الموسوعة الفقهية

المَبْحَثُ الرَّابِعَ عَشَرَ: جَهالةُ الثَّمَنِ التي تَؤُولُ إلى العِلمِ


اختَلَف العُلَماءُ في تَحديدِ الثَّمَنِ بالرُّجوعِ إلى سِعرِ السُّوقِ، إذا كانَ سِعرُ السُّوقِ مَجهولًا حالَ التَّعاقُدِ، أو بَيعِ السِّلعةِ برَقْمِها الَّذي لا يَعلَمُه المُشتَري ، أو بما يَبيعُ به فُلانٌ، ونَحْوه ، على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: لا يَصِحُّ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقْهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّةِ ، والمالِكيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وهو قَوْلُ ابْنِ حَزمٍ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّه بَيْعُ غَرَرٍ، وأكْلُ مالٍ بالباطِلِ
ثانيًا: لأنَّ مِن شُروطِ البَيعِ عَدَمَ الجَهْلِ بالثَّمنِ، وفي تَعليقِ مَعرِفةِ الثَّمَنِ جَهالةٌ تُبْطِلُ البَيعَ
القَولُ الثَّاني: يَصِحُّ، وهو وَجْهٌ للشَّافِعيَّةِ ، وروايةٌ عن الإمامِ أحمَدَ ، وهو اختيارُ ابنِ تَيمِيَّةَ ، وابنِ القَيِّمِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ عادةَ النَّاسِ في الأسواقِ أن يكونَ السِّعرُ مَعروفًا في كُلِّ سِلعةٍ
ثانيًا: لأنَّه يُمكِنُ مَعرِفَتُه، كَما لو قال: بِعْتُ هَذِه الصُّبْرةَ كُلَّ صاعٍ بدِرْهَمٍ، يَصِحُّ البَيْعُ وإن كانت جُملةُ الثَّمَنِ في الحالِ مَجهولةً
ثالِثًا: قياسًا على جَوازِ مَهْرِ الْمِثْلِ وأُجرةِ الْمِثْلِ وثَمَنِ الْمِثْلِ، فيما لم يُحَدَّد فيه العِوَضُ، وهَذا هو القياسُ الصَّحيحُ
رابعًا: كَونُه عَمَلُ النَّاسِ بلا نكيرٍ

انظر أيضا:

  1. (1) صورةُ بَيْعِ السِّلعةِ برَقْمِها: كأن يَرقُمَ التَّاجِرُ الثِّيابَ، أي: يُعَلِّمَها بعلامةٍ بأنَّ ثَمَنَها كذا، فيَبيعَ بذلك الثَّمَنِ الذي هو معلومٌ للبائِعِ غيرُ معلومٍ للمشتري.
  2. (2) كتحديدِ الثَّمَنِ بما ينقَطِعُ به السِّعرُ، وصورتُه: البَيعُ ممَّن يعامِلُه من خبَّازٍ أو لحَّامٍ أو سمَّانٍ أو غيرِهم، يأخُذُ منه كُلَّ يَومٍ شَيئًا معلومًا، ثم يحاسِبُه عندَ رأسِ الشَّهرِ أو السَّنةِ على الجَميعِ، ويُعطيه ثَمَنَه.
  3. (3) من شُروطِ البَيعِ عِندَهم: كونُ الثَّمَنِ مَعلومًا عند البيعِ، والتعليقُ على سِعرِ السُّوقِ مع الجَهلِ به جَهالةٌ في الثَّمَنِ. ((حاشية ابن عابدين)) (4/506).
  4. (4) فالمالِكيَّةُ يَشتَرِطونَ مَعلوميَّةَ الثَّمَنِ تَفصيلًا، ولا يَضُرُّ الجَهلُ بجُملةِ الثَّمنِ إنْ عُلمَ تَفصيلًا، كبَيعِ صُبْرةٍ بتَمامِها مَجهولةِ القَدْرِ، كُلُّ صاعٍ بكَذا، ومِن شُروطِ البَيعِ عِندَهم إجمالًا مَعلوميَّةُ الثَّمَنِ والمُثَمَّنِ، والبَيعُ بسِعرِ السُّوقِ يَجهَلُ فيه الثَّمنُ. ((التاج والإكليل)) للمواق (4/277، 278)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/15)، ((منح الجليل)) لعُلَيش (4/465،328).
  5. (5) من شُروطِ البَيعِ عِندَهم كونُ الثَّمَنِ مَعلومًا عند البيعِ، والتعليقُ على سِعرِ السُّوقِ مع الجَهلِ به جهالةٌ في الثَّمَنِ. ((المجموع)) للنووي (9/333).
  6. (6) ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/18)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/174).
  7. (7) قال ابنُ حزم: (لا يَصِحُّ البيعُ بغَيرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى، كمن باع بما يبلُغُ في السُّوقِ، أو بما اشترى فلانٌ، أو بالقيمةِ، فهذا كُلُّه باطِلٌ؛ لأنَّه بيعُ غَرَرٍ، وأكلُ مالٍ بالباطِلِ) ((المحلى)) (7/512).
  8. (8) ((المحلى)) لابن حزم (7/512).
  9. (9) ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (3/15).
  10. (10) ((المجموع)) للنووي (9/333).
  11. (11) ((الإنصاف)) للمرداوي (4/223).
  12. (12) قال ابنُ تيميَّةَ: (يَصِحُّ البيعُ بالرَّقْمِ، ونَصَّ عليه أحمدُ وتأوَّله القاضي، وبما ينقَطِعُ به السِّعرُ، وكما يبيعُ النَّاسُ، وهو أحَدُ القولَينِ في مذهَبِ أحمدَ) ((الفتاوى الكبرى)) (5/387)، وينظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (34/72).
  13. (13) قال ابنُ القَيِّمِ: (القَولُ الثَّاني: وهوَ الصَّوابُ المَقطوعُ به، وهوَ عَمَلُ النَّاسِ في كُلِّ عَصرٍ ومِصرٍ؛ جَوازُ البَيعِ بما يَنقَطِعُ به السِّعرُ، وهوَ مَنصوصُ الإمامِ أحمَدَ، واختارَه شَيخُنا) ((إعلام الموقعين)) (4/5). وقال: (أمَّا الرَّقمُ فقَد نُصَّ على صِحَّةِ البَيعِ به، فقال حَربٌ: سَألْتُ أحمَدَ عَن بَيعِ الرَّقمِ، فلَم يَرَ به بَأسًا، وأمَّا البَيعُ بالسِّعرِ فقَدِ اختَلَفَتِ الرِّوايةُ عَنه فيه؛ فقال في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ في الرَّجُلِ يَأخُذُ مِنَ الرَّجُلِ السِّلعةَ يَقولُ: أخذْتُها مِنكَ على سِعرِ ما تَبيعُ، لَم يَجُزْ ذلك. وحَكى شَيخُنا عَنه الجَوازَ نَصًّا) ((بدائع الفوائد)) (4/103).
  14. (14) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (34/72).
  15. (15) الصُّبْرةُ: الكَومةُ المُجتَمِعةُ مِنَ الطَّعامِ وغَيرِه، والصُّبرةُ: واحِدةُ صُبَرِ الطَّعامِ. تَقولُ: اشتَرَيتُ الشَّيءَ صُبْرةً، أي: بلا وزنٍ ولا كيلٍ. ينظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/707).
  16. (16) ((المجموع)) للنووي (9/333).
  17. (17) ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/373).
  18. (18) ينظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (4/5).
  19. (19) كأن يَشتَري ثوبًا بدَراهِمَ وقَد عَيَّنَها بالإشارةِ، فهَل تَتَعَيَّنُ الدَّراهمُ ويَتَعَلَّقُ حَقُّ البائِعِ بعَينِ هذه الدَّراهمِ، أو أنَّه يَجوزُ لِلمُشتَري أن يَدفَعَ لِلبائِعِ مِثلَها؟