الموسوعة الفقهية

المَبْحَثُ الرَّابعُ: البَيْعُ بوسائِلِ الاتِّصالِ الحَديثةِ


يَصِحُّ البَيْعُ بواسِطةِ وَسَائِلِ الاتِّصالِ الحديثةِ كالبَيعِ بواسِطةِ المُكالَماتِ الصَّوتيَّةِ والمَرئيَّةِ عَبرَ الهاتِفِ وأجهزةِ الحاسِبِ الآليِّ، وأيضًا البَيعُ بالكِتابةِ عَبرَ وسائِلِ الِاتِّصالِ الحَديثةِ عَبرَ النِّتِّ، كالمَتاجِرِ الإلِكتُرونيَّةِ وغَيرِها، وقَد تَقَدَّمَتِ الإشارةُ إلَيها. ويُستَثنَى مِن ذلك كُلُّ عَقدٍ مِن شَرطِه التَّقابُضُ في مَجْلِسِ العَقْدِ، كبَيعِ السَّلَمِ أوِ الصَّرفِ. ، نَصَّ عليه مَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ جاء في قراراتِ مَجمَعِ الفِقهِ الإسلاميِّ التابِعِ لِمُنظَّمةِ المؤتَمَرِ الإسلاميِّ الآتي: (بعد اطِّلاعِه على البُحوثِ الواردةِ إلى المجمَعِ بخُصوصِ مَوضوعِ إجراءِ العُقودِ بآلاتِ الِاتِّصالِ الحَديثةِ، ونَظَرًا إلَى التَّطَوُّرِ الكَبيرِ الَّذي حَصَلَ في وسائِلِ الِاتِّصالِ وجَريانِ العَمَلِ بها في إبرامِ العُقودِ لِسُرعةِ إنجازِ المُعامَلاتِ الماليَّةِ والتَّصَرُّفاتِ، وبِاستِحضارِ ما تَعَرَّضَ لَه الفُقَهاءُ بشَأنِ إبرامِ العُقودِ بالخِطابِ وبِالكِتابةِ وبِالإشارةِ وبِالرَّسولِ، وما تَقَرَّرَ مِن أنَّ التَّعاقُدَ بَينَ الحاضِرينَ يُشتَرَطُ لَه اتِّحادُ المَجْلِسِ -عَدا الوَصِيَّةَ والإيصاءَ والوَكالةَ- وتَطابُقُ الإيجابِ والقَبولِ، وعَدَمُ صُدورِ ما يَدُلُّ على إعراضِ أحَدِ العاقِدَينِ عَنِ التَّعاقُدِ، والموالاةُ بَينَ الإيجابِ والقَبولِ بحَسَبِ العُرفِ. قَرَّر ما يَلي: أوَّلًا: إذا تَمَّ التَّعاقُدُ بَينَ غائِبَينِ لا يَجمَعُهما مَكانٌ واحِدٌ ولا يَرَى أحَدُهما الآخَرَ مُعايَنةً، ولا يَسمَعُ كلامَه، وكانَت وسيلةُ الِاتِّصالِ بَينَهما الكِتابةَ أوِ الرِّسالةَ أوِ السِّفارةَ (الرَّسولَ)، ويَنطَبِقُ ذلك على البَرقِ والتِّلِكسِ والفاكسِ وشاشاتِ الحاسِبِ الآليِّ (الحاسوبِ)، ففي هذه الحالةِ يَنعَقِدُ العَقدُ عِندَ وُصولِ الإيجابِ إلَى الموَجَّه إلَيه وقَبولِه. ثانيًا: إذا تَمَّ التَّعاقُدُ بَينَ طَرَفَينِ في وقتٍ واحِدٍ وهما في مَكانَينِ مُتَباعِدَينِ، ويَنطَبِقُ هَذا على الهاتِفِ واللَّاسِلكيِّ، فإنَّ التَّعاقُدَ بَينَهما يُعتَبَرُ تَعاقُدًا بَينَ حاضِرَينِ، وتُطَبَّقُ على هذه الحالةِ الأحكامُ الأصليَّةُ المُقَرَّرةُ لَدَى الفُقهاءِ المُشارُ إلَيها في الدِّيباجةِ. ثالِثًا: إذا أصدَرَ العارِضُ بهذه الوَسائِلِ إيجابًا مُحَدَّدَ المُدَّةِ، يَكونُ مُلزِمًا بالبَقاءِ على إيجابِه خِلالَ تِلكَ المُدَّةِ، ولَيسَ لَه الرُّجوعُ عَنه. رابِعًا: أنَّ القَواعِدَ السَّابِقةَ لا تَشمَلُ النِّكاحَ لِاشتِراطِ الإشهادِ فيه، ولا الصَّرفَ لِاشتِراطِ التَّقابُضِ، ولا السَّلَمَ لِاشتِراطِ تَعجيلِ رَأسِ المالِ ا.هـ) ((قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي قرار رقم: (52 - 3/6) بشأنِ حُكمِ إجراءِ العُقودِ بآلاتِ الاتِّصالِ الحديثةِ)). ، وهيئةُ المُحاسَبةِ والمُراجَعةِ للمُؤَسَّساتِ الماليَّةِ الإسلامِيَّةِ بتاريخِ 17 ربيع الأوَّل سَنة 1430 ه الموافِق 15 مارس 2009 م، تَحتَ المِعيارِ الشَّرعيِّ رَقمِ (38) وفيه: (يَنعَقِدُ العَقْدُ باستِخدامِ الإنتَرنِت –أيًّا كانَت طَريقةُ التَّعاقُدِ- وقتَ صُدورِ القَبولِ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ، سَواءٌ أعُلِمَ الموجبُ به أم لَم يُعلَمْ) ((المعايير الشرعية)) (ص: 935 وما بعدها). ، ومَجْمَعُ الفِقْهِ الإسلاميِّ بالهِنْدِ قَرارُ مَجْمَعِ الفِقْهِ الإسلاميِّ بالهندِ بتاريخِ شهر أبريل سنة 2001 م، وفيه: (يَصِحُّ الإيجابُ والقَبولُ في البَيعِ عَن طَريقِ الهاتِفِ ومُؤتَمَرِ الفيديو، وإن كانَ العاقِدانِ على الإنتَرنِت في وقتٍ واحِدٍ ويُظهِرُ الطَّرَفُ الآخَرُ قَبولَه بَعدَ الإيجابِ بالفَورِ، فيَنعَقِدَ البَيعُ، ويُعتَبَرُ مَجْلِسُ العاقِدَينِ في هذه الصُّورةِ مُتَّحِدًّا) نَقلًا عَن ((وثائق النوازل)) للجيزاني (2/1076). ، وابنُ باز نَصَّ ابنُ باز على البَيعِ بالهاتِفِ؛ فقَد سُئِلَ عَنِ المُبايَعةِ بالهاتِفِ، فأجابَ: (إذا قال: بِعْتُكَ كذا، فقُلتَ: نَعَم، فأغلَقْتَ السَّماعةَ؛ تَمَّ البَيعُ) ((مسائل الإمام ابن باز)) إعداد عبد الله بن مانع الروقي(2/80). ، وابنُ عُثَيمين ابنُ عُثَيمين نَصَّ على البَيعِ بالهاتِفِ، فقال: (إذا تَبايَعَ رَجُلانِ بالهاتِفِ فإنَّه في هذه الحالِ لا خيارَ، بمُجَرَّدِ ما يَقولُ أحَدٌ: بِعْتُ، والثَّاني يَقولُ: اشتَرَيتُ، وجَبَ البيعُ) ((الشرح الممتع)) (8/262). ، وذلك لأنَّ المَقصودَ مِنَ البَيعِ إنَّما هو أخذُ ما في يَدِ الغَيرِ بدَفعِ عِوَضٍ عن طِيبِ نَفسٍ مِنَ العاقِدَينِ، فتَكفي دَلالةُ العُرفِ في ذلك على طِيبِ النَّفسِ والرِّضا بقَولٍ أو فِعلٍ ((مواهب الجليل)) للحطاب (6/13). ، وهَذا المَعنى مُتَحَقِّقٌ في وسائِلِ الِاتِّصالِ الحَديثةِ.

انظر أيضا: