الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّالثُ: ما يَجِبُ بنَذرِ المعصيةِ


اختلَفَ العُلماءُ في الكفَّارةِ على مَن نَذَرَ نَذْرَ معصيةٍ؛ على قولَينِ:
القولُ الأوَّلُ: لا تَجِبُ الكفَّارةُ على من نذَرَ نذْرَ معصيةٍ، وهذا مذهَبُ المالكيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ ، وروايةٌ عن أحمدَ ، وهو اختيارُ ابنِ المُنذِرِ ، وابنِ حَزمٍ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا وَفاءَ لنَذرٍ في معصيةٍ، ولا فيما لا يَملِكُ العبدُ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الحديثِ دَلالةٌ على أنَّ مَن نذَرَ معصيةً فنَذْرُه لا يَنعقِدُ؛ لذلك لا تَلزَمُه كفَّارةُ يمينٍ
2- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((بَيْنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَخطُبُ إذا هو برجُلٍ قائمٍ، فسَأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيلَ؛ نذَرَ أنْ يَقومَ ولا يَقعُدَ، ولا يَستظِلَّ، ولا يَتكلَّمَ، ويَصومَ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مُرْهُ فلْيَتكلَّمْ، وليَستظِلَّ، ولْيَقعُدْ، ولْيُتِمَّ صَومَه ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
 أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يأمُرْه بكفَّارةٍ
ثانيًا: لأنَّ النَّذرَ الْتِزامُ الطاعةِ، وهذا الْتِزامُ معصيةٍ
ثالثًا: لأنَّه نذْرٌ غَيرُ مُنعقِدٍ؛ فلمْ يوجِبْ شَيئًا، كاليمينِ غَيرِ المُنعقِدةِ
القولُ الثَّاني: تَجِبُ الكفَّارةُ على مَن نَذَرَ نَذْرَ معصيةٍ، وهو مذهَبُ الحَنفيَّةِ ، والحنابِلةِ ، وهو اختيارُ ابنِ تيميَّةَ ، والشَّوْكانيِّ ، والصَّنْعانيِّ ، وابنِ باز ، وابنِ عُثيمينَ ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ
الدَّليل مِنَ السُّنَّةِ:
عن عُقْبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((كَفَّارةُ النَّذْرِ كَفَّارةُ اليَمينِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الحديثَ عامٌّ، فيَدخُلُ فيه نذْرُ المعصيةِ

انظر أيضا:

  1. (1)    ((الرسالة)) لابن أبي زيد القَيْرَواني (ص: 87)، ((الكافي في فقه أهل المدينة)) لابن عبد البر (1/454).
  2. (2)    ((المجموع)) للنووي (8/452)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (10/81).
  3. (3)    ((المغني)) لابن قُدامةَ (10/5)، ((شرح الزَّركَشي على مختصر الخِرَقي)) (7/65)، ((الإنصاف)) للمَرْداوي (11/126).
  4. (4)    قال ابنُ المُنذِرِ: (ومَن نذَرَ معصيةً فلا وفاءَ لنَذرِه، ولا كفَّارةَ تَلزَمُهـ). ((الإقناع)) (1/278). ويُنظر: ((الإشراف)) لابن المنذر (7/180).
  5. (5)    قال ابن حَزمٍ: (فصحَّ يقينًا أنَّ كلَّ ما ذكَرْنا ليس نذْرَ طاعةٍ فيَجِبَ الوفاءُ به، وليس يَمينًا للهِ تعالى فيجبَ فيه كفَّارةُ يمينٍ؛ فبطَلَ أنْ يَجِبَ في ذلك شَيءٌ). ((المحلى)) (6/248).
  6. (6)    أخرجه مسلم (1641).
  7. (7)    ((شرح النووي على مسلم)) (11/101).
  8. (8)    أخرجه البخاري (6704).
  9. (9)    ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (9/82). ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامةَ (10/6).
  10. (10)    ((المغني)) لابن قُدامةَ (10/6).
  11. (11)    ((المغني)) لابن قُدامةَ (10/6).
  12. (12)    ((شرح مختصر الطحاوي)) للجَصَّاص (7/419(، ((المبسوط)) للسَّرَخْسي (8/119).
  13. (13)    ((الفروع)) لابن مُفلح (11/76)، ((منتهى الإرادات)) لابن النجَّار (5/253).
  14. (14)    قال ابنُ تيميَّةَ: (ولو قال: إنْ فعلْتُ كذا فعلَيَّ ذَبحُ ولدِي، أو معصيةٌ غيرُ ذلك أو نحوه، وقصَدَ اليمينَ؛ فيَمينٌ، وإلَّا فنذْرُ معصيةٍ، فيَذبَحُ في مسألةِ الذَّبحِ كَبشًا، ولو فعَلَ المعصيةَ لم تَسقُطْ عنه الكفَّارةُ ولو في اليمينِ). ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (5/145).
  15. (15)    قال الشَّوكانيُّ: (النَّذرُ في معصيةٍ حرامٌ يأثَمُ الفاعلُ له، ويَحرُمُ عليه الوفاءُ، وتجبُ عليه الكفَّارةُ). ((السيل الجرار)) (ص: 697).
  16. (16)    قال الصَّنعانيُّ: (أمَّا النَّذرُ بالمعصيةِ فكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ). ((سبل السلام)) (2/560).
  17. (17)    قال ابنُ باز: (هذا نذْرٌ لا يجوزُ؛ لأنَّه نذْرُ معصيةٍ، فليس له أنْ يَعصيَ اللهَ، وعليه كفَّارةُ يمينٍ عن ذلك). ((الإفهام في شرح عمدة الأحكام)) (ص: 732).
  18. (18)    قال ابنُ عُثيمينَ: (قولُه: «ويُكَفِّرُ» أي: يُكَفِّرُ كفَّارةَ يمينٍ؛ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا نَذْرَ في معصيةِ اللهِ، وكفَّارتُه كفَّارةُ يمينٍ»... إنَّه ما دام قد ورد حديثٌ فيه زيادةٌ وهو صحيحٌ؛ فإنَّه يَجبُ الأخذُ بهذه الزِّيادةِ، وهي كفَّارةُ اليمينِ). ((الشرح الممتع)) (15/216).
  19. (19)    جاء في فتاوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ: (لا يَجوزُ الوفاءُ بهذا النَّذرِ؛ لأنَّه نذْرُ معصيةٍ؛ لأنَّ ضربَ الطُّبولِ مِنَ اللَّهوِ المُحَرَّمِ، وقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَن نَذَرَ أنْ يَعصيَ اللهَ فلا يَعصِهِ»، وعليك كفَّارةُ يمينٍ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (23/241).
  20. (20)    أخرجه مسلم (1645).
  21. (21)    ((نيل الأوطار)) للشَّوكاني (8/282).