الموسوعة الفقهية

المبحث الثَّاني: ما يباحُ في الوضوء


المطلب الأوَّل: الكلامُ في الوضوءِ
لا يَحرُمُ الكلامُ أثناءَ الوُضوءِ قال ابن عثيمين: (الكلام في أثناءِ الوُضوءِ ليس بمكروهٍ، لكن في الحقيقة أنَّه يَشغَلُ المتوضِّئ؛ لأنَّ المتوضِّئَ ينبغي له عند غَسلِ وَجهِه أن يستحضِرَ أنَّه يمتثِلُ أمرَ الله، وعند غسْلِ يديه، ومسْحِ رأسه، وغَسلِ رِجليه، يستحضِرُ هذه النيَّة، فإذا كلَّمه أحدٌ وتكلَّمَ معه، انقطع هذا الاستحضارُ، وربما يشوِّشُ عليه أيضًا، وربما يَحدُث له الوسَواسُ بِسبَبِه، فالأَوْلى ألَّا يتكلَّم حتى ينتهيَ من الوضوء، لكنْ لو تكلَّم فلا شيءَ عليه) ((الموقع الرسمي لابن عثيمين- فتاوى نور على الدرب)). ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربعة: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/6، 7). ، والمالكية المالكيَّةُ جعلوا الإكثارَ منه، من مكروهاتِ الوضوء. يُنظر: ((الشرح الكبير)) للدردير (1/104) ، والشَّافعيَّة قال النوويُّ: (نقل القاضي عياضٌ في شرح صحيح مسلم أنَّ العلماءَ كرِهوا الكلامَ في الوضوء والغُسل، وهذا الذي نقله من الكراهةِ محمولٌ على ترْكِ الأَوْلى، وإلَّا فلم يثبُتْ فيه نهيٌ؛ فلا يُسمَّى مكروهًا إلَّا بمعنى ترْك الأَوْلى). ((المجموع)) (1/466). ، والحنابلة ((الإنصاف)) للمرداوي (1/107)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/103).
الأدلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن أمِّ هانئ بنت أبي طالب أنَّها قالت: ((ذهبتُ إلى رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عامَ الفتح، فوجدتُه يغتسِلُ، وفاطمةُ ابنَتُه تستُرُه، قالت: فسلَّمتُ عليه، فقال: مَن هذه؟ فقلت: أنا أمُّ هانئ بنتُ أبي طالب، فقال: مرحبًا بأمِّ هانئٍ. فلمَّا فرَغ من غُسلِه، قام فصلَّى ثمانيَ رَكعات، مُلتحفًا في ثوبٍ واحدٍ )) رواه البخاري (357)، ومسلم (336).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تكلَّم في أثناء الغُسلِ؛ فمِن باب أوْلى التحدُّثُ أثناءَ الوُضوءِ.
ثانيًا: أنَّه لا يُوجَدُ نهيٌ من الشَّارِع عن الكلامِ أثناءَ الوُضوءِ، والأصلُ في الأفعالِ الإباحةُ.
المطلب الثَّاني: الاستعانةُ بِغَيرِه في الوُضوء
يُباحُ للمتوضِّئِ الاستعانةُ بِغَيرِه في الوضوء؛ وهو مذهَبُ الحنابلة ((الفروع)) لابن مفلح (1/190)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/145). ، وقولٌ للحنفيَّة ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 53)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/126). ، ووجهٌ للشَّافعيَّة ((روضة الطالبين)) للنووي (1/62)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (1/134). ، واختاره ابنُ باز قال ابن باز: (ويجوز الإعانةُ في الوضوء) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (30/179). ، وابنُ عثيمين قال ابن عثيمين: (قوله: "وتُباحُ مَعونَتُه" أي: معونةُ المتوضِّئ، كتقريبِ الماء إليه، وصبِّه عليه، وهو يتوضَّأ، وهذه الإباحةُ لا تحتاج إلى دليلٍ؛ لأنَّها هي الأصلُ). ((الشرح الممتع)) (1/220-221).
الأدلَّة مِن السُّنَّةِ:
1- عن المُغيرةِ بن شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ، فقال: يا مغيرةُ، خُذِ الإداوةَ، فأخذتُها، فانطلقَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى توارى عنِّي، فقضى حاجتَه، وعليه جُبَّةٌ شأميَّة، فذهب ليُخرِجَ يدَه من كمِّها فضاقتْ، فأخرج يدَه مِن أسفَلِها، فصببتُ عليه، فتوضَّأ وضوءَه للصَّلاةِ، ومسَح على خفَّيه، ثمَّ صلَّى )) رواه البخاري (363) واللفظ له، ومسلم (274).
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَ المغيرة رَضِيَ اللهُ عنه: ((فصببتُ عليه)) يدلُّ على إباحةِ الاستعانةِ بالغَيرِ في الوَضوءِ.
2- عن أُسامةَ بن زيد رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا أفاض من عَرَفة عدَل إلى الشِّعب، فقضَى حاجَتَه. قال أسامة بن زيد: فجعلتُ أصبُّ عليه ويتوضَّأ، فقلتُ: يا رسولَ الله، أتُصلِّي؟ فقال: المُصلَّى أمامَك )) رواه البخاري (181) واللفظ له، ومسلم (1280).
وجه الدَّلالة:
 أنَّ قولَ أسامةَ بنِ زيد رَضِيَ اللهُ عنه: ((فجعلتُ أصبُّ عليه ويتوضَّأ)) يدلُّ على إباحةِ الاستعانةِ بالغَيرِ في الوضوء.
المطلب الثَّالث: التَّنشيفُ
يُباحُ تنشيفُ الأعضاءِ مِن بَلَلِ ماءِ الوُضوء، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/7)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (1/54). ، والمالكيَّة ((منح الجليل)) لعليش (1/96)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/140)، ((الذخيرة)) للقرافي (1/289). ، والشَّافعيَّة في الأصحِّ ((المجموع)) للنووي (1/461)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/61). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/106)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (1/146). ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ عَدمُ المنعِ، والأصلُ فيما عدا العباداتِ مِن العقودِ والأفعالِ والأعيانِ، الحِلُّ والإباحةُ، حتى يقومَ دليلٌ على المَنعِ قال ابن عثيمين: (تنشيفُ الأعضاءِ لا بأسَ به؛ لأنَّ الأصلَ عَدَمُ المَنعِ، والأصلُ فيما عدا العباداتِ مِن العقود والأفعال والأعيانِ، الحِلُّ والإباحة، حتى يقومَ دليلٌ على المنع. فإنْ قال قائل: كيف تُجيبُ عن حديثِ ميمونةَ رَضِيَ اللهُ عنها، حينما ذكَرَت أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اغتسل، قالت: فأتيتُه بالمِنديل فردَّه، فالجوابُ: أنَّ هذا الفِعلَ من النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قضيَّةُ عَينٍ تحتمِل عدَّةَ أمور: إمَّا لأنَّه لسبَبٍ في المنديل، أو لعَدَمِ نظافته، أو يُخشى أن يَبُلَّه بالماءِ، وبَلَلُه بالماء غير مناسب، فهناك احتمالات، ولكن إتيانُها بالمنديلِ قد يكون دليلًا على أنَّ مِن عادَتِه أن ينشِّفَ أعضاءَه، وإلَّا لَمَا أتتْ به). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (11/153).

انظر أيضا: