الموسوعة الفقهية

المبحث الحادي عشر: الرِّدَّة


اختلف الفقهاءُ في كون الرِّدَّةِ عن الإسلامِ- والعِياذُ بالله تعالى- تَنقُضُ الوضوءَ، وذلك على قولين:
القول الأوّل: أنَّ الردَّةَ تنقُضُ الوضوءَ، وهو مذهَبُ المالكيَّة ، والحنابلة ، وهو وجهٌ في مذهَبِ الشَّافعيَّة ، وبه قالت طائفةٌ من السَّلَف ، واختاره ابنُ تيميَّة ، وابنُ باز
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
1- قول الله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة: 5]
2- قوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65]
وجه الدَّلالة من الآيتين:
أنَّ الوضوءَ عملٌ، فيَحبَط بالردَّةِ بنصِّ الآيتين.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ، والحمدُ لله تملأُ الميزانَ، وسبحانَ اللهِ والحمدُ لله تملآنِ- أو تملأُ- ما بين السَّمواتِ والأرض، والصَّلاةُ نورٌ، والصَّدقةُ بُرهان، والصَّبرُ ضياءٌ، والقرآنُ حُجَّةٌ لك أو عليك، كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفْسَه فمُعتِقُها، أو مُوبِقُها ))
وجه الدَّلالة:
أنَّه إذا كان الطُّهورُ شطرَ الإيمان، والرِّدَّة تُبطِل الإيمانَ، فهي تبطِلُ أيضًا الوضوءَ؛ لأنَّه شطرُ الإيمانِ.
القول الثاني: الرِّدَّة لا تَنقُضُ الوضوءَ، وهذا مَذهَبُ الحنفيَّة ، والشَّافعيَّة ، وقولٌ للمالكيَّة ، وهو اختيارُ ابنِ حزمٍ ، وابنِ عُثيمين
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكتاب
قول الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 217]
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الآيةَ تدلُّ على أنَّ الرِّدَّةَ لا تُحبِطُ العمَلَ، إلَّا إن اتَّصلَت بالمَوتِ
ثانيًا: أنَّه لم يأت قرآنٌ، ولا سُنَّة صحيحةٌ ولا سقيمة، ولا إجماعٌ، ولا قياس، بأنَّ الردَّة حدَثٌ يَنقُضُ الطهارة، وهم يُجمِعونَ على أنَّ الرِّدَّة لا تنقُضُ غُسلَ الجنابةِ، ولا غُسلَ الحيض، ولا عِتقَه السَّالف؛ فكيف تنقُضُ الوضوء ؟!

انظر أيضا:

  1. (1) ((حاشية الدسوقي)) (1/122)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/346).
  2. (2) ((الفروع)) لابن مفلح (1/236)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/162).
  3. (3) ((المجموع)) للنووي (2/5).
  4. (4) قال النوويُّ: (وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو داود: تنقض). ((المجموع)) للنووي (2/61).
  5. (5) قال ابن تيميَّة: (الرِّدَّة تنقُضُ الوضوء؛ لأنَّ العبادةَ مِن شرْط صحَّتها دوامُ شَرطِها استصحابًا في سائِرِ الأوقات، وإذا كان كذلك، فالنيَّةُ مِن شرائط الطَّهارة على أصلِنا، والكافر ليس من أهلِها، وهو مذهَبُ أحمد). ((الاختيارات الفقهية)) (1/392).
  6. (6) قال ابن باز: (نواقِضُ الوضوء، وهي ستَّة: الخارج من السَّبيلين... والرِّدَّة عن الإسلام, أعاذنا اللهُ والمسلمينَ من ذلك). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/294).
  7. (7) رواه مسلم (223).
  8. (8) ((المبسوط)) للسرخسي (1/79)، ((الهداية)) للمرغيناني (1/26).
  9. (9) ((المجموع)) للنووي (2/5)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/109).
  10. (10) ((التاج والإكليل)) للمواق (1/300))، ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/435).
  11. (11) قال ابن حزم: (لا يَنقضُ الوضوءَ شيءٌ غير ما ذكرنا، لا رعاف،... ولا الردَّة) ((المحلى)) (1/235).
  12. (12) قال ابن عثيمين: (الصحيح: أنَّ الردَّة لا تنقُضُ الوضوءَ، والآية لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ **الزمر: 65** هذا حبوطُ الثَّواب، وحديث ابنِ عبَّاس لا يدلُّ على هذا؛ أنَّ الحَدَث حَدَثان، ولو أخَذْنا بهذا لقُلنا: كلُّ إنسانٍ يَعصي الله، فهو مُحدِثٌ يجِبُ عليه الوضوء). ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة)).
  13. (13) ((نهاية المحتاج)) للرملي (1/109).
  14. (14) ((المحلى)) لابن حزم (1/236).