الموسوعة الفقهية

المطلب العاشر: الموالاةُ في الغُسل   


اختلف أهلُ العِلمِ في حكمِ الموالاةِ في الغُسلِ، على قولين:
القول الأوّل: لا تجِبُ الموالاةُ في الغُسلِ ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: ، الحنفيَّة ، والشافعيَّة ، والحنابلة
الأدلة:
أولًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6]
وجهُ الدلالة:
أنَّ الله عزَّ وجَلَّ أمَرَ بالتطهُّرِ مِن الجنابةِ، ولم يشتَرِطْ عَزَّ وجل في ذلك متابعةً، فكيفما أتى به المرءُ أجزأه؛ لأنَّه قد وقع عليه الإخبارُ بأنَّه تطَهَّرَ
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت في وَصْفِ غُسلِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((توضَّأَ، ثم غسَلَ رأسَه ثلاثًا، ثمَّ أفرغ على جَسَدِه، ثم تنحَّى من مَقامِه، فغسَلَ قَدَميه ))
وجه الدلالة:
أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جعل بين وُضوئِه وغُسلِه وبين تمامِهما، مهلةَ خروجِه من مُغتَسَلِه لغَسْلِ رِجْليه
ثالثًا: من الآثار
عن إبراهيم النخعي: (كان أحدُهم يغسِلُ رأسَه مِن الجنابةِ بالسِّدْرِ ، ثم يمكُثُ ساعةً، ثم يغسِلُ سائِرَ جَسَدِهـ)
وجه الدلالة:
أنَّ إبراهيمَ تابعيٌّ أدرك صغارَ الصَّحابة رَضِيَ اللهُ عنهم، وأدرك أكابِرَ التَّابعين من أصحابِ ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وقد حكاه عمَّنَ أدرَكَهم
رابعًا: أنَّ تفريقَ الغُسلِ يُحتاجُ إليه أحيانا؛ وقد ينسى فيه موضِعَ لُمعةٍ أو لُمعتينِ أو باطِن شَعرِه، وفي إعادَتِه مشقةٌ عظيمة
القول الثاني: تجِبُ الموالاةُ في الغُسلِ، وهذا مَذهَبُ المالكيَّة ، ووجهٌ للشَّافعيَّة ، وروايةٌ عند الحنابلة ، واختاره ابنُ عثيمين
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يغتسلْ إلَّا متواليًا، ولو كان التَّفريقُ جائزًا لفَعَلَه، ولو مرَّةً.
ثانيًا: أنَّ الغُسلَ عبادةٌ واحدةٌ؛ فلزِمَ أن ينبنيَ بعضُه على بعضٍ بالموالاةِ

انظر أيضا:

  1. (1) قال ابن حزم: (ومَن فَرَّق وضوءَه أو غُسلَه، أجزأه ذلك، وإن طالت المدةُ في خلال ذلك أو قَصُرَت، ما لم يُحدِث في خلالِ وُضوئِه ما ينقُضُ الوضوءَ، وما لم يُحدِث في خلالِ غُسلِه ما ينقُضُ الغُسل) ((المحلى)) (1/312). وقال ابن تيمية: (الموالاةُ في غُسلِ الجنابة لا تجِبُ؛ للحديثِ الذي فيه: أنَّه رأى في بَدَنِه موضعًا لم يُصِبْه الماءُ فعصَرَ عليه شَعْرَهـ) ((مجموع الفتاوى)) (21/418). وقال ابنُ باز: (لا يجِبُ الترتيب، ولا الموالاةُ في الغسل) ((شرح الرَّوضِ المُرْبِع، كتاب الطهارة- منقول من اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية لخالد آل حامد)) (1/225). وقال أيضًا: (الغسلُ لا يجِبُ فيه الترتيبُ ولا الموالاة، فإذا ذَكَر يُمضمِضُ ويستنشِقُ بنيَّةِ الجنابة) ((شرح الموطأ، كتاب الطهارة- منقول من اختيارات الشيخ ابن باز الفقهية لخالد آل حامد)) (1/225-226).
  2. (2) جمهورُ الفُقَهاءِ يَرَون الموالاةَ في الغُسلِ، سُنَّةً.
  3. (3) ((حاشية ابن عابدين)) (1/123)، ((الفتاوى الهندية)) (1/8).
  4. (4) ((المجموع)) للنووي (2/184)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/75).
  5. (5) ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/153)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/162).
  6. (6) ((المحلى)) لابن حزم (1/312).
  7. (7) رواه البخاري (265) واللفظ له، ومسلم (317)
  8. (8) ((المحلى)) لابن حزم (1/312).
  9. (9) السِّدْر: شَجَرُ النَّبْقِ، وإذا أطلِقَ السِّدرُ في الغُسلِ، فالمرادُ الوَرَقُ المَطحونُ. ((المصباح المنير)) للفيومي (1/271).
  10. (10) رواه عبدالرزاق في ((المصنف)) (1010)، وأورده ابن حزم في ((المحلى)) (2/69).
  11. (11) ((المحلى)) لابن حزم (1/312).
  12. (12) ((المحلى)) لابن حزم (1/312)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (21/166).
  13. (13) ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (1/133)، وينظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/28).
  14. (14) ((المجموع)) للنووي (1/453).
  15. (15) ((الإنصاف)) للمرداوي (1/188).
  16. (16) قال ابنُ عُثيمين: (كَونُ الموالاةِ شرطًا، أصحُّ؛ لأنَّ الغُسلَ عبادةٌ واحدة، فلزم أن ينبني بعضُه على بعضٍ بالموالاة، لكن لو فرَّقه لعُذر؛ لانقضاءِ الماءِ في أثناء الغُسلِ مثلًا، ثم حصَّلَه بعد ذلك، لم تلزَمْه إعادةُ ما غَسَله أوَّلًا، بل يُكمِل الباقيَ، وهذا- أعني كونَ الموالاةِ شَرطًا- أصحُّ). ((الشرح الممتع)) (1/365).
  17. (17) ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (1/365).