المطلب الثالث: مُضيُّ الحَوْلِ
الفرع الأوَّل: اشتراطُ مرورِ الحَوْلِ في وجوبِ الزَّكاةِيُشتَرَط حَوَلانُ الحَوْلِ
، في زكاةِ النَّقْدينِ، والأنعامِ، وعُرُوضِ التِّجارة.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الآثارِ 1- عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه قال: (ليس في المالِ زكاةٌ حتى يحولَ عليه الحَوْلُ
)
2- عنِ
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: (مَن استفادَ مالًا فلا زكاةَ فيه حتى يحولَ عليه الحَوْلُ عند ربِّه
)
ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقل الإجماعَ على اشتراطِ مرورِ الحَوْلِ في وجوبِ الزَّكاةِ: ابنُ المُنْذِر
، و
ابنُ حزمٍ
، و
ابنُ عَبدِ البَرِّ
، و
ابنُ رُشد
، و
ابنُ قُدامةَ
، ووُصِفَ القولُ بعدمِ اشتراطِه بالشُّذوذِ
مسألة: إذا ادَّعى أنَّه لم يَحُلْ عليه الحولُ صاحبُ المالِ مُصدَّقٌ إذا ادَّعى أنَّه لم يَحُلْ عليه الحولُ، أو أنَّه أدَّى الزَّكاةَ، إلَّا إذا كان متَّهمًا.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقلَ الإجماعَ على ذلك
ابنُ عبدِ البَرِّ
الفرع الثاني: إذا تعسَّر الحَوْلُ القَمَريُّ إذا تعسَّر مراعاةُ الحَوْلِ القَمريِّ- بسببِ ربْط ميزانيَّة الشَّرِكة أو المؤسَّسة بالسَّنةِ الشَّمسيَّة- فإنَّه يجوزُ مراعاةُ السَّنة الشمسيَّة، وتزدادُ النِّسبةُ المذكورةُ بنسبة عددِ الأيَّامِ التي تزيد بها السَّنةُ الشَّمسيَّة على القمريَّةِ، فتكون النِّسبةُ عندئذ (2.577 في المائة)، وبهذا صدرَ قرارُ نَدَوات قضايا الزَّكاةِ المعاصِرةِ
الفرع الثالث: المالُ المستفادُ أثناءَ الحَوْل المسألة الأولى: تعريفُ المالِ المُستفادِالمالُ المُستفادُ: هو المالُ الذي يدخُلُ في مِلكيَّة الشَّخصِ بعد أنْ لم يكنْ، سواءٌ كان من النَّقْدَين، أو من العَقارِ، أو من النَّعَمِ، أو غير ذلك، وهو يشمَلُ الدَّخلَ المنتظِمَ للإنسانِ مِن راتبٍ أو أجْرٍ، كما يشمَلُ المكافآتِ والأرباحَ العارضةَ، والهباتِ والإرثَ، ونحوَ ذلك
المسألة الثانية: حُكمُ زكاةِ المالِ المُستفادِأوَّلًا: إذا كان المالُ المُستفادُ نِصابًا أو بلغ ما معه بالمُستفادِ نِصابًا
إذا كان المالُ المُستفادُ نِصابًا ولا مال له سواه، أو كان له مالٌ مِن جِنْسِه لا يبلغُ نِصابًا فبَلَغَ بالمستفاد ِنِصابًا، فهذا ينعقِدُ عليه الحَوْلُ مِن هذا الوقتِ، فإذا تمَّ الحَوْلُ وَجَبَت الزَّكاةُ فيه
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
((ليس فيما دون خَمْسِ أواقٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ ذَودٍ صدقةٌ، وليس فيما دون خمْسِ أوسُقٍ صدقةٌ ))
وجه الدَّلالة:أنَّه قبل أن يستفيدَ المالَ لم يملِكْ نِصابًا، فلم تجِبْ عليه الزَّكاةُ، فإذا استفاد المالَ، وبلغ مالُه نِصابًا؛ فإنَّها تجِبُ عليه الزَّكاة حينئذٍ، ويبدأ انعقادُ حَولِه.
ثانيًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر
و
ابنُ رُشْدٍ
ثانيًا: أن يملِكَ نِصابًا مِن غيرِ المالِ المُستفادِ
فهذا المالُ المُستفادُ له ثلاثُ صُوَرٍ:
الصورةُ الأولى: أن يكونَ المالُ المستفادُ مِن نَماءِ المالِ الذي معه، كرِبْحِ التِّجارة، ونِتاجِ السَّائمةِ، فهذا يضمُّه إلى أصلِه، ويَعتَبِرُ حولَه حولَ الأصْلِ.
الأدلَّة:أوَّلًا: مِنَ الإجماعِنقَلَ الإجماعَ على ذلك: ابنُ المُنْذِر
و
البَغَويُّ
، و
الكاسانيُّ
، و
ابنُ قُدامةَ
، و
القرطبيُّ
، و
العينيُّ
ثانيًا: أنه تبَعٌ له مِن جِنسِه، فأشبَهَ النَّماءَ المتَّصِلَ
ثالثًا: أنَّه مِن نَماءِ النِّصابِ وفوائِدِه، فلم يتفرَّدَ بالحَوْل
رابعًا: أنَّ السَّائمةَ يختلفُ وقتُ وِلادَتِها، فإفرادُ كلٍّ بحولٍ يشقُّ، فجُعِلَت تبعًا لأُمَّاتِها
، كما تَبِعَتْها في المِلْك
خامسًا: أنَّ المستفادَ مِن ربحِ التِّجارة ممَّا يكثُرُ وجودُه؛ لكثرةِ أسبابِه، فيعسُرُ اعتبارُ الحَوْل لكلِّ مُستفادٍ.
سادسًا: أنَّ المسلمينَ مِن عَهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يأخذونَ زَكاةَ العُروضِ والسَّائمةِ دونَ السُّؤالِ عن وقتِ حُدوثِ المُستفادِ.
الصورة الثانية: أن يكون المالُ المُستفادُ مِن غيرِ جِنسِ مالِه
إذا كان المالُ المستفادُ مِن غيرِ جِنْسِ المالِ الذي عنده، كأنْ يكونَ مالُه إبلًا فيستفيد ذَهَبًا أو فضَّةً؛ فهذا النَّوعُ لا يُزكَّى عند حَوْلِ الأصلِ، بل ينعقِدُ حَولُه يومَ استفادَتِه إن كانَ نِصابًا، وهذا باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّة الأربَعةِ: الحنفيَّة
، والمالكيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وبه قال عامَّةُ أهلِ العِلم
، وحُكيَ فيه عدم الخلاف
وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّه قَولُ الخُلَفاءِ الرَّاشدينَ الأربعةِ:
أبي بكرٍ، وعُمَرَ، وعثمانَ، وعليٍّ- رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ
ثانيًا: أنَّ المالَ المستفادَ مُخالِفٌ لِمَا عِندَه من المال حقيقةً وحُكمًا، فكان لكلِّ مالٍ نِصابُه الخاصُّ به وحَوْلُه
الصورة الثالثة: أن يكون عنده نقودٌ بلَغَتِ النِّصابَ وحالَ عليها الحَوْلُ، واستفاد نقودًا أخرى بلغَتِ النِّصابَ أيضًا، بسببٍ مستقلٍّ، كهبةٍ أو مكافأةِ نهايةِ الخِدمةِ
؛ فهذا يزكِّي المالَ الأوَّلَ لحَوْلِه، ويزكِّي المالَ الثَّانيَ لحَوْلِه، وهذا مَذهَبُ الجُمهورِ: المالكيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:أوَّلًا: أنَّ الضمَّ في الحَوْلِ: إمَّا لأنَّه متولِّدٌ مِن مالِه، فيَتبَعُه في الحَوْلِ؛ لأنَّه مُلِك بمِلْكِ الأصلِ وتولَّد منه فيَتبَعُه؛ كالسِّخال المستولَدةِ في أثناء الحَوْلِ؛ وإمَّا لأنَّه متفرِّعٌ منه، كرِبْحِ مالِ التِّجارة. والمستفادُ بمِلْكٍ جديدٍ ليس مملوكًا بما مَلَكَ به ما عنده، ولا تفرَّعَ عنه؛ فلم يُضَمَّ إليه في الحَوْلِ
ثانيًا: سببُ الضمِّ في النِّصابِ أنَّ كِليهما دخَلَ في ذمَّةٍ واحدةٍ، فصار صاحِبُها بهما غنيًّا، والنِّصابُ يتبَعُ الغِنَى؛ لأنَّ مقصودَه أن يبلُغَ المالُ حدًّا يحتمِلُ المواساةَ، وهو بكثرةِ المال، بخلافِ الحَوْلِ؛ فإنَّ مقصودَه إرفاقُ المالِك
الفرع الخامس: التصرُّفُ في المالِ قَبل الحَول يجوزُ التَّصرُّفُ في المالِ كيفما شاءَ بيعًا أو هِبةً، أو غيرَ ذلك قَبل حلولِ الحَول، ما لم يكُن حيلةً لإسقاط الزَّكاة.
الدَّليلُ مِنَ الإجماعِ: نقَلَ الإجماعَ على ذلك ابنُ بطَّالٍ
، و
القُرطبيُّ
، و
العَينيُّ