الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: من الشُروط الفاسِدة غيرُ المُفسِدة في النكاح: اشتِراطُ عَدَمِ النَّفَقةِ والوَطءِ في العَقدِ


المسألةُ الأولى: حُكمُ اشتِراطِ عَدَمِ النَّفَقةِ في العَقدِ
إذا اشتُرِطَ عَدَمُ النَّفَقةِ في العَقدِ فالشَّرطُ فاسِدٌ والنِّكاحُ صَحيحٌ ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّةِ ، والشَّافِعيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وقَولٌ للمالكيَّةِ
وذلك للآتي:
أوَّلًا: الشَّرطُ باطِلٌ؛ لأنَّه يُنافي مُقتَضى العَقدِ مع تضَمُّنِه لإسقاطِ حُقوقٍ وَجَبت بالعَقدِ
ثانيًا: أنَّه يَصِحُّ النِّكاحُ؛ لِكَونِ العَقدِ لا يَبطُلُ بالعِوَضِ الفاسِدِ، فلا يَبطُلُ بالشَّرطِ الفاسِدِ مِن بابِ أَولى
المسألةُ الثَّانيةُ: حُكمُ اشتِراطِ عَدَمِ الوَطءِ في العَقدِ
إذا اشتُرِطَ عدمُ الوَطءِ في العَقدِ فالشَّرطُ باطِلٌ والنِّكاحُ صَحيحٌ ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ ، والحَنابِلةِ ، وهو اختيارُ الشَّوكانيِّ
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عن عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: قال رسولُ اللهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن اشتَرَط شَرطًا ليس في كتابِ الله فليس له، وإن اشتَرَط مائةَ شَرطٍ ))
ثانيًا: لأنَّه يُنافي مُقتضى العَقدِ، ويتضَمَّنُ الإسقاطَ للواجِبِ بالعَقدِ؛ فكان شَرطًا باطِلًا
ثالثًا: ولأنَّ عَقدَ النِّكاحِ يَصِحُّ مع الصَّداقِ المجهولِ، فصَحَّ بالشَّرطِ الفاسِدِ

انظر أيضا:

  1. (1)      ليس المقصودُ بالشُّروطِ هنا شُروطَ صِحَّةِ النِّكاحِ، وإنَّما ما يَشترطُه الزوجانِ أو أحدُهما، مِثلُ: اشتراطِ عدمِ النَّفَقةِ، أو عدمِ الوَطءِِ، أو ألَّا يُخرِجَها من بلَدِها، أو أن يكونَ الطَّلاقُ بيَدِها، وهذه الشروطُ منها الصَّحيحُ ومنها الفاسِدُ الذي لا يلزَمُ الزَّوجينِ أو أحدَهما، كما سيأتي
  2. (2)      قال ابن عثيمين: (قوله: «أوْ لا نفقةَ» أي: اشترط الزوجُ ألَّا يُنفِقَ عليها، ومعلومٌ أنَّه يجِبُ على الزَّوجِ أن يُنفِقَ على زوجتِه إذا عَقَد عليها وتسَلَّمَها، فإذا اشترط ذلك فقَبِلَت، فالنِّكاحُ صَحيحٌ؛ لأن هذا لا يعودُ إلى نفسِ العَقدِ، ولكِنَّ الشَّرطَ غيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّه يخالف مُقتضى العقدِ... الخلاصة: أوَّلًا: إذا شرط الزَّوجُ أنْ لا نفقةَ قبل العقد، ثم عقد على هذا الشَّرطِ، فالعَقدُ صحيحٌ والشَّرط باطل. ثانيًا: إذا أسقطت المرأةُ نفقَتَها بعد العقد، فالإسقاطُ صَحيحٌ، لكِنْ لها أن تطالِبَ بها في المستقبَلِ. ثالثًا: إذا جرى ذلك بينهما صُلحًا بأنْ خِيفَ الشِّقاقُ بينهما، وتصالحا على أنْ لا نفقةَ، فهنا ليس لها أن تطالِبَ بالنَّفَقةِ؛ لأنَّه جرى الصلحُ عليها؛ لأنَّ فائدة الصلحِ أن يُمضَى ويَثبُت، وإذا لم يُمضَ ولم يَثبُت فلا فائدةَ في الصُّلحِ). ((الشرح الممتع)) (12/191).
  3. (3)      ((المبسوط)) للسرخسي (5/137)، ((الفتاوى الهندية)) (1/309). ويُنظر: ((الجوهرة النيرة على مختصر القدوري)) للحدادي (2/20).
  4. (4)      ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/386)، ((نهاية المحتاج)) للرملي(6/344).
  5. (5)      ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/669)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/129).
  6. (6)      عند المالكيَّةِ أن النِّكاحَ يُفسَخُ قبل الدُّخولِ، ويَثبُت بالدُّخولِ ويَسقُطُ الشَّرطُ. ((التاج والإكليل)) للموَّاق (3/444)، ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (5/84)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/317).
  7. (7)      ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/98).
  8. (8)      ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/386)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/344)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/98).
  9. (9)      يرى الشَّافعيَّةُ بأنَّه يَصِحُّ النِّكاحُ إن كان المُشتَرِطُ هو الزَّوجَ، ويَبطُلُ إن كان المُشترِطُ وليَّ الزَّوجةِ. ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (7/387)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (6/344). ويرى ابنُ تيميَّةَ صِحَّةَ الشَّرطِ والنِّكاحِ. يُنظر: ((المستدرك على مجموع الفتاوى)) (4/170)، ((الإنصاف)) للمرداوي (8/123).
  10. (10)      ((المبسوط)) للسرخسي (5/137)، ((حاشية ابن عابدين)) (3/131).
  11. (11)      ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/669)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/129).
  12. (12)      قال الشوكاني: (العقدُ إذا وقع على وجهِ الصحَّةِ فهذا الاستثناءُ الذي يتضَمَّنُ تحريمَ الحلالِ لا حُكمَ له ولا عَمَلَ بما يقتضيه، بل هو مدفوعٌ ممنوعٌ، كما لو قال بعد الفراغِ مِن العقدِ: ولا تطأْها، أو لا تنظُرْ إليها، أو نحو هذه الأمور التي لا ثباتَ لها في الشَّرعِ، بل هي من أفعال الجاهلين لسِرِّ الشريعةِ، ولا فرق بين الاستثناء والشَّرطِ؛ فإنَّ الكُلَّ إذا تضمَّن تحليلَ الحرام أو تحريمَ الحلالِ كان باطلًا؛ ولهذا صَحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «كلُّ شَرطٍ ليس في كتابِ الله فهو باطِلٌ»). ((السيل الجرار)) (ص: 362).
  13. (13)      أخرجه البخاري (2735) واللفظ له، ومسلم (1504).
  14. (14)      ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/130).
  15. (15)      ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/98).