الموسوعة الفقهية

المبحث الأوَّل: نِصاب زكاة الزُّروع والثِّمار


المطلب الأوَّل: اشتراط النِّصاب لوجوب الزَّكاة في الزروع والثِّمار، وحُكم ما زاد على النِّصاب
الفرع الأوَّل: اشتراط النِّصاب لوجوب الزَّكاة في الزُّروع والثِّمار
يُشتَرَط لوجوبِ الزَّكاةِ في الزُروع والثِّمارِ أن تبلُغَ نِصابًا، ونِصابُها خمسةُ أوسُقٍ، ولا شيءَ فيما دونَها، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ((الشرح الكبير)) للدردير (1/447)، ويُنظر: (الفواكه الدواني)) للنفراوي (1/46). ، والشافعيَّة ((تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي)) لابن حجر الهيتمي (3/245)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/210). ، والحَنابِلَة ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/205، 206)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/7). ، وهو قولُ محمَّد وأبي يوسُفَ صاحِبَي أبي حنيفة ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (2/242)، ((تبيين الحقائق، للزيلعي مع حاشية الشلبي)) (1/292). ، واختاره ابنُ حَزمٍ قال ابنُ حزم: (لا زكاةَ في تمرٍ، ولا بُرٍّ، ولا شعير: حتى يبلُغَ ما يصيبه المرءُ الواحِدُ من الصِّنف الواحد منها خمسةَ أوسُقٍ؛ والوَسْق ستونَ صاعًا). ((المحلى)) (4/47) رقم (642). ، وبه قال أكثرُ أهلِ العِلمِ قال ابنُ قدامة: (لا تجب في شيءٍ من الزروع والثمار حتى تبلُغَ خَمسةَ أوسُقٍ. هذا قول أكثَرِ أهلِ العِلم؛ منهم ابن عمر، وجابر، وأبو أُمامة بن سهل، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والحسن، وعطاء، ومكحول، والحكَم، والنَّخَعي، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمَّد، وسائر أهل العِلم، لا نعلم أحدًا خالفهم، إلَّا مجاهدًا، وأبا حنيفة، ومن تابعه؛ قالوا: تجِبُ الزَّكاةُ في قليلِ ذلك وكثيره؛ لعمومِ قوله عليه السلام: ((فيما سَقَتِ السماءُ العُشر))، ولأنَّه لا يُعتبَرُ له حول، فلا يُعتبَرُ له نِصابٌ). ((المغني)) لابن قدامة (3/7). وقال الماورديُّ: (هذا مذهب الشافعيِّ، وبه قال من الصَّحابة: جابرٌ وابن عمر، ومن الفقهاء مالك، والليث بن سعد، والأوزاعيُّ، وأبو يوسف ومحمد، وأحمد بن حنبل). ((الحاوي الكبير)) (3/210).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دونَ خمسِ أواقٍ صَدقةٌ، وليس فيما دون خمسِ ذَودٍ صَدقةٌ، وليس فيما دون خَمسِ أوسُقٍ صَدقةٌ )) رواه البخاري (1405)، ومسلم (979)
وجه الدَّلالة:
أنَّ قولَه صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس فيما دون خمَسةِ أوسُقٍ صدقةٌ))، هذا خاصٌّ يجِبُ تقديمُه، وتخصيصُ عمومِ ما جاء في الأخبارِ، كما خصَّصنا قولَه: ((في سائِمةِ الإبِلِ الزَّكاة )) بقوله: ((ليس فيما دونَ خمس ذَودٍ صَدقةٌ)) وقولَه: ((في الرِّقَة رُبُعُ العُشرِ )) بقولِه: ((ليس فيما دونَ خمس ِأواقٍ صَدقةٌ)) ((المغني)) لابن قدامة (3/7).
ثانيًا: أنَّ الزُّروعَ والثِّمارَ جِنسُ مالٍ تَجِبُ فيه الزَّكاةُ، ويجِبُ صَرفُه في الأصنافِ الثَّمانِيَةِ، فوجَبَ أن يُعتبَرَ فيه النِّصابُ، وألَّا تَجِبَ الزَّكاةُ في يسيرِه كسائِرِ الأموالِ الزَّكويَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/211)، ((المغني)) لابن قدامة (3/7).
ثالثًا: أنَّ النِّصابَ اعتُبِرَ في الزَّكاةِ ليبلُغَ المالُ حدًّا يتَّسِعُ للمواساةِ، ولا يحصُلُ الغِنى بدون النِّصابِ ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/211)، ((المغني)) لابن قدامة (3/7).
الفرع الثاني: الزَّكاةُ فيما زاد على النِّصَابِ
تجِبُ الزَّكاة فيما زاد على النِّصابِ قلَّ أو كثُر.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ:  
نقل الإجماعَ على ذلك: الماوَرْديُّ قال الماوَرْدي: (قد ذكَرْنا أنْ لا زكاةَ فيما دون خمسةِ أوسُقٍ، فإذا بلغ خمسةَ أوسق ففيه الزَّكاة، وما زاد على ذلك ففيه بحسابِه وقِسطه، قليلًا كان الزائدُ أو كثيرًا، وهو إجماعٌ لا خلاف فيه) ((الحاوي الكبير)) (3/255). والنوويُّ قال النوويُّ: (تجب فيما زاد على النِّصابِ بحسابِه، بإجماعِ المسلمين، نَقل الإجماعَ فيه صاحبُ الحاوي وآخرون) ((المجموع)) (5/464).. وابنُ حَجَرٍ قال ابنُ حجر: (أجمعوا في الأوساقِ على أنَّه لا وَقَصَ فيها) ((فتح الباري)) (3/311).
المطلب الثاني: ضمُّ الأنواع من جنس واحد لإكمال النِّصاب
تُضَمُّ الأنواعُ التي مِن جِنسٍ واحدٍ؛ لإكمالِ النِّصابِ، في زكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ قال ابنُ حزم: (اتَّفقوا على أنَّ أصنافَ القَمحِ- كالصيني والسَّمرة ونحو ذلك- تُجمَع معًا، واتَّفقوا على أنَّ أصنافَ التَّمر تُجمَع معًا، واتَّفقوا على أصنافَ الشَّعير تُجمَع معًا). ((مراتب الإجماع)) (ص: 36، 37). ، وأبو الوليدِ الباجيُّ قال أبو الوليد الباجي: (إنَّ الحِنطةَ تُجمَع أنواعُها كلُّها كما تُجمَع أنواعُ التَّمرِ، فتُجمَع المحمولة وهي البيضاء إلى السَّمراء، فإذا بلغت النِّصابَ ففيها الزَّكاة، وهذا لا خلافَ فيه). ((المنتقى شرح الموطأ)) (2/167). ، وابنُ قُدامةَ قال ابنُ قدامة: (لا خلاف بينهم، في أنَّ أنواعَ الأجناسِ يُضمُّ بعضُها إلى بعضٍ في إكمالِ النِّصاب). ((المغني)) (3/32). وقال: (ولا خلاف فيما نعلَمُه في ضمِّ الحِنطة إلى العَلَس [نوعٌ من الحنطة يُدَّخَرُ في قِشره]؛ لأنَّه نوع منها). ((المغني)) (3/33).   ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/73، 74).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أوجَبَ الزَّكاةَ في الثَّمَرِ مطلقًا، ومعلومٌ أنَّ الثَّمَر يشمَلُ أنواعًا، ولم يأمُرْ بتمييزِ كلِّ نوعٍ عن الآخَرِ ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/73، 74).
المطلب الثالث: هل يَمنع الدَّين زكاةَ الزروع والثِّمار؟
لا يَمنَعُ الدَّينُ وجوبَ الزَّكاةِ في الزُّروعِ والثِّمارِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: الحنفيَّة ((حاشية ابن عابدين)) (2/261) ويُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (2/57). ، والمالكيَّة ((حاشية العدوي)) (1/486)، ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/203). ، والشافعيَّة ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/ 411)، ويُنظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/309)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (3/147). ، والظَّاهِريَّة قال ابنُ حزم: (وهو قول الشافعي وأبي سليمان وغيرهما). ((المحلى)) (4/219) رقم (695) ، وروايةٌ عن أحمدَ قال ابنُ قدامة: (ورُوي: أنه لا يَمنَعُ- أي: الدَّين- الزَّكاةَ فيها- أي: زكاةَ الأموالِ الظَّاهرة، وهي السَّائمة، والحبوب، والثمار) ((المغني)) (3/68).
الأدلَّة:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قول الله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]
وجه الدَّلالة:
أنَّ عمومَ النصِّ يدلُّ على وجوبِ الزَّكاةِ في المالِ، سواءٌ كان عليه دَينٌ أو لم يكُنْ ((المحلى)) (4/219) رقم (695).
ثانيًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان يبعَثُ العمَّالَ الذين يقبِضونَ الزَّكاةَ مِن أصحابِ المواشي، ومن أصحابِ الثِّمارِ، ولا يأمُرُهم بالاستفصالِ؛ هل عليهم دَينٌ أم لا؟ مع أنَّ الغالِبَ أنَّ أهلَ الثِّمارِ عليهم ديونٌ في عهدِ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لأنَّ مِن عادتهم أنَّهم يُسلِفون في الثِّمارِ السَّنة والسَّنتين، فيكون على صاحبِ البُستان دَينٌ سَلَف، ومع ذلك كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يخرِصُ عليهم ثمارَهم، ويُزَكُّونها ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30).
ثالثًا: إطلاقُ النُّصوصِ التي جاءت بالأمرِ بالزَّكاة، أمَّا إسقاطُ الدَّينِ مِنَ الزَّكاةِ، فلم يأتِ به قرآنٌ ولا سُنةٌ صحيحةٌ ولا سقيمةٌ، ولا إجماعٌ ((المحلى)) (4/220) رقم (695)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (3/132)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/30).
رابعًا: أنَّ الزَّكاةَ تتعلَّقُ بعَينِ المالِ المملوكِ والمُتَصرَّفِ فيه، لا بما في ذمَّةِ المزكِّي (( الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((المجموع)) للنووي (5/343)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36)، ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/32).
خامسًا: أنَّ الذمَّةَ تتَّسِعُ لوجوبِ الزَّكاة والدَّينِ معًا على فرْضِ تعلُّقِهما معًا بالذمَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310).
سادسًا: أنَّه مالكٌ لِما بِيَدِه، ويجوز تصرُّفُه فيه، فوجَبَ أن يلزَمَه إخراجُ زكاتِه ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/310)، ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (18/36).

انظر أيضا: