الموسوعة الفقهية

المَطلبُ الثَّاني: حُكمُ الوليمةِ


اختلفَ العُلَماءُ في حُكمِ وَليمةِ النِّكاحِ، على قَولَينِ:القول الأول: وليمةُ النِّكاحِ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ : الحَنَفيَّةِ ، والشَّافعيَّةِ -على الصَّحيحِ- ، والحَنابِلةِ ، وبه قال أكثَرُ أهلِ العِلمِ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ جاء إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبه أثَرُ صُفرةٍ، فسأله رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَه أنَّه تزوَّجَ امرأةً مِن الأنصارِ، قال: كم سُقتَ إليها؟ قال: زِنةَ نواةٍ مِن ذهَبٍ. قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولو بشاةٍ ))
2- عن صَفيَّةَ بنتِ شَيبةَ رضي الله عنها قالت: ((أولَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على بَعضِ نسائِه بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ ))
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثين:
أنَّ الأمرَ بالوليمةِ في الحديثِ الأوَّلِ مَحمولٌ على الاستِحبابِ؛ لِكَونِه أمَرَه بشاةٍ، والوليمةُ بالشَّاةِ غيرُ واجبةٍ اتِّفاقًا، كما أنَّه قد أولم بمُدَّينِ مِن شَعيرٍ، كما في الحديثِ الثَّاني
3- عن أنسٍ قال: ((ما أولَمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شيءٍ مِن نسائِه ما أولَمَ على زينبَ، أولمَ بشاةٍ ))
ثانيًا: أنَّها لو كانت واجِبةً لكانت مُقدَّرةً معلومًا مَبلغُها كسائِرِ ما أوجب اللهُ ورَسولُه من الطَّعامِ في الكَفَّاراتِ وغَيرِها، فلمَّا لم يكُن مِقدارٌ خرج مِن حَدِّ الوجوبِ إلى حَدِّ النَّدبِ، وأشبهَ الطَّعامَ لحادثِ السُّرورِ، كطعامِ الخِتانِ والقُدومِ مِن السَّفَرِ، وما صُنِعَ شُكرًا لله عزَّ وجلَّ القول الثاني: وليمةُ النِّكاحِ واجِبةٌ، وهو قَولٌ للمالكيَّةِ ، وقَولٌ للشَّافعيَّةِ ، وروايةٌ عن أحمَدَ ، ومذهَبُ الظَّاهريةِ ، وبه قال الصَّنعانيُّ ، والشَّوكانيُّ ، والألبانيُّ
الأدِلَّةُ:
أولًا: مِنَ السُّنَّة
عن أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ عَوفٍ جاء إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبه أثَرُ صُفرةٍ، فسأله رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبَرَه أنَّه تزوَّج امرأةً مِن الأنصارِ، قال: كم سُقتَ إليها؟ قال: زِنةَ نَواةٍ مِن ذَهَبٍ، قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولو بشاةٍ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أولِمْ ولو بشاةٍ)) أمرٌ بالوليمةِ، وظاهِرُالأمرِ الوُجوبُ
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما أنكَحَ قَطُّ إلَّا أولَمَ في ضِيقٍ أو سَعةٍ، وأولَمَ على صفيَّةَ في سَفَرِه بسَويقٍ وتَمرٍ
ثالثًا: أنَّ في الوليمةِ إعلانًا للنِّكاحِ؛ فَرقًا بينه وبين السِّفاحِ
رابعًا: أنَّه لما كانت إجابةُ الدَّاعي إليها واجِبةً دَلَّ على أنَّ فِعلَ الوليمةِ واجِبٌ؛ لأنَّ وجوبَ المُسَبَّبِ دليلٌ على وُجوبِ السَّبَبِ

انظر أيضا:

  1. (1)    نصَّ المالكيَّةُ في المُعتَمَدِ عندهم أنَّها مَندوبةٌ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (5/241)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/337)، ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل بن إسحاق (4/255).
  2. (2)    ((حاشية ابن عابدين)) (6/347).
  3. (3)    ((روضة الطالبين)) للنووي (7/333)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/245).
  4. (4)    ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/232).
  5. (5)    قال ابن الملقن: (لا خِلافَ بينَ أهلِ العِلمِ في أنَّ الوليمةَ في العُرسِ سُنَّةٌ مَشروعةٌ، وليست بواجبةٍ في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ). ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (24/510).
  6. (6)    أخرجه البخاري (5153) واللفظ له، ومسلم (1427).
  7. (7)    أخرجه البخاري (5172).
  8. (8)    ((فتح الباري)) لابن حجر (9/230).
  9. (9)    أخرجه البخاري (5168) واللفظ له، ومسلم (1428).
  10. (10)    ((التمهيد)) لابن عبد البر (2/189).
  11. (11)    ((التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب)) لخليل بن إسحاق (4/255)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (2/337)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/499).
  12. (12)    ((روضة الطالبين)) للنووي (7/333).
  13. (13)    ((الإنصاف)) للمرداوي (8/317).
  14. (14)    قال ابن حزم: (وفَرْضٌ على كلِّ من تزوَّج أن يولِمَ بما قَلَّ أو كثُر... وهو قَولُ أبي سليمان وأصحابِنا). ((المحلى)) (9/20). ويُنظر: ((سبل السلام)) للصنعاني (2/226).
  15. (15)    قال الصنعاني: (وفي قَولِه: «أولِمْ ولو بشاةٍ» دليلٌ على وجوبِ الوليمةِ في العُرسِ، وإليه ذهب الظاهريَّةُ). ((سبل السلام)) (2/226).
  16. (16)    قال الشوكاني: (الوليمةُ: طَعامُ العُرسِ والإملاكِ، وظاهِرُ الأمرِ الوُجوبُ [أي: في قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «أولِمْ»]). ((نيل الأوطار)) (6/209).
  17. (17)    قال الألباني تحت عنوان (وجوب الوليمة): (ولا بدَّ له من عمَلِ وليمةٍ بعد الدخولِ؛ لأمرِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عبدَ الرحمن بنَ عوفٍ بها). ((آداب الزفاف في السُّنَّة المطهرة)) (ص: 144).
  18. (18)    أخرجه البخاري (5153) واللفظ له، ومسلم (1427).
  19. (19)    ((سبل السلام)) للصنعاني (2/226)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/209).
  20. (20)    ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/556).
  21. (21)    ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/556).
  22. (22)    ((الحاوي الكبير)) للماوردي (9/556).