الموسوعة الفقهية

المبحث الثاني: إخراجُ زكاةِ عُروضِ التِّجارةِ


المطلب الأوَّل: المقدارُ الواجِبُ إخراجُه في زكاة عروض التِّجارةِ
مقدارُ الزكاة الواجِبُ إخراجُه في عروض التِّجارة، هو رُبعُ العُشرِ؛ باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ الحنفيَّة ، والمالكيَّة ، والشافعيَّة ، والحَنابِلَة ؛ وحُكي الإجماع على ذلك ، وذلك اعتبارًا بالنقد الذي قوِّمت به ولا يختلف النِّصابُ والمقدار الواجِب إخراجُه بين زكاةِ النُّقود وزكاةِ عُروضِ التِّجارةِ، وعلى ذلك استقرَّ إجماعُ الفُقَهاء المعتبَرينَ
المطلب الثاني: معادلةُ زكاةِ عروض التِّجارة
مقدارُ الزَّكاة يساوي (النقد + قيمة السِّلَع + الدُّيون المرجوَّة - ما عليه من الدُّيونِ) × 2.5 في المائة
أو يساوي (النقد + قيمة السِّلع + الدُّيون المرجوَّة- ما عليه من الديون) ÷ 40.
وأصل هذه المعادلة مأثورٌ عن السَّلَفِ:
1- عن ميمونَ بنِ مِهرانَ رحمه الله، قال: (إذا حلَّتْ عليك الزَّكاةَ؛ فانظر كلَّ مالٍ لك، ثم اطْرَحْ منه ما عليك من الدَّينِ، ثم زكِّ ما بَقِيَ)
وفي رواية: (إذا حلَّتْ عليك الزَّكاةُ؛ فانظر ما كان عندك مِن نقْدٍ أو عرَضٍ للبَيعِ، فقوِّمْه قيمةَ النَّقد، وما كان من دَينٍ في مَلاءةٍ فاحسِبْه، ثم اطرحْ منه ما كان عليك من دَينٍ، ثم زكِّ ما بَقِيَ)
2- عن الحسن البصريِّ رحمه الله قال: (إذا حضر الشَّهرُ الذي وَقَّتَ الرَّجُلُ أن يؤدِّيَ فيه زكاته، أدَّى عن كلِّ مالٍ له، وكلِّ ما ابتاعَ مِنَ التِّجارة، وكلِّ دَينٍ إلَّا ما كان ضِمارًا لا يرجوهـ)
3- عن إبراهيم النَّخَعيِّ رحمه الله قال: (يُقَوِّمُ الرَّجُلُ متاعَه إذا كان للتِّجارةِ، إذا حَلَّت فيه الزَّكاة، فيزكِّيه مع مالِهـ)
4- عن جابر بن زيد رحمه الله قال: (قوِّمْه بنحوٍ مِن ثَمَنِه يومَ حلَّت فيه الزَّكاة، ثم أخرجْ زكاتَهـ)
المطلب الثالث: حُكم إخراجِ زكاةِ عروضِ التِّجارة من العُروضِ نَفسِها
اختلف أهلُ العِلمِ في إخراجِ زكاة عروضِ التِّجارة مِنَ العُروضِ، على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأوّل: يجِبُ إخراجُ الزَّكاةِ نقدًا من قيمةِ العُروضِ، ولا يُجزِئُه إخراجُ الزَّكاةِ مِن أعيان عروض التِّجارةِ، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة ، والشافعيَّة ، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ النِّصَابَ مُعتبَرٌ بالقيمة، فكانت الزَّكاةُ مِنَ القيمة، كما أنَّ البقر لَمَّا كان نِصابُها مُعتبرًا بأعيانِها، وجبَتِ الزَّكاةُ من أعيانها، وكذا سائِرُ الأموال
ثانيًا: أنَّ القيمةُ هي متعلَّقُ هذه الزَّكاة، فلا يجوزُ الإخراجُ مِن عَينِ العَرْض
ثالثًا: أنَّ العَينَ في عروضِ التِّجارة غيرُ ثابتة، فالمعتبَرُ المُخرَج منه، وهو القيمةُ
رابعًا: أنَّ العروضَ ليست محلَّ الوُجوبِ، فكان الإخراجُ منها كالإخراجِ مِن غير الجِنسِ
خامسًا: أنَّ القيمةَ أحَبُّ لأهل الزَّكاة غالبًا، وقد لا يكونُ الفَقيرُ في حاجةٍ إلى عينِ السِّلعة فيبيعها بثَمَنٍ بَخسٍ، أو قد تكون السِّلعةُ لا يمكن تجزِئَتُها بإخراجِ قِسطِ الفَقيرِ مِن عَينِها، أو قد يكون هذا القِسطُ من عين السِّلعة لا يمكن تجزِئَتُه على أكثرَ مِن فقيرٍ، فالسُّهولةُ واليُسرُ والمصلحةُ تقتضي أن يكون الإخراجُ مِنَ القيمة لا من عينِ العُروضِ؛ فإنَّ هذا هو الأليقُ والأيسَرُ والموجِبُ للمصلحة
القول الثاني: يجوزُ إخراجُ الزَّكاةِ من أعيان عروضِ التِّجارة؛ للحاجَةِ أو المصلحةِ الرَّاجحة، وهذا قولٌ للحَنابِلَة ، واختاره ابنُ تيميَّة ، وبهذا صدر قرار نَدَوات قضايا الزَّكاة المعاصرة ؛ وذلك لأنَّ الأصلَ إخراجُ زكاةِ عُروض التِّجارة نقدًا، فإنْ كان في الإخراجِ مِن أعيانِ عُروضِ التِّجارةِ مصلحةٌ للفقير، أو كان على المالك عُسْرٌ في إخراج القيمةِ؛ جاز للمصلحةِ الرَّاجحةِ، ولكونه واسَى الفُقَراءَ فأعطاهم من جِنسِ مالِه

انظر أيضا:

  1. (1) ((البناية شرح الهداية)) للعيني (3/386)، ((الدر المختار)) للحصكفي و((حاشية ابن عابدين)) (2/299).
  2. (2) ((الكافي)) لابن عبدِ البَرِّ (1/298).
  3. (3) ((المجموع)) للنووي (6/68)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/399).
  4. (4) ((الفروع)) لابن مفلح (4/ 193)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/58).
  5. (5) قال الزركشي: (قدْرُ الواجبِ ربُعُ العُشرِ بلا نزاعٍ، والله أعلم). ((شرح الزركشي على مختصر الخرقي)) (2/514). وقال ابن حجر: (لا خلافَ في أنَّ قَدرَ الزَّكاةِ من التِّجارةِ رُبُع العُشرِ) ((تلخيص الحبير)) (2/766).
  6. (6) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/399)، ((قضايا الزكاة المعاصرة - الندوة السادسة)) (ص: 107).
  7. (7) ((قضايا الزكاة المعاصرة - الندوة الأولى)) (ص: 463).
  8. (8) ((أبحاث فقهيَّة في قضايا الزَّكاة المعاصرة – الأصول المحاسبيَّة للتقويم في الأموال الزكويَّة)) (1/37).
  9. (9) رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في ((الأموال)) (918)، وابن أبي شيبة بنحوه في ((المصنف)) (3/194).
  10. (10) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (891)، وابن أبي شيبة بنحوه في ((المصنف)) (3/162).
  11. (11) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (892).
  12. (12) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (893).
  13. (13) رواه أبو عُبيد القاسم بن سلَّام في ((الأموال)) (890).
  14. (14) ((الكافي)) لابن عبد البر (1/301)، وينظر: ((الذخيرة)) للقرافي (3/20)، ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/752).
  15. (15) ((روضة الطالبين)) للنووي (2/273)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/399).
  16. (16) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240)، ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (3/59).
  17. (17) ((المغني)) لابن قدامة (3/59)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (23/277).
  18. (18) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/399).
  19. (19) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/141).
  20. (20) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/240).
  21. (21) ((الشرح الممتع)) لابن عُثيمين (6/141)، ((قضايا الزَّكاة المعاصرة - الندوة الأولى)) (ص 466).
  22. (22) ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (25/80).
  23. (23) قال ابنُ تيميَّة: (يجوز في بعض الصُّور للحاجةِ أو المصلحة الراجحة... وهذا القول أعدلُ الأقوالِ، فإن كان آخذ الزَّكاة يُريد أن يشتريَ بها كسوةً فاشترى ربُّ المال له بها كسوةً وأعطاه فقد أحسَنَ إليه، وأمَّا إذا قوَّمَ هو الثياب التي عنده وأعطاها فقد يقوِّمُها بأكثَرَ مِنَ السِّعر، وقد يأخذ الثِّيابَ مَن لا يحتاج إليها، بل يبيعها فيغرَم أُجرة المنادي، وربما خَسِرَت فيكون في ذلك ضررٌ على الفقراء. والأصناف التي يتَّجِرُ فيها يجوز أن يُخرِجَ عنها جميعًا دراهِمَ بالقيمة، فإن لم يكن عنده دراهم فأعطى ثمنها بالقيمة، فالأظهر أنَّه يجوز؛ لأنَّه واسَى الفقراءَ فأعطاهم مِن جِنسِ مالِهـ). ((مجموع الفتاوى)) (25/80).
  24. (24) جاء في ((قضايا الزَّكاة المعاصرة – الندوة الأولى)): (الأصل إخراجُ زكاةِ عُروضِ التِّجارة نقدًا بعد تقويمِها وحسابِ المقدار الواجب فيها؛ لأنَّها أصلحُ للفقير؛ حيث يسدُّ بها حاجاتِه مهما تنوَّعت، ومع ذلك يجوز إخراجُ زكاة عروض التِّجارة من أعيانها، إذا كان ذلك يدفَعُ الحَرَجَ عن المزكِّي في حالةِ الكسادِ وضَعفِ السُّيولة لدى التاجر، ويحقِّق مصلحةَ الفقيرِ في أخذ الزَّكاة أعيانًا، يمكِنُه الانتفاع بها، وهذا ما اختارته الندوة في ضوء الاجتهادات الفقهيَّة وظروف الأحوال) (ص: 466).
  25. (25) ((مجموع الفتاوى)) (25/80)، ((أحكام وفتاوى الزَّكاة والصدقات والنذور والكفارات)) (ص: 37).