الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: ضَربُ الرِّجالِ بالدُّفِّ في الأعراسِ


يَحرُمُ على الرِّجالِ الضَّربُ بالدُّفِّ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [1400]   قال ابن نجيم: (وهو مكروهٌ للرِّجالِ على كُلِّ حالٍ؛ للتشَبُّه بالنساء). ((البحر الرائق)) (7/88). وقال ابن عابدين: (جوازُ ضَربِ الدُّفِّ فيه خاصٌّ بالنساءِ؛ لِما في البحر عن المعراجِ بعد ذِكْرِه أنه مباحٌ في النِّكاح وما في معناه مِن حادثِ سرورٍ، قال: وهو مكروهٌ للرجالِ على كلِّ حالٍ؛ للتشَبُّهِ بالنساءِ). ((حاشية ابن عابدين)) (5/482). والحَنَفيَّةُ يعنون بالكراهةِ إذا ذُكِرَت مطلقةً كراهةَ التحريم. قال ابن عابدين: (الكراهةُ حيث أُطلِقَت فالمرادُ منها التحريمُ، قال في البحر: واعلَمْ أنَّ المكروهَ إذا أطلِقَ في كلامهم فالمرادُ منه التحريمُ إلَّا أن يُنَصَّ على كراهةِ التنزيه؛ فقد قال المصنف في المصفَّى: لفظُ الكراهةِ عند الإطلاقِ يرادُ بها التحريمُ. قال أبو يوسف: قلتُ لأبي حنيفة: إذا قلتَ في شيءٍ: أكرَهُه، فما رأيكُ فيه؟ قال: التحريمُ). ((حاشية ابن عابدين)) (1/224). وقال الطحطاوي: (الأصلُ في إطلاقها التحريمُ). ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (344). ومن أمثلةِ ذلك قولُ الجصاص: (قال أبو جعفر: «ويُكرَهُ لِباسُ الحريرِ للرِّجاِل والصِّبيانِ مِن الذكور، وكذلك الذَّهَبُ والفِضَّةُ»). ((شرح مختصر الطحاوي)) (8/529). ومعلومٌ أنَّ الحريرَ والذَّهَبَ والفِضَّةَ للرِّجالِ عندهم حرامٌ. ، وقَولُ أصبَغَ مِن المالِكيَّةِ [1401]   ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/7). ويُنظر: ((الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي)) (2/339). ، واختاره الحَلِيمي [1402]   قال الحليمي: (ضربُ الدُّفِّ لا يحِلُّ إلا للنساءِ؛ لأنَّه في الأصلِ مِن أعمالِهنَّ، و[قد] لعَنَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المتشَبِّهين من الرِّجالِ بالنِّساءِ). ((المنهاج في شعب الإيمان)) (3/19). ، والبيهقي [1403]   قال ابن حجر الهيتمي: (حكى الإمامُ البيهقي عن شيخِه الإمام الحليمي ولم يخاِلْفه: أنَّا إذا أبَحْنا الدُّفَّ فإنما نُبِيحه للنِّساءِ خاصَّةً). ((كف الرعاع)) (ص: 82). ويُنظر: ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/220)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/429). ، وابن كثيرٍ [1404]   قال ابن كثير في جوابٍ له عن حكم الغناء: (نقل غيرُ واحدٍ من الأئمة إجماعَ العُلَماءِ على تحريم اجتماعِ الدُّفوفِ والشبَّابات، ومن النَّاسِ من حكى في ذلك خلافًا شاذًّا، وأمَّا انفرادُ كُلِّ واحدٍ مِن الدُّفِّ واليراع «القصبة» ففيه نزاعٌ في مذهبِ الإمام الشافعيِّ، والذي عليه أئمَّةُ الطريقة العراقية التحريمُ، وهم أقعَدُ بمعرفةِ المذهبِ مِن الخُراسانيِّين، ويتأيَّدُ ما قالوه بالحديثِ المتقَدِّم -يعني حديثَ: «ليكونَنَّ من أمَّتي»- ولا يُستثنى من ذلك إلَّا ضَربُ الدُّفِّ للجواري -الصَّغيراتِ- في مثلِ الأعيادِ، وعند قدومِ الغائبِ المُعَظَّم، وفي العُرسِ، كما دلَّت على ذلك الأحاديثُ، كما هو مقَرَّرٌ في مواضِعَ، ولا يلزمُ من إباحةِ ذلك في بعضِ الأحوالِ إباحتُه في كلِّ حال). يُنظر: ((مُلحَق كتاب الكلام على مسألة السَّماع)) لابن القيِّم (ص473). ، وابن حَجَرٍ من الشَّافِعيَّةِ [1405]   قال ابن حجر: (واستُدِلَّ بقولِه: «واضرِبوا» على أنَّ ذلك لا يختَصُّ بالنِّساءِ، لكنَّه ضعيفٌ، والأحاديثُ القويَّةُ فيها الإذنُ في ذلك للنِّساءِ، فلا يلتحِقُ بهنَّ الرِّجالُ؛ لعُمومِ النَّهيِ عن التشبُّهِ بهنَّ). ((فتح الباري)) (9/185). ، ونسَبَه ابنُ رجَبٍ الحنبليُّ إلى جُمهورِ العُلَماءِ [1406]   قال ابنُ رَجبٍ: (جمهورُ العلماءِ على أنَّ الضَّربَ بالدُّفِّ للغِناءِ لا يُباحُ فِعلُه للرِّجالِ؛ فإنَّه من التشبُّه بالنِّساء، وهو ممنوعٌ منه، هذا قولُ الأوزاعي وأحمد، وكذا ذكَرَ الحليمي وغيره من الشَّافِعيَّة... فأمَّا الغِناءُ بغَيرِ ضَربِ دُفٍّ، فإن كان على وجهِ الحُداء والنَّصْبِ [وهو ضَربٌ من أغانِي العرَبِ شِبْه الحُداء]، فهو جائزٌ، وقد رُوِيَت الرخصةُ فيه عن كثيرٍ من الصَّحابة). ((فتح الباري)) (6/82). ، وهو ظاهِرُ كَلامِ ابنِ تيميَّةَ [1407]   قال ابن تيمية: (رُخِّصَ للنساءِ أن يَضْرِبْنَ بالدُّفِّ في الأعراسِ والأفراحِ، وأمَّا الرِّجالُ على عَهدِه فلم يَكُنْ أحدٌ منهم يَضرِبُ بدُفٍّ، ولا يُصَفِّق بكَفٍّ). ((مجموع الفتاوى)) (11/565). ، واختيارُ ابنِ باز [1408]   قال ابن باز: (يُستحَبُّ ضَربُ الدُّفِّ في النِّكاح للنِّساءِ خاصَّةً؛ لإعلانِه والتمييزِ بينه وبين السِّفاحِ، ولا بأس بأغاني النِّساءِ فيما بينهنَّ مع الدُّفِّ إذا كانت تلك الأغاني ليس فيها تشجيعٌ على مُنكَرٍ ولا تثبيطٌ عن واجبٍ، ويُشتَرَطُ أن يكون ذلك فيما بينهنَّ مِن غير مخالطةٍ للرِّجالِ... أمَّا الرجالُ فلا يجوزُ لهم استعمالُ شيءٍ من ذلك لا في الأعراس ولا في غيرِها). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/425). ، وابنِ عثيمين [1409]   قال ابن عثيمين: (وأمَّا الرِّجالُ فإنَّ الرِّجالَ لا نُفتيهم بالجوازِ، وإن كان بعضُ العلماء أجاز ذلك، لكنَّنا لا نُفتي به؛ لأنَّنا نخشى من أن يتوسَّعَ الأمرُ ويحصُلَ فيه ضررٌ على الرِّجالِ والنساء. والناقِلُ عنا بأنَّنا أفتينا بجوازِه للرِّجالِ غيرُ صَحيحٍ، لكِنْ لعَلَّه سَمِعَ منَّا أنَّنا قلنا: إنَّ بعض العلماء أجازه، فظَنَّ أنَّ هذا من بابِ الإقرارِ). ((اللقاء الشهري)) رقم اللقاء (37). ، والألبانيِّ [1410]   قال الألباني: (ضربُ الدُّفِّ لا يحِلُّ إلَّا للنِّساءِ؛ لأنَّه في الأصلِ مِن أعمالهنَّ، وقد لعن رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المتشَبِّهين من الرِّجالِ بالنِّساءِ). ((تحريم آلات الطرب)) (ص: 10). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ [1411]   جاء في فتاوى اللجنةِ الدَّائمةِ: (ضَربُ الدُّفِّ إنما يجوزُ للنِّساءِ في حَفلِ الزواج، إعلانًا للنِّكاح، بشَرطِ أن يكونَ ذلك في محيطِ النِّساءِ، أمَّا الرِّجالُ فلا يجوزُ لهم ضَربُ الدُّفوفِ ولا غيرها من أنواعِ اللَّهوِ). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (26/258).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن أبي مالكٍ الأشعريِّ رضي الله عنه أنَّه قال: سَمِعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((لَيَكونَنَّ مِن أمَّتى أقوامٌ يَستحِلُّونَ الحِرَ، والحريرَ، والخَمرَ، والمعازِفَ، ولَيَنزِلَنَّ أقوامٌ إلى جَنبِ عَلَمٍ، يروحُ عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم لحاجةٍ، فيقولوا: ارجِعْ إلينا غدًا، فيُبَيِّتُهم اللهُ، ويَضَعُ العَلَمَ، ويَمسَخُ آخَرينَ قِرَدةً وخنازيرَ إلى يومِ القيامةِ )) [1412]   أخرجه البخاري معلَّقًا (5590) واللفظ له، وأخرجه موصولًا أبو داود (4039) مختصرًا. صحَّحه ابن القيم في ((تهذيب السنن)) (10/153)، وابن رجب في ((نزهة الأسماع)) (2/449)، والعراقي في ((التقييد والإيضاح)) (89)، وابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/79)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (5/17)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (21/152)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4039).
وَجهُ الدَّلالةِ:
عمومُ تَحريمِ المعازِفِ، والدُّفُّ مِنَ المعازِفِ [1413]   ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (2/474).
ثانيًا: لأنَّه في الأصلِ مِن أعمالِ النِّساءِ، وقد لعن رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المتشَبِّهينَ مِن الرِّجالِ بالنِّساءِ [1414]   رواه البخاري (5885 ). يُنظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (7/121)، ((فتح الباري)) لابن رجب (6/82)، ((فتح الباري)) لابن حجر (9/185)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/88).

انظر أيضا: