الموسوعة الفقهية

المبحث الأول: الخروجُ من المسجد


المطلب الأول: الخروجُ بجَميعِ البَدَنِ بغير عُذر
مَن خرَج من مُعتكَفِه في المسجِدِ لغيرِ حاجةٍ، ولا ضَرورةٍ، ولا بِرٍّ أُمِرَ به، أو نُدِب إليه- بطَل اعتكافُه.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((وإن كان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَيُدخِلُ عليَّ رأسَه وهو في المسجِدِ، فأُرَجِّلُه، وكان لا يدخُلُ البَيتَ إلَّا لحاجةٍ، إذا كان مُعتَكِفًا )) رواه البخاري (2029)، ومسلم (297).
 ثانيًا: من الإجماع
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ مَن خرج من معتكَفه في المسجد لغيرِ حاجة، ولا ضرورةٍ، ولا بِرٍّ أُمِر به، أو نُدب إليه- فإنَّ اعتكافَه قد بطَل). ((مراتب الإجماع)) (ص: 41)، ولم يتعقَّبه ابنُ تيمية في ((نقد مراتب الإجماع)).      وقيَّد أبو حنيفة الخروجَ بساعة من الزمن، وعند أبي يوسف ومحمد بن الحسن: يَفسُدُ إذا خرج أكثَرَ مِن نصف يوم، قال السرخسي: (فأمَّا إذا خرج ساعةً من المسجد، فعلى قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى يفسُدُ اعتكافُه، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، لا يفسُدُ ما لم يخرُجْ أكثرَ من نصفِ يَومٍ). ((المبسوط)) (3/215).
المطلب الثاني: الخروجُ بجميع البدَنِ بِعُذرٍ
الخروجُ لأمرٍ لا بدَّ منه حِسًّا-كقضاء الحاجة- أو شرعًا- كالوضوءِ من الحَدَثِ- جائِزٌ قال ابنُ تيمية: (إنَّ المُعتَكِفَ يخرُجُ من المسجِدِ لِما لا بدَّ منه: كقضاء الحاجة والأكل والشرب) ((مجموع الفتاوى)) (26/216). وقال الشوكاني: («قوله: إلا لحاجةِ الإنسان» فسَّرَها الزهري بالبولِ والغائِطِ، وقد وقع الإجماعُ على استثنائِهما، واختلفوا في غيرِهما من الحاجات كالأكل والشُّربِ، ويلحقُ بالبول والغائِطِ القَيءُ والفَصدُ والحِجامةُ لِمَن احتاج إلى ذلك) ((نيل الأوطار)) (4/266). وقال ابنُ عُثيمين: (الخروج لأمرٍ لا بدَّ منه طبعًا أو شرعًا- كقضاء حاجة البول والغائطِ، والوضوءِ الواجِبِ، والغُسلِ الواجب لجنابةٍ أو غيرها، والأكلِ والشُّربِ- فهذا جائزٌ إذا لم يُمكِنْ فِعلُه في المسجد، فإن أمكَنَ فِعلُه في المسجِدِ فلا، مثل أن يكونَ في المسجِدِ حمَّامٌ يُمكِنُه أن يقضِيَ حاجته فيه وأن يغتسِلَ فيه، أو يكونَ له من يأتيه بالأكلِ والشُّربِ، فلا يخرجْ حينئذٍ؛ لِعَدَمِ الحاجةِ إليه) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/342)
الدَّليل من الإجماعِ:
نقل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنذِر قال ابنُ المنذر: (وأجمعوا على أنَّ للمُعتَكِفِ أن يخرُجَ من مُعتَكَفِه للغائِطِ والبول) ((الإجماع)) (ص50) ، والماوَرْدي قال النووي: (.. وقد نقل ابن المنذر والماوردي وغيرهما إجماعَ المسلمين على هذا) ((المجموع)) (6/490). ، وابنُ قدامة قال ابنُ قدامة: (ولا خِلافَ في أنَّ له الخروجَ لِما لا بدَّ له منه) ((المغني)) (3/192). ، والنووي قال النووي: (.. وهي البول والغائط، وهذا لا خلاف فيه) ((المجموع)) (6/490).
المطلب الثالث: الخروجُ ببعضِ البَدَنِ
الخروجُ ببعضِ البَدَنِ مِن المسجِدِ، لا بأسَ به للمُعتَكِف، ولا يُفسِدُ الاعتكافَ قال ابنُ حزم: (وله إخراجُ رأسِه من المسجِدِ للتَّرجيلِ) ((المحلى)) (5/187). وقال ابنُ دقيق العيد: (إن المعتكِفَ إذا أخرج رأسَه من المسجد لم يفسُدْ اعتكافه، وقد يُقاسُ عليه غيرُه من الأعضاء إذا لم يُخرِجْ جَميعَ بَدَنِه من المسجِدِ) ((إحكام الأحكام)) (ص89). وقال ابنُ القيم: (وكان إذا اعتكف، دخل قُبَّتَه وَحدَه، وكان لا يدخُلُ بيتَه في حال اعتكافِه إلَّا لحاجة الإنسان، وكان يُخرِجُ رأسه من المسجِدِ إلى بيتِ عائشةَ، فتُرَجِّلُه، وتَغسِلُه وهو في المسجِدِ، وهى حائضٌ) ((زاد المعاد)) (2/89). وقال الصنعاني: (في الحديثِ دليلٌ على... أنَّ خروجَ بعضِ بَدَنِه لا يضُرُّ) ((سبل السلام)) (2/174). وقال ابنُ عُثيمين: (وأمَّا خُروجُه مِن المسجد، فإن كان ببعضِ بَدَنِه فلا بأسَ به) ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (20/341). ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/117)، وينظر: ((المبسوط)) للشيباني (2/287). ، والمالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/549)، ((حاشية الدسوقي)) (1/543). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/500)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/332). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/360)، وينظر: ((الشرح الكبير)) لشمس الدين ابن قدامة (3/141).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...يُخرِجُ رأسَه من المسجِدِ- وهو مُعتكِفٌ- فأغسِلُه، وأنا حائِضٌ )) رواه البخاري (2031) واللفظ له، ومسلم (297).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها: ((أنَّها كانت تُرَجِّلُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهي حائِضٌ، وهو معتكِفٌ في المسجِدِ، وهي في حُجْرَتِها، يناوِلُها رأسَه )) رواه البخاري (2046) واللفظ له، ومسلم (297).

انظر أيضا: