تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
المسألةُ الأولى: نِكاحُ الشِّغارِ بدُونِ صَداقٍ لكُلٍّ منهما يُفسَخُ عَقدُ نِكاحِ الشِّغارِ إذا كان بدونِ صَداقٍ، قبل الدُّخولِ أو بَعدَه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ، والظَّاهريَّةِ الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة: 1- عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهى عَنِ الشِّغَارِ))، والشِّغارُ: أن يزوِّجَ الرَّجُلُ ابنَتَه على أن يزوِّجَه الآخَرُ ابنَتَه، ليس بينهما صَداقٌ 2- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشِّغارِ )) 3- عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((نهى رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشِّغارِ )) وجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ: نهيُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الشِّغارِ في هذه الأحاديثِ يدُلُّ على فَسادِه قبل الدُّخولِ وبَعدَه، ما دام لم يُسَمِّ الصَّداقَ المسألةُ الثَّانيةُ: نِكاحُ الشِّغارِ بصَداقٍ بينهما اختَلَف العُلَماءُ في حُكمِ نِكاحِ الشِّغارِ بصَداقٍ بينهما على قَولَينِ: القول الأول: يَصِحُّ نكاحُ الشِّغارِ بصَداقٍ بينهما، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ : الحَنَفيَّةِ، والشَّافِعيَّةِ، والحَنابِلةِ وذلك للآتي: أوَّلًا: لأنَّه شَرطٌ في العَقدِ مع تَسميةِ المَهرِ، فلا يَفسُدُ النِّكاحُ ثانيًا: لانتفاءِ الظُّلمِ والإكراهِ في المُزوَّجةِ، فكان كالشُّروطِ في النِّكاحِالقول الثاني: لا يَصِحُّ نكاحُ الشِّغارِ ولو مع وجودِ مَهرِ المِثلِ لهما، وهو وجهٌ للشَّافعيَّةِ، وقَولُ بَعضِ الحَنابِلةِ، وهو مَذهَبُ الظَّاهريَّةِ، واختيارُ ابنِ باز، وبه أفتتِ اللَّجنةُ الدَّائمةُ الأدِلَّةُ: أولًا: مِنَ السُّنَّة عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما كان مِن شَرطٍ ليس في كِتابِ اللهِ، فهو باطِلٌ )) وَجهُ الدَّلالةِ: هذا النِّكاحُ وجَدْنا فيه شرطًا ليس في كِتابِ اللهِ ولا سُنَّةِ رَسولِه؛ فكان باطِلًا ثانيًا: من الآثارِ عن عبدِ الرَّحمنِ بنِ هُرمزَ الأعرَجِ: (أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ اللهِ بنِ العبَّاسِ أنكَحَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الحَكَمِ ابنَتَه، وأنكَحَه عبدُ الرَّحمنِ ابنَتَه، وكانا جَعَلَا صَداقًا، فكتب مُعاويةُ إلى مَروانَ يأمُرُه بالتَّفريقِ بينهما، وقال في كتابِه: هذا الشِّغارُ الذي نهى عنه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ) وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ مُعاويةَ أبطَلَ هذا النِّكاحَ مع تَسميةِ الصَّداقِ
(1) ليس المقصودُ بالشُّروطِ هنا شُروطَ صِحَّةِ النِّكاحِ، وإنَّما ما يَشترطُه الزوجانِ أو أحدُهما، مِثلُ: اشتراطِ عدمِ النَّفَقةِ، أو عدمِ الوَطءِِ، أو ألَّا يُخرِجَها من بلَدِها، أو أن يكونَ الطَّلاقُ بيَدِها، وهذه الشروطُ منها الصَّحيحُ ومنها الفاسِدُ الذي لا يلزَمُ الزَّوجينِ أو أحدَهما، كما سيأتي
(2) ((الكافي)) لابن عبد البر (2/532)، ((التاج والإكليل)) للمواق (3/512).
(5) قال ابن حزم: (لا يحِلُّ نِكاحُ الشِّغارِ: وهو أن يتزوَّجَ هذا وليَّةَ هذا على أن يزوِّجَه الآخَرُ وليَّتَه أيضًا، سواءٌ ذَكَرا في كلِّ ذلك صداقًا لكُلِّ واحدةٍ منهما أو لإحداهما دون الأخرى، أو لم يَذكُرا في شيءٍ مِن ذلك صَداقًا، كلُّ ذلك سواءٌ يُفسَخُ أبدًا، ولا نفقةَ فيه، ولا ميراث، ولا صداقَ، ولا شيءَ من أحكام الزوجية، ولا عِدَّةَ، فإن كان عالِمًا فعليه الحَدُّ كامِلًا، ولا يُلحَقُ به الولَدُ، وإن كان جاهِلًا فلا حَدَّ عليه، والولَدُ له لاحِقٌ، وإن كانت هي عالِمةً بتحريمِ ذلك فعليها الحَدُّ، وإن كانت جاهلةً فلا شيءَ عليها... والذي قُلنا به هو قَولُ أصحابِنا). ((المحلى)) (9/118).
(12) مذهَبُ المالِكيَّة فَسْخُ العَقدِ إذا كان قبل البِناءِ، ويَمضي بعده بشرطِ أن يكونَ بصَداقِ المِثلِ، وهو ما يسَمُّونَه بـ (وجهُ الشِّغار). ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (4/29)، ((الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقي)) (2/309)، ((منح الجليل)) لعليش (3/447).
(20) قال ابن حزم: (لا يحِلُّ نِكاحُ الشِّغارِ: وهو أن يتزوَّجَ هذا وليَّةَ هذا على أن يزوِّجَه الآخَرُ وليَّتَه أيضًا، سواءٌ ذَكَرا في كلِّ ذلك صداقًا لكُلِّ واحدةٍ منهما أو لإحداهما دون الأخرى، أو لم يَذكُرا في شيءٍ مِن ذلك صَداقًا، كلُّ ذلك سواءٌ يُفسَخُ أبدًا، ولا نفقةَ فيه، ولا ميراث، ولا صداقَ، ولا شيءَ من أحكام الزوجية، ولا عِدَّةَ، فإن كان عالِمًا فعليه الحَدُّ كامِلًا، ولا يُلحَقُ به الولَدُ، وإن كان جاهِلًا فلا حَدَّ عليه، والولَدُ له لاحِقٌ، وإن كانت هي عالِمةً بتحريمِ ذلك فعليها الحَدُّ، وإن كانت جاهلةً فلا شيءَ عليها... والذي قُلنا به هو قَولُ أصحابِنا). ((المحلى)) (9/118).
(21) قال ابن باز: (نكاحُ البَدَلِ لا يجوز، ويُسمَّى نكاحَ الشِّغار، وقد نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عِدَّةِ أحاديثَ، فلا يجوزُ نِكاحُ البدل بالمُشارَطةِ، يقول هذا: زوِّجْني أختَك وأُزوِّجُك أختي، أو زوِّجْني بِنتَك وأزوِّجُك بنتي، هذا هو نكاحُ البَدَلِ، ويقال له: نكاحُ الشِّغارِ، ولو سَمَّى مَهرًا، ولو تساوى المَهرُ، ولو اختَلَفَ المهر، ما دام فيه مُشارطةٌ لا يجوزُ). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/26).
(22) جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: (إذا زوَّج الرَّجُلُ مَوْليَّتَه لرجُلٍ على أن يزوِّجَه الآخَرُ مَوليَّتَه، فهذا هو نِكاحُ الشِّغار الذي نهى عنه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا هو الذي يسمِّيه بعضُ النَّاسِ نكاح البدَل، وهو نكاحٌ فاسِدٌ، سواءٌ سمِّي فيه مهرٌ أم لا، وسواءٌ حصل التراضي أم لا). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (18/427).
(25) أخرجه أبو داود (2075) واللفظ له، وأحمد (16856). صحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (9/515)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (5/99)، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2075)، وصحَّح إسناده ابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (20/280).