الموسوعة الفقهية

المطلبُ الثَّاني: اشتِراطُ استِبراءِ الزَّانيةِ في النكاح


لا يجوزُ نِكاحُ الزَّانيةِ حتى تُستبرَأَ بحَيضةٍ، وهو روايةٌ عند أحمد [841]     ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (32/110)، ((الإنصاف)) للمرداوي (9/216، 217). ، واختيارُ ابنِ تيميَّةَ [842]     قال ابن تيميَّةَ: (مالِكٌ وأحمدُ يشترطان «الاستبراءَ»، وهو الصوابُ، لكِنْ مالكٌ وأحمد في رواية يشترطان الاستبراءَ بحيضةٍ، والروايةُ الأخرى عن أحمدَ هي التي عليها كثيرٌ من أصحابِه، كالقاضي أبي يعلى وأتباعه: أنَّه لا بدَّ مِن ثلاثِ حِيَضٍ، والصَّحيحُ أنَّه لا يجِبُ إلا الاستبراءُ فقط؛ فإنَّ هذه ليست زوجةً يجبُ عليها عِدَّةٌ، وليست أعظمَ مِن المُستبرأةِ التي يلحَقُ ولَدُها سيِّدَها، وتلك لا يجِبُ عليها إلا الاستبراءُ، فهذه أَولى). ((مجموع الفتاوى)) (32/110). ، وابنِ القيِّمِ [843]     قال ابن القيم: (الزِّنا لا يُثبِتُ حُرمةَ المصاهرةِ، كما لا يُثبِتُ التوارُثَ والنَّفَقةَ وحُقوقَ الزوجيَّةِ. ولا يَثبُتُ به النسَبُ ولا العِدَّةُ، على الصَّحيحِ. وإنما تُستبرأُ بحَيضةٍ؛ لِيُعلَمَ براءةُ رَحِمِها). ((إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان)) (1/366). ، وابنِ باز [844]     قال ابن باز: (أما إن كانت على القَولِ الثاني بأنَّها تُستبرأُ بحيضةٍ، فإنه يكفي حيضةٌ واحدةٌ، كالزانيةِ وكالمخلوعةِ، على الصحيحِ). ((فتاوى نور على الدرب)) (21/9). ، وابنِ عُثيمين [845]     قال ابن عثيمين: (أما إذا كانت المرأةُ الزانيةُ ليس لها زوجٌ، فلا بدَّ أن تُستبرَأَ بحيضةٍ، على القولِ الرَّاجحِ). ((الشرح الممتع)) (13/382). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائمةُ [846]     ورد سؤالٌ إلى اللجنةِ الدَّائمةِ، ونصُّه: إذا اعتدى إنسانٌ على فتاةٍ وأنجب منها، وبعد ذلك تزوَّجَها، هل يعتبَرُ هذا الزواجُ توبةً أم لا؟ فكانت الإجابةُ كالآتي: (مجرَّدُ زواجِه بها لا يعتبرُ توبةً، وإنما التوبةُ بالرجوعِ إلى الله، والنَّدمِ على ما حصل من الزنا، والعزمِ على عدم العودِ إلى الزنا لو أتيحَت الفرصةُ، فإذا تابا هذه التوبةَ ثمَّ تزوَّجَها بعد استبرائِها بحَيضةٍ أو ولادتِها إذا كانت حامِلًا، وكان ذلك عن طريقِ وليِّها الشرعيِّ مع المَهرِ ورضاها - صَحَّ العقدُ، وصارت زوجةً له). ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (24/345).
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من السُّنَّةِ
قَولُه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تُوطَأُ حامِلٌ حتى تضَعَ، ولا غيرُ ذاتِ حَملٍ حتى تحيضَ حَيضةً )) [847]     أخرجه أبو داود (2157) واللفظ له، وأحمد (11596) من حديث أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضيَ الله عنه. حسَّنه ابنُ عبد البرِّ في ((التمهيد)) (3/143)، وصحَّحه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (3/61)، وحسَّن إسناده محمد بن عبد الهادي في ((تنقيح تحقيق التعليق)) (1/243)، وابنُ حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/275)، والشوكاني في ((نيل الأوطار)) (7/108)، وصحَّح الحديثَ الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2157). والحديثُ روِيَ من طُرُقٍ أخرى عن ابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
وَجهُ الدَّلالةِ:
نصَّ الحديثُ على مَنعِ وَطءِ المَسبِيَّةِ حتى تُستبرَأَ بحَيضةٍ، والعِلَّةُ فيه أنهنَّ موطوءاتٌ، فأرحامُهنَّ مَشحونةٌ بالماءِ الفاسِدِ، فلا يحِلُّ لرجُلٍ أن يضَعَ ماءَه الحلالَ الصَّحيحَ على ماءٍ حَرامٍ فاسِدٍ، وتقاسُ عليه الزَّانيةُ؛ لِنَفسِ العِلَّةِ [848]     ((عارضة الأحوذي)) لابن العربي (5/33).
ثانيًا: لأنَّه إذا لم يَصِحَّ نِكاحُ الحامِلِ فغَيرُها أولى؛ لأنَّ وطءَ الحامِلِ لا يُفضي إلى اشتباهِ النَّسَبِ، وغيرُها يحتَمِلُ أن يكونَ وَلَدُها من الأوَّلِ، ويحتَمِلُ أن يكونَ مِن الثَّاني، فيُفضي إلى اشتباهِ الأنسابِ؛ فكان بالتَّحريمِ أَولى [849]     ((المغني)) لابن قدامة (7/141).

انظر أيضا: