الموسوعة الفقهية

المطلب الأول: حُكمُ إزالةِ شَعرِ الحواجِبِ (النَّمْص)


تَحرُمُ إزالةُ شَعرِ الحواجِبِ؛ نَصَّ عليه الشَّافعيَّة [562] والنَّمْص عندهم: الأخذُ مِن شعرِ الوجهِ والحاجبِ، واستثنَوا مِن ذلك ما إذا أذِن لها الزَّوجُ. يُنظر: ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (2/182)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/191)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (2/25). ، والحَنابِلة [563] وقيَّدوا النَّمْص بالنَّتفِ، وجعلوه لجميعِ الوجِه لا الحاجبينِ فقط. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/81)، ويُنظر أيضًا: ((المُغْني)) لابن قدامة (1/70). ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ [564] وقيَّد النَّمْص بالنَّتفِ، وجَعَلَه لجميعِ الوجهِ لا الحاجبينِ فقط. قال ابن حزم: (النَّمْص هو نتفُ الشَّعرِ مِن الوجهِ، فكُلُّ مَن فعَلَت ذلك في نَفسِها، أو في غيرِها، فمَلعوناتٌ مِن الله عزَّ وجَلَّ). ((المحلى)) (2/398). ، واختاره ابنُ باز [565] قال ابنُ باز: (لا يجوزُ أخذُ شَعرِ الحاجِبَينِ، ولا التَّخفيفُ منهما؛ لِما ثبَتَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه لعَنَ النَّامِصةَ والمتنَمِّصةَ، وقد بيَّنَ أهلُ العِلمِ أنَّ أخْذَ شَعرِ الحاجِبَينِ مِن النَّمصِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/51). ، وابنُ عُثيمين [566] قال ابن عثيمين: ( إزالةُ الشَّعرِ مِن الحاجبينِ إن كان بالنَّتفِ فإنَّه هو النَّمْصُ، وقد لعن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم النَّامِصةَ والمتنَمِّصةَ، وهو من كبائرِ الذنوب، وخَصَّ المرأةَ؛ لأنَّها هي التي تفعَلُه غالبًا للتجَمُّلِ، وإلَّا فلو صنعه رجلٌ لكان ملعونًا كما تُلعَنُ المرأةُ، والعياذ بالله. وإن كان بغيرِ النَّتفِ، بالقَصِّ أو بالحَلقِ، فإنَّ بعضَ أهلِ العِلمِ يَرَونَ أنَّه كالنَّتفِ؛ لأنَّه تغيير لخلقِ الله، فلا فَرْقَ بين أن يكون نتفًا أو يكون قَصًّا أو حَلقًا، وهذا أحوطُ بلا ريبٍ، فعلى المرءِ أن يتجنَّبَ ذلك سواء كان رجلًا أو امرأةً). ((فتاوى علماء البلد الحرام)) (ص 1142). ، وبه أفتت اللَّجنةُ الدَّائِمةُ [567] جاء في فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة: (لا يجوزُ حَلقُ الحواجِبِ ولا تخفيفُها؛ لأنَّ ذلك هو النَّمصُ الذي لعن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن فعَلَتْه أو طلَبَت فِعْلَه). ((فتاوى اللَّجْنة الدَّائِمة- المجموعة الأولى)) (5/196).
الأدِلَّة:
أولًا: مِن الكِتاب
قَولُه تعالى، حكايةً عن إبليسَ لعنَه اللهُ: وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء: 119]
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ هذا يتناوَلُ تغييرَ الخِلقةِ الظَّاهرةِ بالوَشمِ [568] الوشم: غرزُ الجلدِ بالإبَرِ ثمَّ حشوه بالكُحلِ. يُنظر: ((إرشاد الساري)) للقسطلاني (4/115). ، والوَشرِ [569] الوَشْرُ: تَحديدُ الأسْنانِ وتَرْقيقُها. يُنظر: ((مختار الصحاح)) للرازي (ص: 339). ، والنَّمصِ، والتفلُّجِ للحُسنِ، ونحوِ ذلك ممَّا أغواهم به الشَّيطانُ، فغَيَّروا خِلقةَ الرَّحمنِ [570] ((تفسير السعدي)) (203).
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عبدِ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: ((لعن اللهُ الواشِماتِ والمُوتَشِماتِ، والمتنَمِّصاتِ، والمتفَلِّجاتِ للحُسنِ المغَيِّراتِ خَلْقَ اللهِ، فبلغ ذلك امرأةً مِن بني أسَدٍ يُقالُ لها أمُّ يعقوبَ، فجاءت فقالت: إنَّه بلغني عنك أنَّك لعَنْتَ كيتَ وكيتَ، فقال: وما لي لا ألعَنُ مَن لعنَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ومَن هو في كتابِ اللهِ، فقالت: لقَد قرأتُ ما بين اللَّوحَينِ، فما وجَدْتُ فيه ما تقولُ، قال: لئِنْ كُنتِ قرأتِيه لقد وجَدْتِيه، أمَا قرأتِ: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا؟ قالت: بلى، قال: فإنَّه قد نهى عنه، قالت: فإنِّي أرى أهلَك يَفعَلونَه، قال: فاذهَبي فانظُري، فذهَبَت فنَظَرت، فلم تَرَ مِن حاجَتِها شيئًا، فقال: لو كانت كذلكِ ما جامَعْتُها )) [571] أخرَجَه البُخاريُّ (4886) واللَّفظُ له، ومُسْلِم (2125).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنه قال: ((لعن اللهُ المتنَمِّصاتِ)) ودَلالةُ اللَّعنِ على التَّحريمِ مِن أقوى الدَّلالاتِ [572] ((فتح الباري)) لابن حَجَر (10/377).
فرعٌ: تَشقيرُ الحَواجِبِ
يُباحُ تَشقيرُ الحاجِبَينِ [573] تشقيرُ الحاجبينِ: هو صَبغُ الحاجِبَينِ بلونٍ يُشبهُ لونَ الجِلدِ؛ كي يختفيَ حَجمُه الحقيقيُّ، ثم يُرسَمُ مَكانَه بالقَلمِ حاجِبٌ رقيقٌ دقيقٌ؛ طلبًا لزيادةِ التجَمُّل، كما يمكِنُ أن يتِمَّ التَّشقيرُ بصبغِ الجزء العلويِّ والسفليِّ فقط من الحاجِبَينِ بلونِ الجِلدِ؛ كي يبدوَ شَعرُ الحاجبينِ غيرُ المصبوغِ في الوسَطِ رقيقًا أيضًا. يُنظر: (فتوى لجنة الإفتاء بالأردن) (رقم 688). للنِّساءِ، وهو قولُ ابنِ باز [574] سُئِل ابنُ باز عن تشقيرِ الحاجبينِ، فأجاب: (لا حرجَ فيه). ((مسائل الإمام ابن باز)) (219). ، وابنِ عُثَيمين [575] سُئِلَ ابنُ عثيمين: يوجَدُ بعضُ الأصباغِ والألوانِ تُوضَعُ على الحاجِبَينِ حتى تبدوَ رقيقةً، وتبقَى هذه مدَّة شَهرٍ تقريبًا، فهل هذا في حُكمِ النَّمصِ؟ فأجاب: (تلوينُ الشَّعرِ بغيرِ السَّوادِ لِمَن ابيَضَّ شَعرُه لا بأسَ به، هذا هو الأصلُ؛ لأنَّ الأصلَ في غير العباداتِ الحِلُّ، وليس هذا من النَّمصِ، لكِنَّه من ترقيقِ الشَّعرِ. كما أنَّ بعضَ النَّاسِ يختار أن يكونَ شَعرُه جَعدًا، ويَطليه بما يقَوِّي الشَّعر. السائل: الحاجبانِ يا شيخ، يرقِّقُهما باستخدامِ بعض الألوانِ عليها حتى تبدوَ رقيقةً، ولا يقصُّ شعر الحاجِبَين؛ ولكن يَضعُها عليه ويلوِّن البشَرة! الشيخ: ليس فيه بأسٌ، لكن المسألة: هل هذا جائِزٌ في حقِّ الرِّجالِ أم لا؟ الرجلُ لا ينبغي له أن يتجَمَّلَ بما تتجَمَّلُ به المرأة، أمَّا المرأةُ فلا بأس). ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 131). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ في الزِّينةِ الإباحةُ إلَّا ما دلَّ الدَّليلُ على تَحريمِه، ولا دليلَ على التَّحريمِ، وليس التَّشقيرُ مِن النَّمصِ [576] يُنظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (12/290)، (11/133)، ((لقاء الباب المفتوح)) (اللقاء رقم: 131).

انظر أيضا: