الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: الطَّلاقُ في طُهرٍ لم يُجامِعْها فيه


إذا وقع الطَّلاقُ في طُهرٍ لم يُجامِعْها فيه، فهو طَلاقٌ مُوافِقٌ للسُّنَّةِ.
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ  [الطَّلاق: 1]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ قَولَه تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أي: طَلِّقوهنَّ مُستقبِلاتٍ لعِدَّتِهنَّ، أي: في الوَقتِ الذي يَشرَعْنَ فيه في العِدَّةِ، والطَّلاقُ في الحَيضِ مَنهيٌّ عنه بإجماعٍ، وزَمَنُ الحَيضِ لا يُحسَبُ مِنَ العِدَّةِ، فإذا طَلَّقَ فيه لم يَقَعْ طَلاقُه في الحالِ التي أمَرَ اللهُ بها، وهو استِقبالُ العِدَّةِ [1828]   ((تفسير ابن جزي)) (2/383)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/497).
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنه: ((أنَّه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائِضٌ، في عَهدِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسأل عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلك، فقال له رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مُرْه فلْيُراجِعْها، ثمَّ لِيَترُكْها حتى تَطهُرَ، ثمَّ تحيضَ، ثمَّ تَطهُرَ، ثمَّ إن شاء أمسَكَ بَعدُ، وإن شاء طَلَّقَ قَبلَ أن يمَسَّ؛ فتلك العِدَّةُ التي أمَرَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ أن يُطَلَّقَ لها النِّساءُ )) [1829]   أخرجه البخاري (5251) واللفظ له، ومسلم (1471).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ أنَّ الطَّلاقَ فى العِدَّةِ لا يكونُ إلَّا فى طُهرٍ يُعتَدُّ به، ومَوضِعٍ يُحتَسَبُ به مِن عِدَّتِها؛ بأنْ تُطَلَّقَ في طُهرٍ لم يُجامِعْ فيه، ويَستقبِلَها مِن حينئذٍ، وكان هذا منه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بيانًا لِقَولِه تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [1830]   ((شرح صحيح البخارى)) لابن بطال (7/383)، ((الإكليل في استنباط التنزيل)) للسيوطي (ص: 266).
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ نصر المروزي [1831]   قال ابنُ نصر المروزي: (أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ الرجُلَ إذا أراد أن يُطَلِّقَ امرأتَه للسُّنَّةِ، وهي ممَّن تحيضُ: أنَّه إنْ أمهَلَها حتى تَطهُرَ مِن حَيضِها، ثمَّ طَلَّقَها مِن قَبلِ أن يُجامِعَها واحدةً، ثمَّ تركَها حتى تنقَضيَ عِدَّتُها، ولم يُطَلِّقْها غيرَ تلك التَّطليقةِ: أنَّه مُطَلِّقٌ للسُّنَّةِ). ((اختلاف الفقهاء)) (ص: 236). ، وابنُ المنذر [1832]   قال ابنُ المنذر: (أجمع أهلُ العِلمِ على أنَّ مَن طَلَّق زَوجتَه طَلقةً واحِدةً، وهي طاهِرةٌ مِن حَيضةٍ لم يُطَلِّقْها فيها، ولم يكُنْ جامَعَها في ذلك الطُّهرِ: أنَّه مُصيبٌ للسُّنَّةِ). ((الإشراف على مذاهب العلماء)) (5/184). ، وابنُ عبد البَرِّ [1833]   قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (أجمع العُلَماءُ على أنَّ مَن طلَّقَ امرأتَه وهي طاهِرٌ طُهرًا لم يَمَسَّها فيه بعدَ أن طَهُرَت مِن حَيضتِها طلقةً واحدةً، ثمَّ تركَها حتى تنقضيَ عِدَّتُها، أو راجَعَها مُراجعةَ رَغبةٍ: أنَّه مُطَلِّقٌ للسُّنَّةِ، وأنَّه قد طَلَّق للعِدَّةِ التي أمَرَ الله بها). ((التمهيد)) (15/69).
رابِعًا: مِنَ الآثارِ
عن ابنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، في قَولِه تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: 1] قال: (في الطُّهرِ مِن غيرِ جِماعٍ) [1834]   أخرجه الطبري (23/23). صَحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (9/346).
 خامِسًا: لأنَّ الطَّلاقَ في الحَيضِ فِيهِ تَضرُّرٌ للمَرأةِ بِطُولِ العِدَّةِ؛ فإنَّ بقيَّةَ الحَيضِ لا تُحسَبُ منها [1835]   ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/497).

انظر أيضا: