الموسوعة الفقهية

المطلبُ الثَّاني: اشتِراطُ رُجوعِها للمُعْمِرِ أو لورَثَتِه إذا مات المَوهوبُ له


يصِحُّ في العُمرَى اشتِراطُ رُجوعِ ما أعمَرَه إليه إن كان حيًّا أو لورَثَتِه إن كان مَيتًا، إذا مات المَوهوبُ له [543] كأن يقولَ له مثلًا: (أعمَرْتُك هذه الدارَ على أنْ تَرجِعَ إلَيَّ إنْ كنتُ حيًّا، أو تَرجِعَ إلى وَرثتي إنْ كنتُ مَيتًا)، فإنْ مات المَوهوبُ له رجَعَتِ العَينُ إلى الواهبِ إن كان حيًّا، أو إلى وَرثتِه إن كان مَيتًا. ، وهو مَذهبُ المالِكيَّةِ [544] ((الكافي)) لابن عبد البر (2/1021)، ((مختصر خليل)) (ص: 214). ، ورِوايةٌ عن أحمدَ [545] ((المغني)) لابن قُدامة (6/69). ، وقَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلفِ [546] قال ابنُ قُدامةَ: (فإنْ شرَطَ أنَّك إذا مِتَّ فهي لي؛ فعن أحمدَ روايتانِ؛ إحداهما: صِحَّةُ العقدِ والشَّرطِ، ومتى مات المُعمَرُ رجَعَت إلى المُعمِرِ. وبه قال القاسمُ بنُ محمَّدٍ، و يَزيدُ بنُ قُسيطٍ، والزُّهْريُّ، ومالكٌ، وأبو سلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ، وابنُ أبي ذِئبٍ، وأبو ثَورٍ، وداودُ). ((المغني)) (6/69). ، وهو اختِيارُ ابنِ تَيميَّةَ [547] قال المَرْداويُّ: (قوله: «وإنْ شرَطَ رُجوعَها إلى المُعمِرِ -بكسر الميمِ- عندَ مَوتِه، أو قال: هي لآخِرِنا موتًا؛ صحَّ الشرطُ». هذا إحدى الرِّوايتَينِ، اختاره الشيخُ تقِيُّ الدِّينِ رَحِمَه اللهُ. وقدَّمَه في الهدايةِ، والمذهبِ، ومَسبوكِ الذهبِ، والمستوعبِ، والخلاصةِ، والرِّعايةِ الصُّغرى، والحاوي الصغيرِ. وعنه: لا يصِحُّ الشرطُ، وتكونُ للمُعمَرِ -بفتح الميم- ولوَرثتِه مِن بعدِه، وهو المذهبُ). ((الإنصاف)) (7/102). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (وتصِحُّ العُمرى، وتكونُ للمُعمَرِ ولوَرثتِه، إلَّا أن يَشترِطَ المعمِرُ عَوْدَها إليه، فيصِحَّ الشَّرطُ، وهو قولُ طائفةٍ مِن العلماءِ، وروايةٌ عن أحمدَ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/435). ، والشَّوكانِيِّ [548] قال الشوكانيُّ: (إذا كانت [أي: العُمرى أو الرُّقبى] مُقيَّدةً بمدَّةٍ معلومةٍ؛ كأن يقولَ: أعمَرْتُك، أو أرْقَبْتُك هذا عَشْرَ سِنينَ، أو عشرينَ سَنةً؛ فإنه لا يَستحِقُّ إلَّا ذلك المقدارَ؛ لأنها لم تَطِبْ نفْسُه إلَّا بذلك القَدْرِ، وهكذا لو اشترَطَ؛ كأن يقولَ: أعمَرْتُك هذا ما عِشتَ، فإذا مِتَّ رجَعَ إلَيَّ؛ فإنه يَرجِعُ إليه عند مَوتَ المُعمَرِ أو المُرْقَبِ). ((السيل الجرار)) (ص: 635). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (وتصِحُّ العُمرى، وتكون للمُعمَرِ ولوَرثتِه، إلَّا أن يَشترِطَ المُعمِرُ عَوْدَها إليه، فيصِحَّ الشَّرطُ، وهو قولُ طائفةٍ مِن العلماءِ، وروايةٌ عن أحمدَ). ((الفتاوى الكبرى)) (5/435). ، وابنِ بازٍ [549] قال ابنُ بازٍ: (العُمرى؛ تقول: هذا البَيتُ لك مدَّةَ حياتِك، ولو مات لا تَرجِعُ إلى صاحبِها، بل لِوَرثةِ المَيتِ. أمَّا إنْ قال: تَسكُنُ هذه مدَّةَ كذا؛ فله الرُّجوعُ). ((الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري)) (2/390). ، وابنِ عُثَيمينَ [550] قال ابنُ عُثيمينَ: (العُمرى نوعٌ مِن أنواعِ الهِبةِ، وإنَّ لها ثلاثَ صُوَرٍ: تارةً تُقيَّدُ بحياةِ الإنسانِ، وتارةً تُقيَّدُ بأنَّها له ولعَقبِه، وتارةً تُطلَقُ؛ فإذا قُيِّدت بحياةِ الإنسانِ رجَعَت إلى المُعمِرِ، وإذا قُيِّدت بأنَّها له ولعَقبِه، فهي له ولعَقِبِه، أي: للمُعمَرِ ولعَقبِه، وإذا أُطلِقَت فهي للمُعمَرِ ولعَقبِه). ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (4/315).
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِن السُّنةِ
عن أبي هُريرةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ((المُسلِمونَ على شُروطِهِم )) [551] أخرجه أبو داود (3594)، والدارقطنيُّ (3/27)، والحاكم (2309) مطوَّلًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال الحاكم: (له شاهدٌ مِن حديثِ عائشةَ وأنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنهما). وقال النوويُّ في ((المجموع)) (9/376): (إسنادُه حسَنٌ أو صحيحٌ). وذكَر ابنُ حجَرٍ في ((تغليق التعليق)) (3/281) (أنَّ فيه كثيرَ بنَ زَيدٍ الأسلميَّ، حديثُه حسَنٌ في الجملة، وقد اعتضد بمجيئه مِن طَريقٍ أخرى). وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3594): (حسَنٌ صحيحٌ). وحسَّنه شعيبٌ الأرناؤوط في تخريج ((سنن الدارقطني)) (2890). والحديث أخرجه البخاريُّ معلَّقًا بصيغة الجزم قبلَ حديث (2274)، بلفظ: ((المُسلِمونَ عندَ شُروطِهم)).
وَجْهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الواهِبَ اشتَرَط رُجوعَها بعدَ موتِ المَوهوبِ له؛ فهُو على شَرْطِه [552] ((التمهيد)) لابن عبد البر (7/115).
ثانيًا: لأنَّه لم يَنْوِ بلَفظِه إخراجَ شَيءٍ عن مِلكِه، فهو على ما نَوَى [553] ((التمهيد)) لابن عبد البر (7/115).

انظر أيضا: