الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: إذا طُلِّقت ثلاثًا فتزَوَّجَت غَيرَه، ثمَّ تزَوَّجَها الأوَّلُ


إذا طَلَّق الرَّجُلُ امرأتَه ثلاثًا ثمَّ انقَضَت عِدَّتُها، ونكحَت زوجًا غيرَه ودخَلَ بها، ثمَّ فارَقَها وانقَضَت عِدَّتُها؛ فإنْ نكَحَها الأوَّلُ فإنَّها تَرجِعُ إليه على ثلاثِ تَطليقاتٍ جَديدةٍ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة: 230]
ثانيًا: مِنَ السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((جاءت امرأةُ رِفاعةَ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: كنتُ عندَ رِفاعةَ، فطَلَّقَني فبَتَّ طَلاقي، فتزوَّجتُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الزَّبِيرِ، وإنَّ ما معه مِثلُ هُدبةِ الثَّوبِ ، فتبسَّم رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أتُريدينَ أن تَرجِعي إلى رِفاعةَ؟ لا، حتى تَذوقي عُسَيلتَه ، ويَذوقَ عُسَيلتَكِ. قالت: وأبو بكر عندَه وخِالدٌ بالبابِ ينتَظِرُ أن يُؤذَنَ له، فنادى: يا أبا بكرٍ، ألا تَسمَعُ هذه ما تجهَرُ به عندَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! ))
وَجهُ الدَّلالةِ مِنَ الآيةِ والحَديثِ:
أنَّ اللهَ حَرَّم على الرَّجُلِ امرأتَه إذا طَلَّقَها ثلاثًا حتى تَنكِحَ زَوجًا غَيرَه، وبَيَّن رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ أنَّ النِّكاحَ الذى أحَلَّها اللهُ به بعد الثَّلاثِ: إصابةُ الزَّوجِ، وكانت مُحرَّمةً قبلَ الزَّوجِ لا تحِلُّ بحالٍ إلَّا بالزَّوجِ، فكان للزَّوجِ حُكمُ هَدمِ ثَلاثِ التَّطليقاتِ
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِرِ ، وابن حجر الهيتمي ، والشِّربينيُّ ، والرمليُّ
رابعًا: لأنَّ دُخولَ الثَّاني أفاد حِلَّ النِّكاحِ للأوَّلِ، ولا يمكِنُ بناؤُه على العَقدِ الأوَّلِ، فثَبَت نِكاحٌ مُستفتَحٌ بأحكامِه

انظر أيضا:

  1. (1)    المبتوتةُ: هي البائِنُ بفَسخٍ أو طلاقٍ. يُنظر: ((المطلع على ألفاظ المقنع)) للبعلي (ص: 424). ومَعنَى: فبَتَّ طَلاقي: أي: قَطَع قَطعًا كُلِّيًّا بتَحصيلِ البَينونةِ الكبرى. وقيل: طلَّقني ثلاثًا. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (10/2)، ((عمدة القاري)) للعيني (13/197).
  2. (2)    هُدبةُ الثَّوبِ: أي: طَرفُ الثَّوبِ الرِّخْوُ، والمقصودُ أنَّها ادَّعَت عليه العُنَّةَ، وأنَّه كالهُدْبةِ ضَعْفًا واستِرخاءً. يُنظر: ((غريب الحديث)) لابن الجوزي (2/492)، ((النهاية)) لابن الأثير (5/249).
  3. (3)    شَبَّه لذَّةَ الجِماعِ بذَوقِ العَسلِ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لابن الجوزي (2/96)، ((النهاية)) لابن الأثير (3/237).
  4. (4)    أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433) واللفظ له.
  5. (5)    ((الأم)) للشافعي (7/171). ويُنظر: ((فتح القدير)) لابن الهمام (4/184).
  6. (6)    قال ابنُ المنذر: (أجمَعوا على أنَّ الحُرَّ إذا طَلَّق الحُرَّةَ ثلاثًا، ثم انقَضَت عِدَّتُها، ونكَحَت زوجًا غيرَه ودخل بها، ثمَّ فارَقَها وانقَضَت عِدَّتُها، ثمَّ يَنكِحُها الأوَّلُ: أنَّها تكونُ عنده على ثلاثِ تطليقاتٍ جَديدةٍ). ((الإجماع)) لابن المنذر (ص115).
  7. (7)    قال الهيتمي: («إنْ ثَلَّثَ» الطَّلاقَ، ثمَّ جَدَّد بعد زوجٍ «عادت بثلاثٍ» إجماعًا). ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) (8/46).
  8. (8)    قال الشربيني: («إنْ ثَلَّثَ» الطَّلاقَ بأنْ طَلَّقَها أثلاثًا، وجَدَّد نِكاحَها بعد زوجٍ دخَلَ بها وفارقَها، وانقَضَت عِدَّتُها منه «عادت بثلاثٍ» بالإجماعِ). ((مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج)) (3/293).
  9. (9)    قال الرملي: («إنْ ثَلَّثَ» الطَّلاقَ ثمَّ جَدَّد بعد زوجٍ «عادت بثلاثٍ» إجماعًا). ((نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج)) (6/454).
  10. (10)    ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/293).