الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: الرَّجعةُ بالجِماعِ


اختلف العُلَماءُ في الرَّجعةِ بالِجماعِ: هل يُشتَرَطُ فيها النيَّةُ أم لا؛ على قَولَينِ: القول الأول: لا تَحصُلُ الرَّجعةُ بالجِماعِ إلَّا بنِيَّةِ الرَّجعةِ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ ، وروايةٌ عن أحمَدَ، وبه قال إسحاقَ ،  واختاره ابنُ تَيميَّةَ ، وابنُ باز ، وابنُ عُثَيمين
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عمومُ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّة، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ))
ثانيًا: لأنَّه استباحةُ بُضعٍ كالنِّكاحِ، فاحتاج إلى نيَّةٍ
ثالثًا: لأنَّ مُجَرَّدَ الوَطءِ بغَيرِ نيَّةٍ قد يَستبيحُه الإنسانُ في امرأةٍ أجنبيَّةٍ، مِثلُ الزِّنا
رابعًا: لأنَّ الوطءَ قد يكونُ عن رَغبةٍ في إرجاعِها، فيكونُ نيَّةَ إرجاعٍ، وقد يكونُ لمجَرَّدِ الوَطءِ والشَّهوةِ، فلا يدُلُّ على الإرجاعِ القول الثاني: تحصُلُ الرَّجعةُ بالجِماعِ حتى ولو لم يَنْوِ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وهو قَولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون: 5-6]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ الرَّجعيَّةَ زَوجةٌ شَرعًا داخِلةٌ تحتَ قَولِه تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ولا يُشتَرَطُ النيَّةُ في لَمسِ الزَّوجةِ وتَقبيلِها ووَطْئِها إجماعًا
ثانيًا: لأنَّ في الوَطءِ دَلالةً ظاهِرةً على ارتجاعِها
ثالثًا: لأنَّ هذه مُدَّةٌ تُفضي إلى بَينونةٍ، فتَرتَفِعُ بالوَطءِ، كمُدَّةِ الإيلاءِ
رابعًا: لأنَّ الطَّلاقَ سَبَبٌ لزَوالِ المِلكِ ومعه خيارٌ، فتَصَرُّفُ المالِكِ بالوَطءِ يَمنَعُ عَمَلَه، كوَطءِ البائِعِ الأمَةَ المَبِيعةَ في مُدَّةِ الخِيارِ

انظر أيضا:

  1. (1)    ((الكافي)) لابن عبد البر (2/617)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/405)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) للدردير (2/417).
  2. (2)    ((المغني)) لابن قدامة (7/523)، ((البناية)) للعيني (5/456).
  3. (3)    قال ابنُ تَيميَّةَ: (مسألةُ الرَّجعةِ بالفِعلِ كما إذا طَلَّقَها: فهل يكونُ الوَطءُ رَجعةً؟ فيه ثلاثةُ أقوال: أحدُها: يكونُ رَجعةً، كقَولِ أبي حنيفةَ. والثاني: لا يكونُ، كقَولِ الشافعيِّ. والثَّالِثُ: يكونُ رَجعةً مع النيَّةِ، وهو المشهورُ عند مالكٍ، وهو أعدَلُ الأقوالِ الثلاثةِ في مَذهَبِ أحمدَ). ((مجموع الفتاوى)) (20/381). ويُنظر: ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (5/449).
  4. (4)    قال ابنُ باز: (فإن راجعَها فيما بينه وبينها بالقَولِ أو بالفِعلِ، فهذا يَصِحُّ، لكِنَّ السُّنَّةَ أن يُشهِدَ شاهِدَينِ بالرَّجعةِ، إذا راجَعَها بقَولِه، أو وَطِئَها بنيَّةِ الرَّجعة كفى). ((فتاوى نور على الدرب)) (22/97). وقال: (إذا وَطِئَها على نيَّةِ الرَّجعةِ صارت راجعةً بالوَطءِ الذي حصَلَ منه، قبل أن تخرُجَ مِنَ العِدَّةِ، لو كانت لَمَّا رجَعَت إلى البيتِ وَطِئَها بعد الطَّلقَتينِ، ونوى مراجعَتَها؛ تُعتَبَرُ رَجعةً). ((فتاوى نور على الدرب)) (22/75).
  5. (5)    قال ابنُ عثيمين: (القول الثاني: أنَّها لا تحصُلُ الرَّجعةُ بالوَطءِ إلَّا بنِيَّةِ المراجعةِ؛ لأنَّ مُجَرَّدَ الوطءِ قد يستبيحُه الإنسانُ في امرأةٍ أجنبيَّةٍ، مِثلُ الزنا، فهذا الرجُلُ قد تكون قد ثارت شهوتُه عليها أو أنَّه رآها متجَمِّلةً وعجز أن يملِكَ نَفسَه، فجامعها وما نوى الرَّجعةَ ولا أرادَها، ولا عِندَه نيَّةٌ أن يَرجِعَ لها؛ فعلى هذا القَولِ لا تَحصُلُ الرَّجعةُ بالوَطءِ إلَّا بنيَّةِ الرَّجعةِ، وهذا هو الصَّحيحُ، وهو اختيارُ شَيخِ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ رحمه الله؛ لأنَّ الوطءَ قد يكونُ عن رَغبةٍ في إرجاعِها فيكونُ نَيَّةَ إرجاعٍ، وقد يكونُ لمجَرَّدِ الوطءِ والشَّهوةِ، فلا يدُلُّ على الإرجاعِ). ((الشرح الممتع)) (13/189).
  6. (6)    رواه البخاري (1) واللفظ له، ومسلم (1907)، من حديثِ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه.
  7. (7)    ((الإشراف)) للقاضي عبد الوهاب (2/758).
  8. (8)    يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/189).
  9. (9)    يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (13/189).
  10. (10)    ((العناية شرح الهداية)) للبابرتي (4/159)، ((الفتاوى الهندية)) (1/469).
  11. (11)    ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/479).
  12. (12)    قال ابنُ قدامة: (تحصُلُ الرَّجعةُ بالوَطءِ سواءً نوى به الرَّجعةَ أو لم يَنْوِ، اختارها ابنُ حامد، والقاضي، وهو قول سعيد بن المسَيِّب، والحسن، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، والزهري، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، وأصحاب الرأي). ((المغني)) (7/523).
  13. (13)    ((سبل السلام)) للصنعاني (2/267).
  14. (14)    ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343).
  15. (15)    ((المغني)) لابن قدامة (7/523).
  16. (16)    ((المغني)) لابن قدامة (7/523)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/343).