الموسوعة الفقهية

الفصل الخامس: ما يُشتَرَط في النَّائِبِ


مبحث: أن يكون النَّائِبُ قد حجَّ عن نَفْسِه حجَّ الفريضةِ
يُشتَرَط في النَّائِبِ ينبغي لمن أراد أن يُنيبَ في الحج أن يتحرَّى في مَن يَستَنِيبُه: أن يكونَ مِن أهلِ الدِّينِ والأمانةِ؛ حتى يطمَئِنَّ إلى قيامِه بالواجِبِ. يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/53). أن يكون قد حَجَّ حَجَّةَ الإسلامِ عن نفسه أوَّلًا، وإلَّا كانت الحجَّةُ عن نفسِه، ولم تُجْزِئْ عن الأصيلِ، وهذا مذهَبُ الشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (7/117)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/20، 21). ، والحَنابِلَة ((المبدع شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/43)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/520). ، وهو قولُ طائفةٍ مِنَ السَّلَفِ منهم ابن عباس والأوزاعي وإسحاق بن راهويه. ((الحاوي الكبير)) للماوردي (4/21)، ((المجموع)) للنووي (7/118). ، واختارَه الشنقيطيُّ قال الشنقيطي:(فتحصَّلَ من هذا كله: أن الحديثَ صالح للاحتجاجِ، وفيه دليلٌ على أنَّ النائِبَ في الحجِّ لا بدَّ أن يكون قد حجَّ عن نفسه). وقال أيضًا: (الأظهرُ تقديمُ الحديثِ الخاصِّ الذي فيه قصَّةُ شُبْرُمةَ; لأنَّه لا يتعارض عامٌّ وخاص، فلا يحجُّ أحدٌ عن أحدٍ حتى يحجَّ عن نفسِه حجَّةَ الإسلامِ، والعِلمُ عند الله تعالى) ((أضواء البيان)) (4/329). ، وبه صدرت فتوى اللَّجنةِ الدَّائمةِ ((فتاوى اللجنة الدائمة- المجموعة الأولى)) (11/50).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّة
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَمِعَ رجلًا يقول: لبَّيْكَ عن شُبْرُمةَ. قال: مَن شُبْرُمةُ؟ قال: أخٌ لي، أو قريبٌ لي. قال: حجَجْتَ عن نفسِك؟ قال: لا. قال: حُجَّ عن نَفسِك، ثم حُجَّ عن شُبْرُمةَ))، وفي بعض ألفاظِ الحديثِ: ((هذه عنك، ثم حُجَّ عن شُبْرُمةَ)) رواه أبو داود (1811)، وابن ماجه (2903)، والبيهقي (8936). صححه الدارقطني في ((السنن)) (2/517)، وصحح إسناده البيهقي وقال: ليس في هذا الباب أصح منه، والجورقاني في ((الأباطيل والمناكير)) (2/138)، وقال النووي في ((المجموع)) (7/117)، وابن الملقن في ((خلاصة البدر المنير)) (1/345): إسناده على شرط مسلم، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/307): الصحيح أنه موقوف على ابن عباس كما رواه الحفاظ، وصحَّحه ابن حجر في ((الإصابة)) (2/136).
ثانيًا: أنَّ النَّظَر يقتضي أن يُقَدِّمَ الإنسانُ نَفسَه على غيرِه؛ لعمومِ قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ابدأْ بنَفسِك)) رواه مسلم (997). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. ، ونفسُك أحقُّ مِن غَيرِك ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (7/32).
مسألة: نيابةُ المرأةِ في الحَجِّ
تجوز النيابة في الحج سواء كان النائب رجلًا أو امرأة، وذلك باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفية ((الفتاوى الهندية)) (1/ 257)، ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/213)، ((النتف في الفتاوى)) للسغدي (1/215). مذهب الحنفية أنه يكره أن تحج المرأة عن الرجل. ، والمالكية ((مواهب الجليل)) للحطاب (4/8). ويُنظر: ((المدونة)) لسحنون (1/486). ، والشافعية ((الأم)) للشافعي (2/135) ويُنظر: ((البيان)) للعمراني (4/52). ، والحنابلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/397)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قُدامة (3/226). ، وهو قول عامة أهل العلم قال ابن قُدامة: (يجوز أن ينوب الرجل عن الرجل والمرأة، والمرأة عن الرجل والمرأة، في الحج، في قول عامة أهل العلم. لا نعلم فيه مخالفًا، إلا الحسن بن صالح، فإنه كره حج المرأة عن الرجل. قال ابن المنذر: هذه غفلة عن ظاهر السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة أن تحج عن أبيها، وعليه؛ يعتمد من أجاز حج المرء عن غيره وفي الباب حديث أبي رزين، وأحاديث سواه) ((المغني)) (3/226). وقال ابن تيميَّة: (يجوز للمرأة أن تحج عن امرأة أخرى باتفاق العلماء، سواء كانت بنتها أو غير بنتها، وكذلك يجوز أن تحج المرأة عن الرجل عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء) ((مجموع الفتاوى)) (26/13). وقال الشنقيطي: (دلت الأحاديث المذكورة على جواز حج الرجل عن المرأة وعكسه، وعليه عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا الحسن بن صالح ابن حي، والأحاديث المذكورة حجة عليه) ((أضواء البيان)) (4/327). ، وحُكي الإجماع على ذلك قال ابن بطال: (ولا خلاف فى حج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل، إلا الحسن ابن صالح) (شرح صحيح البخاري)) (4/525). وقال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الحج الرجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل: يجزئ، وانفرد الحسن بن صالح: فكره ذلك) (الإجماع)) (ص: 60). وقال النووي: (اتفق العلماء على جواز حج المرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح فمنعه وكذا يمنعه من منع أصل الاستنابة مطلقا) ((شرح النووي على مسلم)) (9/98).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال ابن حزم: (هذه أخبارٌ متظاهرة متواترة مِن طُرُقٍ صِحاحٍ، عن خمسةٍ من الصحابة، رضي الله عنهم: الفضل, وعبد الله, وعبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، وابن الزبير, وأبو رزين العقيلي) ((المحلى)) (7/57). : ((أنَّه جاءَتْه امرأةٌ مِن خَثْعَم تَسْتَفتيه، قالت: يا رسولَ الله، إنَّ فريضةَ اللهِ على عباده في الحجِّ؛ أدركَتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أن يثبُتَ على الرَّاحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قال: نعم )) رواه البخاري (1513)، ومسلم (1334) واللفظ له.
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه أذِنَ للمرأةِ أن تحُجَّ عن أبيها، مع أنَّ إحرامَ الرَّجُلِ أكمَلُ مِن إحرامِ المرأةِ ((مجموع الفتاوى)) لابن تيميَّة (26/13).

انظر أيضا: