الموسوعة الفقهية

المَطْلَبُ الثَّاني: حُكْمُ الشَّرْطِ الجَزائيِّ في مُقابِلِ التأخيرِ عن الأعمالِ


يَجوزُ وَضْعُ الشَّرْطِ الجَزائيِّ في مقابِلِ التأخيرِ عن الأعمالِ ، وبه قال بَعْضُ السَّلَفِ ، واختاره البُخاريُّ ، وأبو اللَّيثِ السَّمَرْقَنديُّ مِنَ الحَنَفيَّةِ ، وهو ما قرَّره مَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ ، وهَيئةُ كِبارِ العُلَماءِ ، ومَجْمَعُ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بالأزهَرِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
1 - قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عُمومُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسْلِمونَ عِندَ شُروطِهم))
ثالِثًا: مِنَ الآثارِ
عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (إنَّ مَقاطِعَ الحُقوقِ عِندَ الشُّروطِ، ولَكَ ما شَرَطْتَ)
رابعًا: في الإخلالِ بالعَقْدِ مَظِنَّةٌ للضَّرَرِ، وتَفويتٌ للمَنافِعِ؛ فناسَبَ أن يُقابَلَ بما يَجبُرُ ذلك بالشَّرطِ الجَزائيِّ
خامِسًا: لأنَّ الأصلَ في الشُّروطِ الصِّحَّةُ
سادسًا: الشَّرْطُ الجزائيُّ فيه سدٌّ لأبوابِ الفوضى والتلاعُبِ بحُقوقِ عِبادِ اللهِ
 سابعًا: أنَّ الشَّرطَ الجَزائيَّ حافِزٌ لإكمالِ العَقدِ في وقتِه المُحَدَّدِ لهُ، وحافِزٌ للوَفاءِ بالعُقودِ

انظر أيضا:

  1. (1) هُناكَ فُروقٌ بينَ الشُّروطِ في البَيعِ وشُروطِ البَيعِ مِن وُجوهٍ أربَعةٍ: الأوَّلُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ مِن وَضْعِ الشَّارِعِ، والشُّروطَ في البَيعِ مِن وضعِ المُتَعاقِدَينِ الثَّاني: شُروطُ البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها صِحَّةُ البَيعِ، والشُّروطُ في البَيعِ يَتَوَقَّفُ عليها لُزومُ البَيعِ، فهوَ صَحيحٌ، لَكِن لَيسَ بِلازمٍ؛ لِأنَّ مَن لَه الشَّرطُ إذا لَم يُوفِ لَه بِه فله الخِيارُ الثَّالِثُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ لا يُمكِنُ إسقاطُها، والشُّروطُ في البَيعِ يُمكِنُ إسقاطُها مِمَّن لَه الشَّرطُ الرَّابِعُ: أنَّ شُروطَ البَيعِ كُلَّها صَحيحةٌ مُعتَبَرةٌ؛ لِأنَّها مِن وَضْعِ الشَّرعِ، والشُّروطُ في البَيعِ مِنها ما هوَ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، ومِنها ما [هوَ] لَيسَ بِصَحيحٍ ولا مُعتَبَرٍ؛ لِأنَّه مِن وَضْعِ البَشَرِ، والبَشَرُ قَد يُخطِئُ وقَد يُصيبُ يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (8/223)
  2. (2) قال ابنُ عُثَيمين: (الشُّروطُ الصَّحيحةُ تَنقَسِمُ إلَى ثَلاثةِ أقسامٍ: الأوَّلُ: قِسمٌ ثابِتٌ، سَواءٌ شُرِطَ أم لَم يُشتَرَط؛ لِأنَّه مِن مُقتَضَى العَقْدِ، مِثلُ تَسليمِ البائِعِ المَبيعَ والمُشتَري الثَّمنَ، وكَونِ الثَّمَن حالًّا، وما أشبَه ذلك مِمَّا لا يَحتاجُ إلَى شَرطٍ، فهَذا إذا شُرِطَ فهوَ تَوكيدٌ، ولَو جَمعَ ألفَ شَرطٍ مِن هَذا النَّوعِ فإنَّه يَصِحُّ الثَّاني: ما يَتَعَلَّقُ بِمَصلَحةِ العَقْدِ ولَيسَ نَفعًا مُستَقِلًّا، أي: لَيسَ نَفعًا يَنتَفِعُ بِه البائِعُ أوِ المُشتَري، ولَكِنَّه مِن مَصلَحةِ العَقْدِ، مِثلُ: الرَّهنِ، وكَونِ العَبدِ كاتِبًا، والأمَةِ بِكْرًا، والدَّابَّةِ هملاجةً وما أشبَهَ ذلك الثَّالِثُ: شَرطُ نَفعٍ إمَّا لِلبائِعِ وإمَّا لِلمُشتَري، والَّذي لِلبائِعِ، مِثلُ أن يَشتَرِطَ إذا باعَ دارَه سُكْناها شَهرًا، والَّذي لِلمُشتَري، مِثلُ أن يَشتَرِطَ على البائِعِ أن يَحمِلَ الحَطبَ وما أشبَهَ ذلك) ((الشرح الممتع)) (8/236)
  3. (3) في غيرِ العُقودِ التي يكونُ الالتزامُ الأصليُّ فيها دَينًا. ينظر: ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثاني عشر (2/ 306).
  4. (4) يَسقُطُ الشَّرطُ الجَزائيُّ في حالِ وُجودِ العُذرِ، كأن يَكونَ التَّأخيرُ بِسَبَبٍ خارِجٍ عَن إرادَتِه، أو أنَّ مَن شُرِطَ لَه لَم يَلحَقْه أيُّ ضَرَرٍ. جاءَ في قَرارِ مَجْمَعِ الفِقْهِ كالتَّالي: (لا يُعمَلُ بِالشَّرطِ الجَزائيِّ إذا أثبَتَ مَن شُرِطَ عليه أنَّ إخلالَه بِالعَقْدِ كانَ بِسَبَبٍ خارِجٍ عَن إرادَتِه، أو أثبَتَ أنَّ مَن شُرِطَ لَه لَم يَلحَقْه أيُّ ضَرَرٍ مِنَ الإخلالِ بِالعَقْدِ). قَرارُ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ رَقم: 109 (3 / 12) بِشَأنِ مَوضوعِ الشَّرطِ الجَزائيِّ. وجاءَ في قَراراتِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ: (فإنَّ المَجْلِسَ يُقَرِّرُ بِالإجماعِ: أنَّ الشَّرطَ الجَزائيَّ الَّذي يَجري اشتِراطُه في العُقودِ شَرطٌ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، يَجِبُ الأخذُ به، ما لَم يَكُن هُناكَ عُذرٌ في الإخلالِ بِالِالتِزامِ الموجِبِ لَه يُعتَبَرُ شَرعًا، فيَكونُ العُذرُ مُسقِطًا لِوُجوبِه حَتَّى يَزولَ) ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (1/295).
  5. (5) كابنِ سِيرين، وشُرَيح ٍالقاضي. ينظر: ((صحيح البخاري)) (3/ 198)، ((مصنف عبد الرزاق)) (8/ 59) رقم: (14303).
  6. (6) قال البُخاريُّ في صَحيحِه: (‌‌بابُ ما يَجوزُ مِنَ الِاشتِراطِ والثُّنيا في الإقرارِ، والشُّروطِ الَّتي يَتَعارَفُها النَّاسُ بينَهم، وإذا قال: مِائةٌ إلَّا واحِدةً أو ثِنْتَينِ» عَنِ ابنِ سيرين، قال رَجُلٌ لِكَرِيِّهِ: أرحِلْ رِكَابَكَ، فإنْ لَم أرحَلْ مَعَكَ يَومَ كذا وكَذا فلَكَ مِائةُ دِرْهَمٍ، فلَم يَخرُجْ، فقال شُرَيحٌ: «مَن شَرطَ على نَفسِه طائِعًا غَيرَ مُكْرَهٍ، فهوَ عليه» وقال أيوبُ: عَنِ ابنِ سيرينَ: إنَّ رَجُلًا باعَ طَعامًا، وقال: إن لَم آتِكَ الأربِعاءَ فلَيسَ بيني وبَينَك بيعٌ، فلَم يَجِئْ، فقال شُرَيحٌ لِلمُشتَري: أنتَ أخلَفْتَ فقَضَى عليه (((صحيح البخاري)) (3/ 198).
  7. (7) ((عيون المسائل)) للسمرقندي الحنفي (ص451).
  8. (8) جاءَ في قَرارِ مَجْمَعِ الفِقْه، قَرار رَقم: 109 (3 / 12) بِشَأنِ مَوضوعِ الشَّرطِ الجَزائيِّ  في دَورَتِه الثَّانيةَ عَشْرَةَ بِالرِّياضِ في المَملَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ، مِن 25 جُمادَى الآخِرةِ 1421 هـ إلَى غُرَّةِ رَجَبٍ 1421هـ (23 - 28 سبتمبر 2000 م). (ثالِثًا: يَجوزُ أن يَكونَ الشَّرطُ الجَزائيُّ مُقتَرِنًا بِالعَقْدِ الأصليِّ، كما يَجوزُ أن يَكونَ في اتِّفاقٍ لاحِقٍ قَبلَ حُدوثِ الضَّرَرِ. رابِعًا: يَجوزُ أن يُشتَرَطَ الشَّرطُ الجَزائيُّ في جَميعِ العُقودِ الماليَّةِ ما عَدا العَقودَ الَّتي يَكونُ الِالتِزامُ الأصليُّ فيها دَينًا؛ فإنَّ هَذا مِنَ الرِّبا الصَّريحِ. وبِناءً على هَذا، فيَجوزُ هَذا الشَّرطُ مَثَلًا في عُقودِ المُقاوَلاتِ بِالنِّسبةِ لِلمُقاوِلِ، وعَقْدِ التَّوريدِ بِالنِّسبةِ لِلمُوَرِّدِ، وعَقْدِ الِاستِصناعِ بِالنِّسبةِ لِلصَّانِعِ إذا لَم يُنفِّذْ ما التَزَم به، أو تَأخَّرَ في تَنفيذِهـ) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثاني عشر (2/ 306).
  9. (9) جاءَ في قَراراتِ هَيئةِ كِبارِ العُلَماءِ: (فإنَّ المَجْلِسَ يُقَرِّرُ بِالإجماعِ: أنَّ الشَّرطَ الجَزائيَّ الَّذي يَجري اشتِراطُه في العُقودِ شَرطٌ صَحيحٌ مُعتَبَرٌ، يَجِبُ الأخذُ بِه ما لَم يَكُن هُناكَ عُذرٌ في الإخلالِ بِالِالتِزامِ الموجِبِ لَه يُعتَبَرُ شَرعًا، فيَكونُ العُذرُ مُسقِطًا لِوُجوبِه حَتَّى يَزولَ. وإذا كانَ الشَّرطُ الجَزائيُّ كثيرًا عُرفًا، بِحَيثُ يُرادُ بِه التَّهديدُ الماليُّ، ويَكونُ بعيدًا عَن مُقتَضَى القَواعِدِ الشَّرعيَّةِ؛ فيَجِبُ الرُّجوعُ في ذلك إلَى العَدْلِ والإنصافِ، على حَسَبِ ما فات مِن مَنفَعةٍ، أو لَحِقَ مِن مِضَرَّةٍ. ويَرجِعُ تَقديرُ ذلك عِندَ الِاختِلافِ إلَى الحاكِمِ الشَّرعيِّ عَن طَريقِ أهلِ الخِبرةِ والنَّظَرِ؛ عَمَلًا بِقَولِه تعالى: وَإِذَا حَكَمْتُمْ بيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بالْعَدْلِ، وقَولِه سُبْحانَه: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (1/295).
  10. (10) جاءَ في فتَوى لِمَجْمَعِ البُحوثِ الإسلاميَّةِ بِالأزهَرِ ما يَلي: (يَجوزُ أن يُشتَرَطَ الشَّرطُ الجَزائيُّ في العُقودِ الماليَّةِ ما عَدا العُقودَ الَّتي يَكونُ الِالتِزامُ الأصليُّ فيها دَينًا، فيَجوزُ أن يوضَعَ هَذا الشَّرطُ في عُقودِ المُقاوَلاتِ بِالنِّسبةِ لِلمُقاوِلِ، وفي عُقودِ التَّوريداتِ بِالنِّسبةِ لِلمُوَرِّدِ) ((الموقع الرسمي لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر)).
  11. (11) أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغةِ الجزم قبل حديث (2274) وأخرجه موصولًا أبو داود (3594)، والحاكم (2309) من حديثِ أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحهـ)) (5091)، وصَحَّح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (718)، وقال النووي في ((المجموع)) (9/367): إسنادُه حَسَنٌ أو صحيح. وحسَّن إسنادَه ابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (2/69)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيهـ)) (2/54)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): حسنٌ صحيحٌ.
  12. (12) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (5151)، وأخرجه أيضًا بصيغة الجزم قبل حديث (2721)، وأخرجه موصولًا ابن أبي شيبة (16706)، وسعيد بن منصور في ((السنن)) (663). صَحَّح إسناده على شرط الشيخين: الألباني في ((إراوء الغليل)) (6/304)، وصَحَّحه (1891) بلفظ: (مقاطِعُ الحُقوقِ عند الشُّروطِ).
  13. (13) ((أبحاث هيئة كبار العلماء)) (1/295).
  14. (14) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثامن (1/ 728).
  15. (15) ((أبحاث هيئة كبار العُلَماء)) (1/295).
  16. (16) ((مجلة مجمع الفقه الإسلامي)) العدد الثامن (1/ 728).