الموسوعة الفقهية

المبحث الرابع: أنواعُ صَوم ِالتطوُّعِ


المطلب الأول: صومُ التطوُّعِ المُطلَق
يُستحَبُّ صَومُ التطوُّعِ المُطلَق، ما عدا الأيامَ التي ثبت تَحريمُ صِيامِها.
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي سعيدٍ رَضِيَ الله تعالى عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((من صام يومًا في سبيلِ اللهِ، باعَدَ اللهُ تعالى وَجْهَه عن النَّارِ سَبعينَ خريفًا )) رواه البخاري (2840)، ومسلم (1153) واللفظ له.
المطلب الثاني: صَومُ التطوُّعِ المُقَيَّد
الفرع الأول: صومُ سِتَّةِ أيامٍ مِن شَوَّال
يُسَنُّ صَومُ سِتَّةِ أيامٍ من شوَّال بعد صومِ رَمضانَ، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّةِ ((المجموع)) للنووي (6/379)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/475). ، والحنابلةِ ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/337)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/176). ، وهو قَولُ بعضِ الحَنَفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/435)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/78). ، وداودَ ((المجموع)) للنووي (6/379). ، وقولُ كثيرٍ من أهلِ العِلمِ قال ابنُ قدامة: (وجملةُ ذلك أنَّ صَومَ سِتَّةِ أيام من شوَّال، مُستحَبٌّ عند كثيرٍ من أهل العلم، رُوِيَ ذلك عن كعبِ الأحبار, والشعبي, وميمون بن مهران) ((المغني)) (3/176).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي أيوبَ رَضِيَ الله تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((من صامَ رَمَضانَ، ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال، كان كصيامِ الدَّهرِ )) رواه مسلم (1164).
2- عن ثوبانَ رَضِيَ الله تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صيامُ شَهرِ رَمَضانَ بِعَشرةِ أشهُرٍ، وسِتَّةُ أيَّامٍ بَعْدهُنَّ بِشَهرينِ، فذلك تمامُ سَنَةٍ )) رواه أحمد (5/280) (22465)، والدارمي (2/34) (1755)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2873)، والبيهقي (4/293) (8216).  وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3851).
الفرع الثاني: الأيَّامُ الثَّمانيةُ الأُوَلُ مِن ذي الحِجَّة
يُستحَبُّ صَومُ الأيَّامِ الثَّمانِيَةِ الأُوَلِ مِن شهرِ ذي الحِجَّة، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/201). ، والمالكيَّة ((حاشية الدسوقي)) (1/515،516). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/386). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/338). ، وهو قول الظَّاهرية ((المحلى)) لابن حزم (7/19).
الدليل: مِن السُّنَّةِ:
حديث: ((ما العمَلُ في أيَّامِ العَشرِ أفضَلُ مِن العمَلِ في هذه)) قالوا: ولا الجهادُ؟ قال: ((ولا الجهادُ، إلا رجلٌ خرج يخاطِرُ بنَفسِه ومالِه فلم يرجِعْ بِشَيءٍ )) رواه البخاري (969)
وجه الدلالة:
اندراجُ الصَّومِ في العَمَلِ الصالحِ الذي يُستحَبُّ في هذه الأيَّامِ ((المحلى)) لابن حزم (4/440).
الفرع الثالث: صَومُ يومِ عَرَفةَ لغَيرِ الحاجِّ
يستحَبُّ لغَيرِ الحاجِّ صَومُ يومِ عَرَفةَ، وهو اليومُ التَّاسِعُ مِن ذي الحجَّةِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (2/375)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/79)، ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/350). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/312)، وينظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/91). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/380)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/446). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/88)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/177). ، وهو قَولُ الظَّاهرية ((المحلى)) لابن حزم (7/17).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبي قتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((صيامُ يومِ عرفةَ، أحتسِبُ على اللهِ أن يُكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبْلَه، والسَّنةَ التي بَعْدَه قال النووي: (قالوا: والمراد بها الصغائر) ((شرح النووي على مسلم)) (8/51). )) رواه مسلم (1162).
الفرع الرابع: صومُ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم
يُستحَبُّ صَومُ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((الفتاوى الهندية)) (1/201). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/319)، ((حاشية الدسوقي)) ( 1/516). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/386)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/449). ، والحَنابِلة ((الإنصاف)) للمرداوي (3/345)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/338).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن أبى هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه يرفَعُه، قال: ((سُئِلَ- أي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أيُّ الصَّلاةِ أفضَلُ بعد المكتوبةِ؟ وأيُّ الصِّيامِ أفضَلُ بعد شَهرِ رمضانَ؟ فقال: أفضَلُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ المكتوبةِ، الصَّلاةُ في جَوفِ اللَّيلِ. وأفضَلُ الصِّيامِ بعد شَهرِ رَمَضانَ، صِيامُ شَهرِ اللهِ المُحَرَّم )) رواه مسلم (1163).
الفرع الخامس: صَومُ يومِ عاشوراءَ
يُستحَبُّ صَومُ يومِ عاشُوراءَ، وهو اليومُ العاشِرُ مِن شَهرِ اللهِ المُحَرَّم.
الأدِلَّة:
أوَّلًا: منَ السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَدِمَ المدينةَ فوجَدَ اليهودَ صيامًا يومَ عاشُوراءَ، فقال لهم رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذا اليومُ الذي تصومُونَه؟ فقالوا: هذا يومٌ عظيمٌ أنجى اللهُ فيه موسى وقَومَه، وغَرَّقَ فِرعَونَ وقَومَه، فصامَه موسى شُكرًا؛ فنَحن نصومُه، فقال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فنَحنُ أحَقُّ وأَوْلى بمُوسى منكم، فصامَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأمَرَ بِصيامِه )) رواه البخاري (2004)، ومسلم (1130) واللفظ له.
2- عن أبي قَتادةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صيامُ يومِ عاشُوراءَ، أحتسِبُ على اللهِ أن يكَفِّرَ السَّنةَ التي قَبْلَه )) رواه مسلم (1162).
ثانيًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ رُشدٍ قال ابنُ رشد: (فأمَّا الأيام التي يقَع فيها الصَّومُ المندوبُ إليه... فإنَّها على ثلاثة أقسام: أيَّام مُرغَّبٌ فيها... ومن هذه ما هو... متَّفق عليه، أمَّا المرغَّبُ فيه المتَّفَق عليه: فصيامُ يوم عاشوراء). ((بداية المجتهد)) (2/70). ، والنوويُّ قال النوويُّ: (قال القاضي عياض: وكان بعضُ السَّلف يقول: كان صومُ عاشوراء فرْضًا، وهو باقٍ على فرضيَّته لم يُنسَخ، قال: وانقرض القائلون بهذا، وحصَل الإجماعُ على أنَّه ليس بفرضٍ، وإنَّما هو مستحَبٌّ، ورُوي عن ابن عمر كراهةُ قصْد صَومِه وتعيينِه بالصَّوم، والعلماءُ مُجمِعون على استحبابِه وتعيينِه؛ للأحاديث، وأمَّا قولُ ابن مسعود: كنَّا نصومُه، ثم تُرِك، فمعناه: أنَّه لم يبقَ كما كان من الوجوبِ، وتأكَّد النَّدبُ). ((شرح النووي على مسلم)) (8/5). وقال: (اتَّفق العلماء على أنَّ صوم يوم عاشوراء اليوم سُنَّة ليس بواجبٍ). ((شرح النووي على مسلم)) (8/4). وقال: (لا يجِبُ صَومُ عاشوراء ولا غيرِه سِوى رمضانَ، وهذا مُجمَع عليه). ((شرح النووي على مسلم)) (1/169). ، وابنُ حجر قال ابنُ حجر: (ونقَل عياض أنَّ بعض السَّلف كان يرى بقاءَ فرضيَّة عاشوراء، لكن انقرَض القائلون بذلك، ونقل ابن عبد البَرِّ الإجماعَ على أنَّه الآن ليس بفرْض، والإجماعُ على أنَّه مستحَبٌّ، وكان ابنُ عمر يَكرَه قصْدَه بالصومِ، ثمَّ انقرض القولُ بذلك). ((فتح الباري)) (4/246). ، والعينيُّ قال العينيُّ: (اتَّفق العلماءُ على أنَّ صوم يوم عاشوراء سُنَّة، وليس بواجب). ((عمدة القاري)) (11/118).
الفرع السادس: صومُ يومٍ قَبْلَ عاشوراءَ (تاسوعاءَ)
يُستحبُّ مع صيامِ عاشوراءَ صَوْمُ يومٍ قَبلَه، وهو اليومُ التَّاسِعُ مِن شَهرِ اللهِ المحرَّمِ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/375). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/317). ، والشَّافعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/380). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/89).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لئِن بقيتُ إلى قابلٍ، لأَصُومنَّ التَّاسِعَ )) رواه مسلم (1134).
الفرع السابع: صَومُ أكثَرِ شَهرِ شَعبانَ
يُسَنُّ صَومُ أكثَرِ شَهرِ شَعبانَ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (3/115)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال بن الهمام (2/350). ، والمالكيَّة ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/320)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/241 - 242). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/386)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/478). ، وطائفة من الحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (3/88)، ((الإنصاف)) للمرداوي (3/347).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1. عن عائشةَ رَضِيَ الله تعالى عنها قالت: ((ما رأيتُ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكثَرَ صيامًا منه في شَعبانَ )) رواه البخاري (1969)، ومسلم (782) بعد (1156).
2. عن أبي سَلَمةَ قال: ((سألتُ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها عن صيامِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالت: كان يصومُ حتى نقولَ قد صام، ويُفطِرُ حتى نقولَ قد أفطَرَ، ولم أرَهُ صائمًا من شَهرٍ قَطُّ أكثَرَ مِن صيامِه مِن شَعبانَ؛ كان يصومُ شَعبانَ كُلَّه، كان يصومُ شَعبانَ إلَّا قليلًا قال النووي: (وقول عائشة رَضِيَ اللهُ عنها: كان يصوم شعبانَ كُلَّه، كان يصومُه إلا قليلًا. الثاني تفسيرٌ للأوَّل، وبيانُ أنَّ قَولَها (كُلَّه) أي: غالِبَه). ((شرح النووي على مسلم)) (8/37). )) رواه البخاري (1969) بنحوه، ومسلم (1156).
الفرع الثامن: صومُ الإثنينِ والخميسِ
يُستحَبُّ صَومُ يَومَيِ الإثنينِ والخَميسِ مِن كلِّ أسبوعٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/376)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/79). ، والمالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/350)، ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/318). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/386)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/446). ، والحَنابِلة ((الفروع)) لابن مفلح (5/84)، ((كشاف القناع)) للبهوتي ( 2/337). ، وهو قول الظاهرية ((المحلى)) لابن حزم (7/17).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يصومُ يومَ الإثنينِ والخَميسِ، فسُئِلَ عن ذلك، فقال: إنَّ أعمالَ العِبادِ تُعرَضُ يومَ الإثنينِ والخَميسِ، وأُحِبُّ أن يُعرَضَ عملي وأنا صائِمٌ)) رواه أبو داود (2436)، وأحمد (5/200) (21792) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (2679) صححه ابن حجر في ((فتح الباري)) (4/278)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2436)، وحسن طريقه العيني في ((نخب الأفكار)) (8/453)
2- عن أبي قتادة رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سُئِلَ عن صَومِ الإثنينِ، فقال: فيه وُلِدْتُ، وفيه أنزِلَ عليَّ)) رواه مسلم (1162).
الفرع التاسع: صومُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ
يُستحَبُّ صِيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّة ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص 425)، وينظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/303). ، والمالكيَّة ((التاج والإكليل)) للمواق (2/414)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/517). ، والشَّافِعيَّة ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/447). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/337)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/180). ، وهو مذهبُ الظَّاهرية ((المحلى)) لابن حزم (7/17). ، وقولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ قال شمس الدين ابن قدامة: (صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ مُستحَبُّ لا نعلم فيه خلافًا) ((الشرح الكبير)) (3/94).
الأدِلَّة منَ السُّنَّة:
1- عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((أوصاني خليلي بثلاثٍ لا أدَعُهنَّ حتى أموتَ: صومِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شَهرٍ، وصلاةِ الضُّحى، ونومٍ على وِترٍ )) رواه البخاري (1178)، ومسلم (721).
2- عن مُعاذةَ العَدَويَّةِ أنَّها سألت عائشةَ زَوجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أكان رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصومُ مِن كُلِّ شَهرٍ ثلاثةَ أيَّامٍ؟ قالت: نعم. فقُلتُ لها: من أيِّ أيَّامِ الشَّهرِ كان يصومُ؟ قالت: لم يكُنْ يُبالي من أيِّ أيَّامِ الشَّهرِ يَصومُ )) رواه مسلم (1160).
3- عن مُعاويةَ بنِ قُرَّةَ عن أبيه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ: صِيامُ الدَّهرِ وإفطارُه )) رواه أحمد (3/436) (15632)، والدارمي (2/31) (1747) بلفظ: ((صيام البيض)) بدلًا من ((صيام ثلاثة أيام من كل شهر))، وابن حبان (8/413) (3653)، والطبراني (19/26) (53) بنحوه. صححه العيني في ((عمدة القاري)) (11/137)، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (1031)، والوادعي في ((الصحيح المسند)) (1079). وصحح إسناده المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/134)، وقال الهيثمي (3/199): رجال أحمد رجال الصحيح
الفرع العاشر: استحبابُ صِيامِ أيَّامِ البِيضِ
استحَبَّ الجُمهورُ: الحَنَفيَّة ((المبسوط)) للسرخسي (11/417)، وينظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/79). ، والشَّافِعيَّة ((المجموع)) للنووي (6/385)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/475). ، والحَنابِلة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/337)، وينظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/180). ، وجماعةٌ من المالكيَّة ((الكافي)) لابن عبد البر (1/129)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/414)، ((الشرح الكبير)) للدردير (1/517). أن يكون صيامُ ثلاثة أيامٍ مِن كلِّ شَهرٍ في الأيَّامِ البِيضِ وهي: الثَّالثَ عَشَرَ، والرابعَ عَشَرَ، والخامِسَ عَشَرَ، مِن كلِّ شهرٍ عربيٍّ؛ وسُمِّيتْ هذه الأيَّامُ بذلك؛ لأنَّها تبيَضُّ بطلوعِ القَمَرِ من أوَّلها لآخِرِها؛ لتكامُلِ ضَوءِ الهلالِ، وشِدَّةِ البياض فيها.انظر ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/447) و((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (28/93 ويصِحُّ أن يُقال (أيامُ البِيضِ) أو (الأيَّامُ البِيضُ). انظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/226).
الدَّليل منَ السُّنَّة:
عن ابن مِلحان القيسيِّ، عن أبيه قال: ((كانَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يأمرُنا أن نصومَ البِيضَ: ثَلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخَمسَ عَشرةَ، قالَ: وقالَ: هُنَّ كَهَيئةِ الدَّهرِ )) أخرجه أبو داود (2449) واللفظ له، والنسائي (2430)، وابن ماجه (1707)، وأحمد (5/28) (20335). صححه الألباني في ((صحيح أبي داود)) (2449) وقد بوَّب الإمام البخاريُّ في صحيحه، فقال في كتاب الصوم: بابُ صيامِ البِيضِ؛ ثلاثَ عشرةَ وأربَعَ عَشرةَ وخَمسَ عَشرةَ، ثم أورد فيه ما جاء عن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من استحبابِ صيامِ ثلاثة أيَّام من كلِّ شهرٍ. قال الشيخ عبد العزيز بن باز في (فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى) (10/404). (الأحاديثُ الصَّحيحةُ المستفيضة عن الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ليس فيه ذِكرُ البِيضِ، بل يصومُ متى شاء، كما في حديث عبد الله بن عمرو في «الصحيحين»، وأبي هريرة في «الصحيحين» أيضًا، وحديث أبي الدرداء في «مسلم»، وهي أصحُّ بكثيرٍ مِن حديثِ أبي ذرٍّ، فإذا صام ثلاثةَ أيَّامٍ من كلِّ شَهرٍ في العَشر الأُوَل، أو في العَشرِ الأوسط، أو في العشر الأخيرة، حصل له الأجرُ، وإذا وافق أيَّامَ البيضِ فذلك أفضَلُ؛ جمعًا بين الأحاديثِ كُلِّها).
الدليل من الآثار:
- عن موسى بن سلمةَ أنَّه سأل ابنَ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما عن صيامِ أيَّامِ البِيضِ، فقال له ابنُ عبَّاسٍ: ((كان عُمَرُ يَصومُهنَّ))  [1234] رواه الحارث بن أبي أسامة كما في ((بغية الباحث)) (83)، والطبري في ((تهذيب الآثار- مسند عمر)) (1210) وثق رجاله البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (1/395)
الفرع الحادي عشر: صومُ يَومٍ وإفطارُ يَومٍ
يُستحَبُّ صِيامُ يومٍ وإفطارُ يومٍ، وذلك في الجملةِ قلنا: في الجملة؛ لأنَّ هناك أيامًا قد نُهيَ عن صيامِها، كيومَيِ العِيدَينِ، وأيَّامِ التَّشريقِ، وغير ذلك ممَّا وقَع فيه الخلافُ بين أهلِ العِلمِ.
الأدِلَّة:
 أوَّلًا: مِن السُّنَّةِ
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أحَبُّ الصَّلاةِ إلى الله صلاةُ داودَ عليه السَّلامُ، وأحَبُّ الصِّيامِ إلى اللهِ صِيامُ داودَ: وكان ينامُ نِصفَ اللَّيلِ، ويقومُ ثُلُثَه، وينامُ سُدُسَه، ويصومُ يومًا ويُفطِرُ يَومًا )) رواه البخاري (1131)، ومسلم (1159).
وجه الدلالة:
الحديثُ يدُلُّ على أنَّ صَومَ يومٍ وإفطارَ يَومٍ، أحَبُّ إلى اللَّهِ تعالى مِن غَيرِه، وإن كان أكثَرَ منه، وما كان أحَبَّ إلى اللَّهِ جَلَّ جَلالُه؛ فهو أفضَلُ، والاشتغالُ به أَوْلى ((نيل الأوطار)) (3/72).
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: ((أُخبِرَ رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنِّي أقولُ: واللهِ لأصومَنَّ النَّهارَ، ولأقومَنَّ اللَّيلَ ما عِشْتُ، فقُلتُ له: قد قلْتُه بأبي أنت وأمي، قال: فإنَّك لا تستطيعُ ذلك، فصُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ، وصُمْ مِن الشَّهرِ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ فإنَّ الحَسَنةَ بعَشْرِ أمثالِها، وذلك مِثلُ صِيامِ الدَّهرِ. قلتُ: إنِّي أطيقُ أفضَلَ من ذلك. قال: فصُمْ يومًا وأفطِرْ يَومَينِ. قلتُ: إنِّي أُطيقُ أفضَلَ من ذلك. قال: فصُمْ يومًا وأفطِرْ يومًا؛ فذلك صيامُ داودَ عليه السَّلامُ، وهو أفضَلُ الصِّيامِ. فقُلتُ: إنِّي أُطيقُ أفضَلَ من ذلك. فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا أفضَلَ مِن ذلك )) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159).
ثانيًا: الإجماع:
نقلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (وأجمعوا أنَّ التطوُّعَ بِصيامِ يَومٍ وإفطارِ يومٍ، حسنٌ، إذا أفطَرَ يومَ الجُمُعةِ والأيَّامَ التي ذكَرْنا). ((مراتب الإجماع)) (ص: 41).  
الفرع الثاني عشر: التطوُّع بصومِ يومٍ واحدٍ
مَن صامَ يومًا واحدًا لله تعالى، أُجِرَ عليه، وذلك في الجُملة.
الدَّليل من الإجماعِ:
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (وأجمعوا أنَّ مَن تطوَّع بصيام يوم واحد، ولم يكن يومَ الشكِّ، ولا اليومَ الذي بعد النِّصفِ مِن شعبان، ولا يومَ جُمُعةٍ، ولا أيَّامَ التَّشريق الثلاثة بعدَ يومِ النَّحرِ؛ فإنَّه مأجورٌ، حاشا المرأةِ ذاتِ الزَّوج). ((مراتب الإجماع)) (ص 40 - 41)، ولم يتعقَّبه ابن تيميَّة في ((نقد مراتب الإجماع)).

انظر أيضا: