الموسوعة الفقهية

المَبحثُ الأوَّلُ: المِقدارُ المُجزئُ مِن الإطعامِ


ليس للمِقدارِ المُجزِئِ مِن الإطعامِ حَدٌّ، والأمرُ يُرجَعُ فيه للمُكَفِّرِ حَسَبَ قُوْتِه في أهلِه؛ فهو يُطعِمُ مِن أوسَطِ ما يُطعِمُ منه أهلَه، وهذا مَذهَبُ الظاهريَّةِ ، والمنقولُ عن أكثَرِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ ، ورجَّحَه ابنُ تيميَّةَ ، وابنُ القَيِّمِ ، وهو قَولُ مالِكٍ في سائِرِ البُلدانِ غيرِ أهلِ المدينةِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكتابِ
قولُه تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة: 89]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ اللهَ أطلقَ طعامَ الأهلِ وجَعَله أصلًا لطَعامِ الكفَّارةِ؛ فعُلِمَ أنَّ طَعامَ الكفَّارةِ لا يتقَدَّرُ كما لا يتقَدَّرُ أصلُه
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: ((كان الرَّجُلُ يَقُوتُ أهلَه قُوتًا فيه سَعَةٌ، وكان الرَّجُلُ يَقُوتُ أهلَه قُوتًا فيه شِدَّةٌ، فنَزَلت : مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة: 89] ))

انظر أيضا:

  1. (1) قال ابن حزم: (رُوِّينا نحوُ هذا عن شُرَيحٍ، والأَسوَدِ بنِ يَزيدَ، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ، والشَّعبيِّ، وهو قَولُ أبي سُلَيمانَ، وهو قَولُنا). ((المحلى بالآثار)) (6/341).
  2. (2) قال ابنُ تيميَّةَ: (قال مالِكٌ: وأمَّا البُلدانُ فإنَّ لهم عَيشًا غيرَ عَيشِنا، فأرى أن يُكَفِّروا بالوَسَطِ مِن عَيشِهم؛ لِقَولِ الله تعالى: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ، وهو مَذهَبُ داودَ وأصحابِه مُطلقًا، والمنقولُ عن أكثَرِ الصَّحابةِ والتَّابعينَ). ((مجموع الفتاوى)) (35/350).
  3. (3) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّةَ (35/350).
  4. (4) قال ابنُ القيِّم: (قَولُه: مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ [المائدة: 89] ، ومعلومٌ يَقينًا أنَّ الرَّجُلَ إنَّما يُطعِمُ أهلَه الخُبزَ واللَّحمَ والمَرَق، واللَّبَنَ ونَحوَ ذلك؛ فإذا أطعَمَ المساكينَ مِن ذلك فقد أطعَمَهم من أوسَطِ ما يُطعِمُ أهلَه بلا شَكٍّ؛ ولهذا اتَّفَق الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم في إطعامِ الأهلِ على أنَّه غيرُ مُقَدَّرٍ كما تقَدَّم، واللهُ سُبحانَه جعَلَه أصلًا لطعامِ الكفَّارةِ؛ فدَلَّ بطَريقِ الأَولى على أنَّ طَعامَ الكفَّارةِ غيرُ مُقَدَّرٍ، وأمَّا مَن قَدَّرَ طعامَ الأهلِ فإنَّما أخَذَ مِن تقديرِ طعامِ الكفَّارةِ، فيُقالُ: هذا خِلافُ مُقتضى النَّصِّ؛ فإنَّ الله أطلقَ طعامَ الأهلِ وجعَلَه أصلًا لطَعامِ الكفَّارةِ؛ فعُلِمَ أنَّ طعامَ الكفَّارةِ لا يَتقَدَّرُ، كما لا يتقَدَّرُ أصلُهـ). ((زاد المعاد)) (5/446).
  5. (5) ((المدونة)) لسحنون (2/323). ويُنظر: ((التهذيب في اختصار المدونة)) لابن البَراذِعي (2/105)، ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/272).
  6. (6) ((زاد المعاد)) لابن القيم (5/446).
  7. (7) أخرجه من طرُقٍ: ابنُ ماجه (2113) واللَّفظُ له، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (168). صحَّح إسنادَه البُوصِيري في ((مصباح الزجاجة)) (1/362)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (9/136): رجالُه رجالُ الصَّحيحِ إلَّا سُليمانَ بنَ أبي المُغيرةِ العَبسيَّ: وثَّقَه ابنُ مَعينٍ، وقال ابنُ حجَرٍ: صَدوقٌ. وصحَّح إسنادَه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (2113)، وصحَّحَ الحديثَ الوادعيُّ في ((الصحيح المسند)) (597).