للفُقراءِ الَّذين لا نخْلَ لهم أنْ يَشترُوا مِن أهلِ النَّخلِ رُطَبًا يَأكُلونه في شَجَرِه بخَرْصِه تَمْرًا، والعَرَايا جمْعُ عَرِيَّةٍ، وهي في الأصلِ عَطيَّةُ ثَمرِ النَّخلِ دونَ الرَّقبةِ، وقدْ ذهَبَ إلى ذلك الجُمهورُ، ومَن خالَفَ فالأحاديثُ تَرُدُّ عليه) ((الدراري المضية)) (2/ 262). ، وابنُ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (فالمعنى أنَّه لا بأْسَ في العَرَايا في أقلَّ مِن ثلاثِ مائةِ صاعٍ بصاعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهي أنْ يكونَ الإنسانُ عندَه تمْرٌ، ولا يكونَ عندَه نُقودٌ -في الغالبِ ما يَتيسَّرُ له الشِّراءُ بالنُّقودِ-، فيَشْتريَ ثمَرَ نَخلةٍ أو نَخلتينِ بالخرْصِ، ويُسلِّمَ لهم تمْرًا مُقابلَ ذلك، فإذا خَرَصوا النَّخلةَ، مثلًا عِشرينَ صاعًا، أعْطاهُ عِشرينَ صاعًا مِن التَّمرِ، خرَصَوها ثلاثينَ، أعْطاهمْ ثَلاثينَ، مِثلًا بمِثلٍ، لكنْ هذا بالكيْلِ، والرُّطَبُ يكونُ بالخرْصِ بما يَؤُولُ إليه تمْرًا، تُخرَصُ هذه النَّخلةُ أو النَّخلاتُ بما تَؤُولُ إليه إذا أتْمَرَت، ويُؤخَذُ مُقابِلُها مِن صاحبِ العَريَّةِ؛ مِن صاحبِ المالِ الَّذي يُريدُ الشِّراءَ، يَأخُذُ مُقابِلَها تمْرًا أصواعًا بأصواعٍ، مِثلًا بمِثلٍ، هذه العَرَايا. وشَرْطُها أنْ يكونَ في أقلَّ مِن خَمسةِ أوْسُقٍ، وشَرْطُها أنْ يكونَ يَدًا بيَدٍ؛ هذا يُسلِّمُ التَّمرَ، وهذا يُخلِّي بيْنه وبيْن النَّخلةِ أو النَّخلاتِ، ويكونَ بالخرْصِ خرْصِه تمْرًا، وإذا كان يَستطيعُ النُّقودَ يَنْبغي أنْ يَشْتريَ بالنُّقودِ، ويدَعَ هذا الأمرَ المشْتبِهَ؛ يَشْتري بالنُّقودِ حتَّى يكونَ أبعَدَ له عن الشُّبهةِ) ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 538). ، وابنُ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (الشَّرطُ الرَّابعُ: أنْ يكونَ الرُّطَبُ في خَرْصِه بمِقدارِ ما يَؤولُ إليه مُساويًا للتَّمرِ، بمعنى: أنْ نقولَ: هذا الرُّطَبُ إذا يَبِسَ يَأتي منه مائةُ صاعٍ، ويُبدَلُ بمائةِ صاعٍ بدونِ زِيادةٍ، يعني: يكونُ خرْصُ الرُّطَبِ بما يَؤُولُ إليه تمْرًا مُساويًا للتَّمرِ الَّذي دُفِعَ) ((فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام)) (4/ 47). ، وحَكى ابنُ قُدامةَ إجماعَ مَن أباح بَيْعَ العَرَايا على ذلك قال ابنُ قُدَامةَ: (يَجوزُ بيعُها بخَرْصِها مِن التَّمرِ، لا أقلَّ منه ولا أكثَرَ، ويَجِبُ أنْ يكونَ التَّمرُ الَّذي يَشْتَري به مَعلومًا بالكيْلِ، ولا يَجوزُ جِزافًا. لا نَعلَمُ في هذا عندَ مَن أباح بَيْعَ العَرَايا اختلافًا) ((المغني)) (4/ 47).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن زَيدِ بنِ ثابتٍ رَضِي اللهُ عنه، قال: ((رخَّصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنْ تُباعَ العَرَايا بخَرْصِها تمْرًا )) أخرجه البخاري (2380) واللفظ له، ومسلم (1539).
ثانيًا: لأنَّ الشَّارعَ أقام الخَرْصَ مُقامَ الكيْلِ، ولا يُعدَلُ عنه كما لا يُعدَلُ عن الكيْلِ فيما يُشْتَرَطُ فيه الكيْلُ يُنظر: ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/258).
ثالِثًا: لأنَّ الأصلَ اعتبارُ الكيْلِ مِن الجانبينِ، سَقَط في أحدِهما وأُقِيمَ الخرْصُ مُقامَه للحاجةِ يُنظر: ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/259).
رابعًا: لأنَّ ترْكَ الكيْلِ مِن الطَّرَفَينِ يُكثِرُ الغَرَرَ، وفي تَرْكِه مِن أحدِهما يَقِلُّ الغَرَرُ، ولا يَلزَمُ مِن صِحَّتِه مع قِلَّةِ الغَرَرِ صِحَّتُه مع كَثرتِه يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/48).
الفَرْعُ الرَّابعُ: مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا أنْ يكونَ التَّقابُضُ في المجلِسِ
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ العَرَايا أنْ يكونَ التَّقابُضُ في المجلِسِ والقبْضُ يكونُ كُلٌّ بحسَبِه؛ ففي النَّخلِ يكونُ بتَخليتِه؛ بأنْ يُمكَّنَ مِن التَّصرُّفِ فيه، والقبضُ في التَّمرِ بكَيلِه. يُنظر: ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/259). ، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/472)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/94)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (4/158). ، والحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (5/28)، ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/259). ، واخْتارَهُ ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حَزمٍ: (يَجوزُ بَيْعُ الزَّهْوِ والرُّطَبِ بكلِّ شَيءٍ يَحِلُّ بَيعُه -حاشا ما ذَكَرْنا- نقْدًا وبالدَّراهمِ والدَّنانيرِ، نقْدًا ونَسيئةً، حاشا العَرَايا في الرُّطَبِ وحْدَه. ومعناها: أنْ يَأتِيَ الرُّطَبُ ويكونَ قَومٌ يُرِيدون ابتياعَ الرُّطَبِ للأكلِ، فأُبِيحَ لهم أنْ يَبْتاعوا رُطَبًا في رُؤوسِ النَّخلِ بخَرْصِها تَمْرًا فيما دونَ خَمْسةِ أَوسُقٍ، يَدفَعُ التَّمرَ إلى صاحبِ الرُّطَبِ، ولا بُدَّ، ولا يَحِلُّ بتَأخيرٍ، ولا في خَمْسةِ أَوسُقٍ فصاعدًا، ولا بأقلَّ مِن خَرْصِها تَمْرًا ولا بأكثَرَ، فإنْ وقَعَ ما قلُنْا: إنَّه لا يجوزُ، فُسِخَ أبدًا، وضُمِنَ ضَمانَ الغصْبِ) ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (7/ 389). ، والصَّنعانيُّ قال الصَّنعانيُّ: (أمَّا اشتِراطُ التَّقابُضِ فلأنَّ التَّرخيصَ إنَّما وَقَع في بَيْعِ ما ذُكِر مع عدَمِ تَيقُّنِ التَّساوي فقطْ، وأمَّا التَّقابُضُ فلمْ يَقَعْ فيه تَرخيصٌ، فبَقِي على الأصلِ مِن اعتبارِه، ويدُلُّ لاشتراطِه ما أخرَجَه الشَّافعيُّ مِن حَديثِ زَيدِ بنِ ثابتٍ: «أنَّه سمَّى رِجالًا مُحتاجِين مِن الأنصارِ شَكَوا إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا نقْدَ في أيْدِيهم يَبْتاعون به رُطَبًا ويَأكُلون مع النَّاسِ، وعندهم فُضولُ قُوتِهم مِن التَّمرِ، فرخَّصَ لهم أنْ يَبْتاعوا العَرَايا بخَرْصِها مِن التَّمرِ»، وفيه مَأخَذٌ لمَن يَشترِطُ التَّقابُضَ، وإلَّا لم يكُنْ لذِكرِ وُجودِ التَّمرِ عِندهم وَجهٌ) ((سبل السلام)) (3/45). ، وابنُ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (شَرطُها أنْ يكونَ في أقلَّ مِن خَمسةِ أوْسُقٍ، وشَرْطُها أنْ يكون يَدًا بيَدٍ؛ هذا يُسلِّمُ التَّمرَ، وهذا يُخلِّي بيْنه وبيْن النَّخلةِ أو النَّخلاتِ، ويكون بالخرْصِ؛ خرْصِه تمْرًا، وإذا كان يَستطيعُ النُّقودَ يَنْبغي أنْ يَشْتريَ بالنُّقودِ، ويدَعَ هذا الأمرَ المشْتبِهَ؛ يَشْتري بالنُّقودِ حتَّى يكونَ أبعَدَ له عن الشُّبهةِ) ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 539). ، وابنُ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (السَّابعُ: «التَّقابُضُ بيْن الطَّرَفينِ» ما هو الدَّليلُ على شَرطِ التَّقابُضِ؟ الدَّليلُ على ذلك: أنَّ الأصلَ في بَيْع التَّمرِ بالتَّمرِ أنَّه لا بُدَّ فيه مِن الشَّرطينِ: التَّساوي والتَّقابُضِ) ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/54). ، وحُكي فيه عدَمُ الخِلافِ قال ابنُ قُدَامةَ: (يُشترَطُ في بَيْعِ العَرَايا التَّقابُضُ في المجلِسِ. وهذا قولُ الشَّافعيِّ، ولا نَعلَمُ فيه مُخالِفًا) ((المغني)) (4/48).
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ التَّمرَ جِنسٌ رِبَويٌّ بِيعَ بمِثلِه؛ فاشتُرِطَ فيه التَّقابُضُ، إلَّا ما استَثْناه الشَّرعُ ممَّا لا يُمكِنُ اعتبارُه في بَيْعِ العَرَايا يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/48).
ثانيًا: لأنَّه بَيْعُ مَطعومٍ بمِثلِه يُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/472).
الفَرْعُ الخامِسُ: مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا أنْ يكونَ البَيْعُ لمُحتاجٍ
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ العَرَايا أنْ يكونَ البَيْعُ لمُحتاجٍ إلى أكْلِ الرُّطَبِ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمرداوي (5/28)، ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (3/259). ، وقولُ ابنِ المُنذِرِ قال ابنُ المُنذِرِ: (العَرَايا هي النَّخلاتُ يَسْتثنِيها الرَّجلُ مِن حائطِهِ إذا باع ثَمرتَه، فلا يُدخِلُها في البَيعِ، ويُبْقِيها لنفْسِه وعِيالِه، فأرخَصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ الحاجةِ والمسْكَنةِ الَّذين لا وَرِقَ لهم، ولا ذَهَبَ، وهمْ يَقدِرون على الثَّمرِ؛ أنْ يَبْتاعوا بتَمْرِهم مِن ثِمارِ هذه العَرَايا بخَرْصِها، فَعَل ذلك بهم تَرفُّقًا بأهلِ الفاقَةِ الَّذين لا يَقدِرون على الرُّطَبِ) ((الإشراف)) لابن المنذر (6/ 33). ، وابنِ بازٍ قال ابنُ بازٍ: (العَرَايا لا بأْسَ أنْ يَبيعَ ثمَرًا بخَرصِه تمْرًا، فلا بأْسَ؛ لأنَّه عندَ الحاجةِ يكونُ الخرْصُ قائمًا مَقامَ الكيْلِ، فإذا باعَ الثَّمرةَ في رُؤوسِ النَّخلِ رُطَبًا بخرْصِها تمْرًا؛ لمَسيسِ الحاجةِ إلى التَّمتُّعِ بالرُّطَبِ، فلا بأْسَ، مِثلًا بمِثلٍ، فيكونُ الخرْصُ حِينئذٍ قائمًا مَقامَ الكيْلِ للحاجةِ... فهذا تَمْرٌ بتَمرٍ رُخِّصَ فيه للحاجةِ، وشِدَّةِ الحاجةِ، لكنْ يَدًا بيَدٍ) ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 532). ، واختيارُ ابنِ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (الشَّرطُ الرَّابعُ: أنْ يكونَ مُحتاجًا للرُّطَبِ، بمعنى أنَّه يُريدُه للأكْلِ والتَّفكُّهِ، لا يُريدُ أنْ يُبْقِيَه إلى أنْ يُتْمِرَ) ((الشرح الممتع)) (8/419). ؛ وذلك لأنَّ ما أُبِيحَ للحاجةِ لم يُبَحْ مع عَدَمِها، كالزَّكاةِ للمساكينِ والتَّرخُّصِ في السَّفرِ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/49).
الفَرْعُ السَّادِسُ: مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا أنْ يَأخُذَ المُشْتري العَريَّةَ رُطَبًا
مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا أنْ يَأخُذَ المُشْتري العَريَّةَ رُطَبًا، وهو مَذهَبُ الشَّافِعيَّةِ العِبرةُ بكَونِه رُطَبًا عند الشِّراءِ، فإنْ ترَكَها حتَّى صارت تمْرًا صحَّ البَيْعُ أيضًا. ((روضة الطالبين)) للنَّوَوي (3/562)، ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (4/471)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/94). ، والحَنابِلةِ يُشترَطُ أنْ يَأكُلَها رُطَبًا، فإنْ ترَكَها حتَّى صارت تمْرًا بطَلَ البيعُ. ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/85)، ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/258). ؛ لأنَّ الرُّخصةَ وَرَدت في بَيعِه على أُصولِه للأخْذِ شَيئًا فشَيئًا؛ لحاجةِ التَّفكُّهِ، فلا يُتعدَّى به الحاجةُ يُنظر: ((كشَّاف القناع)) للبُهُوتي (3/258).
الفَرْعُ السَّابعُ: مِن شُروطِ بَيْعِ العَرَايا ألَّا يكونَ مع المُشْتري نقْدٌ يَشْتري به
يُشْتَرَطُ في بَيْعِ العَرَايا ألَّا يكونَ مع المُشْتري نقْدٌ يَشْتري به، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ ((الإنصاف)) للمَرْداوي (5/32)، ((كشَّاف القناع)) للبهوتي (3/259). ، ومُقابِلُ الأظهَرِ عندَ الشَّافِعيَّةِ ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/94). ، وهو قَوْلُ ابْنِ المُنذِرِ قال ابنُ المُنذِرِ: (العَرَايا هي النَّخلاتُ يَسْتثنِيها الرَّجلُ مِن حائطِهِ إذا باع ثَمرتَه، فلا يُدخِلُها في البَيعِ، ويُبْقِيها لنفْسِه وعِيالِه، فأرخَصَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأهلِ الحاجةِ والمسْكَنةِ الَّذين لا وَرِقَ لهم، ولا ذَهَبَ، وهمْ يَقدِرون على الثَّمرِ؛ أنْ يَبْتاعوا بتَمْرِهم مِن ثِمارِ هذه العَرَايا بخَرْصِها، فَعَل ذلك بهم تَرفُّقًا بأهلِ الفاقَةِ الَّذين لا يَقدِرون على الرُّطَبِ) ((الإشراف)) (6/ 33). ، واختيارُ ابنُ عُثَيمينَ قال ابنُ عُثَيمينَ: (العَرَايا هي أنْ يكونَ عندَ إنسانٍ تمْرٌ مِن العامِ الماضي، وجاء الرُّطَبُ هذا العامَ، وأراد أنْ يَتفكَّهَ بالرُّطَبِ، لكنَّه ليْس عنده دَراهمُ، وليْس عنده إلَّا تمْرٌ يابسٌ مِن العامِ الماضي؛ فهنا رَخَّصَ الشَّرعُ بجَوازِ شِراءِ الرُّطَبِ بالتَّمرِ، وسُمِّيَت عَرايا؛ لعُروِّها عن الثَّمنِ، فيَأتي هذا الرَّجلُ الفقيرُ الَّذي عنده تمْرٌ مِن العامِ الماضي إلى صاحبِ البُستانِ، ويقولُ: بِعْني تمْرَ هذه النَّخلةِ -الَّذي هو الآنَ رُطَبٌ- بالتَّمرِ، فهذا جائزٌ؛ لدُعاءِ الحاجةِ إليه؛ فإنَّ هذا الفقيرَ يُريدُ أنْ يَتفكَّهَ كما يَتفكَّهُ النَّاسُ، وليْس عِنده دَراهمُ، فيَشْتري الرُّطَبَ على رُؤوسِ النَّخلِ بالتَّمرِ، لكنْ بشُروطٍ؛ هي: الشَّرطُ الأوَّلُ: ألَّا يَجِدَ ما يَشْتري به سِوى هذا التَّمرِ، فإنْ وَجَد ما يَشْتري به سِوى هذا التَّمرِ -كالدَّراهمِ والثِّيابِ، والحيوانِ وما أشبَهَ ذلك- فإنَّه لا يَجوزُ أنْ يَشترِيَ رُطَبًا بتَمرٍ) ((الشرح الممتع)) (8/419). ؛ لأنَّ ما أُبِيحَ للحاجةِ لم يُبَحْ مع عَدَمِها، كالزَّكاةِ للمساكينِ والتَّرخُّصِ في السَّفرِ يُنظر: ((المغني)) لابن قُدَامة (4/49).

انظر أيضا: