المطلب الثاني: كيفيَّةُ الدَّفْنِ
الفرع الأوَّلُ: ما يُسَنُّ قولُه عند إدخالِ المَيِّتِ القَبرَيُستحَبُّ أن يقولَ الذي يُدْخِلُ المَيِّتَ القَبرَ حين يَضَعُه في قَبرِه: بِاسْمِ اللهِ، وعلى مِلَّةِ رَسولِ اللهِ، أو على سُنَّةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن
ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنهما، قال: كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أَدْخَلَ المَيِّتَ القَبرَ، قال:
((باسمِ الله، وعلى مِلَّةِ رسولِ اللهِ))
وفي لفظٍ: عن
ابنِ عُمَرَ:
((أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا وضَعَ المَيِّتَ في القَبرِ قال: باسمِ الله، وعلى سنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم))
وفي لفظٍ: عن
ابنِ عُمَرَ، أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((إذا وَضَعْتُم موتاكم في القُبورِ فقولوا: بِاسْمِ اللهِ، وعلى ملَّةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم))
الفرع الثاني: صفةُ وَضْعِ المَيِّت في القَبرِالمسألة الأولى: وضْعُ المَيِّتِ على شِقِّه الأيمنِيُستَحَبُّ أن يُجعَلَ المَيِّتُ في قَبرِه على جَنْبِه الأيمنِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ هذه سنَّةُ النائِمِ، وهو يُشْبِهُه
ثانيًا: اتِّباعًا للسَّلَف والخَلَف؛ فقد جرى عليه عملُ أهْلِ الإسلامِ منذ عهْدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
ثالثًا: قياسًا على المُصَلِّي مُضطجعًا
المسألة الثانية: أن يكون المَيِّتُ مُستقبِلَ القبلةِ يُشْرَع وَضْعُ المَيِّتِ في القَبرِ مُستقبِلَ القبلةِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:أولًا: تنزيلًا له مَنزلةَ المُصَلِّي
ثانيًا: لئلَّا يُتَوَهَّم أنَّه غيرُ مُسْلمٍ
ثالثًا: لأنَّ ذلك طريقةُ المُسلمينَ بنَقْلِ الخَلَفِ عَنِ السَّلَف
المسألة الثالثة: إدناءُ المَيِّت من حائِطِ القبرِ أو إسنادُه مِنَ الأمامِ يُستحَبُّ أن يُسْنَدَ المَيِّتُ مِن أمامِه، أو يُدْنَى من الحائِطِ؛ نصَّ عليه المالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
؛ وذلك لئلَّا ينكَبَّ على وَجْهِه
المسألة الرابعة: أن يُسْنَدَ مِن ورائِه يُستحَبُّ أن يُسند الميِّت من ورائه بتُرابٍ، أو لَبِنٍ ، أو غير ذلك، وهو مذهَبُ الجمهورِ: المالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وهو قَولُ بعض الحَنفيَّة
؛ وذلك حتى لا يَسْتَلقِيَ على قفاه
الفرع الثالث: حَلُّ عُقَدِ الكَفَن في القَبرتُحَلُّ عُقَدُ الكَفَنِ في القَبرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
وذلك للآتي:أوَّلًا: لأنَّ عَقْدَها كان للخَوْفِ من انتشارِها، وقد أُمِنَ ذلك بِدَفْنِه
ثانيًا: أنَّه كان معروفًا لدى السَّلَف
الفرع الرابع: حُكمُ الحَثَيَاتِ على القَبرِ بعد الدَّفْنِيُستَحَبُّ لِمَن حَضَرَ دَفْنَ الميِّتِ أن يَحْثُوَ في قَبرِه ثلاثَ حَثَيَاتٍ من قِبَل رأسِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة: أولًا: من السُّنَّةعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم على جِنازةٍ فكبَّر عليها أربعًا، ثمَّ أتى القَبرَ فحَثَى عليه مِن قِبَلِ رأسِه ثلاثًا))
ثانيًا: من الآثارعن عُمَير بنِ سعدٍ (أنَّ عَلِيًّا حَثَى على يزيدَ بنِ المكفف- قال: هو أو غيره- ثلاثًا)
ثالثًا: لِمَا في ذلك من المشاركَةِ في هذا الفَرْضِ
الفرع الخامس: دَفْنُ اثنينِ أو أكثَرَ في القبرالمسألة الأولى: حُكمُ دَفْنِ اثنينِ أو أكثَرَ في القبرلا يُشْرَع
أن يُدفَنَ رجلانِ ولا امرأتانِ في قبرٍ واحدٍ إلَّا لضرورةٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعن هشام بن عامرٍ، قال: شَكَوْنا إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يومَ أُحُدٍ، فقلنا: يا رسولَ اللهِ، الحفْرُ علينا لكلِّ إنسانٍ؛ شديدٌ! فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:
((احْفِروا وأَعْمِقوا وأَحْسِنوا، وادفِنوا الاثنينِ والثلاثةَ في قبرٍ واحدٍ ))
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أَذِنَ لهم في دَفْنِ أكثَرَ من واحدٍ في قَبرٍ لَمَّا شكا إليه الصَّحابةُ؛ فدَلَّ ذلك على أنَّ المستَقِرَّ عندهم هو أنَّ الميِّت يُفْرَدُ في قَبرِه
ثانيًا: لأنَّ دَفْنَ كلِّ ميِّتٍ في قبرٍ بِمُفْرَدِه جرى عليه العَمَلُ إلى يَوْمِنا هذا
ثالثًا: أنَّ السُّنَّةَ المنقولةَ بِنَقْلِ الكافَّةِ أن يُدفَنَ كلُّ واحدٍ في قبرٍ
رابعًا: لأنَّ في الجَمعِ إيذاءً للميِّتِ
المسألة الثانية: ترتيبُ الموتى إذا دُفِنوا جميعًا إذا دُفِنَ أكثرُ من واحدٍ في قبرٍ، يُقَدَّمُ إلى القبلةِ أفضَلُهم، وهو باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة عن
جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يجمعُ بينَ الرجلُينِ من قتلى أُحُدٍ في ثوبٍ واحدٍ، ثم يقولُ: أيُّهُم أكثرُ أخذًا للقُرآنِ؟ فإذا أُشيرَ لهُ إلى أحدهِما قدَّمهُ في اللَّحدِ، وقال: أنا شهيدٌ على هؤلاءِ يومَ القيامةِ، وأمَرَ بِدفنِهِم في دمائِهِم، ولم يُغَسَّلوا، ولم يُصلَّ عليهِم ))
وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّه دلَّ على تقديمِ قارئِ القرآنِ في القَبرِ، ويَلْحَقُ به أهلُ الفضْلِ من الفُقَهاءِ والزُّهَّادِ وغيرِهم
الفرع السادس: وقْتُ الدَّفْنِ المسألة الأولى: الدَّفنُ عند طلوعِ الشَّمس وقيامِها وغروبِهالا يجوزُ الدَّفْنُ في أوقاتٍ ثلاثة: عند طلوعِ الشَّمس، وقيامِها، وغروبها. وهو قولُ
ابنِ حَزْمٍ
واختاره
الصنعانيُّ
، و
الشوكانيُّ
، و
ابنُ باز
، و
ابنُ عثيمينَ
، و
الألبانيُّ
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:عن عُقبَةَ بن عامرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال:
((ثلاثُ ساعاتٍ كان رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم ينهانا أن نُصَلِّيَ فيهنَّ، وأن نَقْبُرَ فيهِنَّ موتانا: حين تَطْلُعُ الشَّمْسُ بازغةً حتى ترتفِعَ، وحين يقومُ قائِمُ الظَّهيرةِ حتى تزولَ، وحين تَضَيَّفُ الشَّمْسُ للغُروبِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ:قولُه:
((وأنْ نَقْبُرَ فيهِنَّ موتانا)) أي: ندفِنَ فيهِنَّ موتانا، والأصل في النَّهيِ التحريمُ، وهو ظاهِرُ الحديثِ
المسألة الثانية: الدَّفنُ ليلًايجوز الدَّفْنُ بالليلِ
، وهو باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّةعنِ
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما:
((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، مرَّ بقبرٍ قد دُفِنَ ليلًا، فقال: متى دُفِنَ هذا؟ قالوا: البارحةَ، قال: أفَلَا آذَنْتُموني؟ قالوا: دفنَّاه في ظُلْمَةِ اللَّيلِ، فكَرِهْنا أن نُوقِظَك، فقام، فصَفَفْنا خَلْفَه، قال ابنُ عبَّاس: وأنا فيهم، فصلَّى عليه ))
ثانيًا: من الآثارعن
عائِشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: (دخَلْتُ على
أبي بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه... فلم يُتَوَفَّ حتى أمسى مِن ليلةِ الثلاثاءِ، ودُفِنَ قبل أن يُصْبِحَ)
الفرع السابع: تلقينُ المَيِّت، والدُّعاءُ له بعد الدَّفْن المسألة الأولى: تلقينُ الميِّتتلقينُ المَيِّت بعد دَفْنه
بِدعةٌ، وهو قولُ
العِزِّ بنِ عبد السَّلامِ
، و
الصنعانيِّ
، و
ابن بازٍ
، و
ابنِ عثيمينَ
، و
الألبانيِّ
وذلك للآتي: أوَّلًا: لِعَدمِ ثبوتِ نصٍّ في ذلك
ثانيًا: أنَّه لا فائدةَ منه؛ لأنَّه خَرجَ من دارِ التَّكليفِ إلى دارِ الجزاءِ
ثالثًا: لأنَّه غيرُ قابلٍ للتذكُّرِ؛ قال تعالى:
لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا
[يس: 70]المسألة الثانية: الدُّعاءُ للميِّتِ بعد الدَّفْن يُستحَبُّ الاستغفارُ للميِّتِ والدُّعاءُ له بالتثبيتِ عند الفراغِ مِن دَفْنِه
؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة
، والشَّافعيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة:أولًا: مِنَ الكتابقولُه تعالى في المنافقينَ:
وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبرِهِ [التوبة: 84] وَجهُ الدَّلالةِ:أنَّ الدُّعاءَ والاستغفارَ كان عادَةَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في المسلمينَ بعد الفراغِ من الدَّفْنِ
؛ فإنَّه لَمَّا نهى نبيَّه صلَّى الله عليه وسلَّم عن الصَّلاةِ على المنافقينَ، وعن القيامِ على قبورِهم؛ كان دليلُ الخطابِ أنَّ المؤمِنَ يُصَلَّى عليه قبل الدَّفْنِ، ويُقامُ على قَبرِه بعد الدَّفْنِ
ثانيًا: من السُّنَّةعن عثمانَ بنِ عفَّانَ رَضِيَ الله عنه، قال:
((كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، إذا فَرَغَ مِن دَفْنِ المَيِّت وَقَفَ عليه، فقال: استغْفِروا لأخيكم، وسَلُوا له بالتَّثبيتِ؛ فإنَّه الآن يُسْأَلُ ))
الفرع الثَّامِنُ: ما يَنتفِعُ به الميِّتُ، وحُكمُ إهداءِ القُرباتِ له المسألة الأولى: ما يَنتفِعُ به الميِّتُ يَنتفعُ الميِّتُ بصلاةِ الجِنازةِ عليه، وأداءِ الواجبِ الذي تَدخُلُه النِّيابةُ، والدُّعاءِ والاستغفارِ له، والعباداتِ الماليَّةِ؛ كالعِتقِ والصَّدقةِ عنه.
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن
عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها:
((أنَّ رجُلًا قال للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّ أمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُها
، وأظنُّها لو تكلَّمَتْ تصَدَّقَتْ، فهل لها أجرٌ إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: نعم ))
2- عن
ابنِ عبَّاسٍ، رَضِيَ الله عنهما،
((أنَّ رَجُلًا قال لرسولِ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّ أمَّه تُوُفِّيَتْ: أينفَعُها إن تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: نعم. قال: فإنَّ لي مِخرافًا
، وأُشْهِدُكَ أنِّي قد تصدَّقْتُ عنها ))
3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أنَّه قال:
((نعى لنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم النجاشيَّ صاحِبَ الحبَشَةِ، في اليومِ الذي مات فيه، فقال: استَغْفِروا لأخيكم ))
4- عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((إذا ماتَ الإنسانُ انقطَعَ عنه عمَلُه إلَّا من ثلاثةٍ: إلَّا مِن صدقةٍ جاريةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له ))
ثانيًا: من الإجماعنَقَلَ الإجماعَ على ذلك
ابنُ قُدامةَ
،
والنوويُّ
، و
ابنُ تيميَّةَ
، و
ابنُ القَيِّم
، و
ابنُ مُفْلح
، والمرداوي
ثالثًا: أن دُعَاءَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم للأمواتِ فِعلًا وتعليمًا، وَدُعاءَ الصَّحابةِ وَالتَّابِعينَ وَالمُسلِمينَ عصرًا بعد عصرٍ؛ أَكثرُ من أَن يُذْكَرَ، وَأشهَرُ من أَن يُنكَرَ
المسألة الثانية: حُكمُ إهداءِ ثوابِ القُرُباتِ للمَيِّتاختلف أهلُ العِلْمِ في حكمِ إهداءِ ثوابِ القُرُباتِ للمَيِّت على قولينِ:
القول الأول: يجوزُ
إهداءُ ثوابِ القرباتِ إلى المَيِّت؛ كقراءةِ القُرآنِ، وهو مذهبُ الحَنفيَّة
، والحَنابِلَة
، وقولُ بعض الشَّافعيَّة
، واختاره
ابنُ تيميَّة
، و
الصنعانيُّ
، و
ابنُ عثيمينَ
الأدلَّة:أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن بُريدَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((بينا أنا جالِسٌ عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، إذْ أَتَتْه امرأةٌ، فقالت: إنِّي تصدَّقْتُ على أمِّي بجاريةٍ، وإنَّها ماتَتْ، قال: فقال: وَجَبَ أجْرُكِ، ورَدَّها عليكِ الميراثُ. قالت: يا رسولَ الله، إنَّه كان عليها صَوْمُ شَهْرٍ، أفأصومُ عنها؟ قال: صُومي عنها. قالت: إنَّها لم تَحُجَّ قطُّ، أفأحُجُّ عنها؟ قال: حُجِّي عنها ))
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبَّهَ بوصولِ ثَوابِ الصَّوْم- الذي هو مُجَرَّد ترْكٍ وَنِيَّةٍ تقوم بِالقلبِ لا يَطَّلِع عليه إِلَّا اللهُ، وَلَيْسَ بِعَمَل الجوارِح- على وُصولِ ثَوابِ القراءَة الَّتِي هِيَ عَمَلٌ بِاللِّسَانِ بطرِيق الأَوْلى، وكذا وُصُول ثَوَابِ سَائِر العباداتِ البدنِيَّةِ
2- عن عمرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه،
((أنَّ العاص بنَ وائلٍ أوصى أن يُعتَقَ عنه مائةُ رقبةٍ، فأعتق ابنُه هشامٌ خمسينَ رقبةً، فأراد ابنُه عمرٌو أن يُعتِقَ عنه الخمسينَ الباقية، فقال: حتى أسألَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فأتى النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أبي أوصى بعِتْقِ مائةِ رَقَبةٍ، وإنَّ هشامًا أعتَقَ عنه خمسينَ وبَقِيَت عليه خمسون رقبةً، أفأُعتِقُ عنه؟ فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: إنَّه لو كان مُسلمًا فأعْتَقْتُم عنه أو تصدَّقْتم عنه أو حَجَجْتم عنه؛ بَلَغَه ذلك ))
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبهَّ بوصول ثَوابِ الصَّدَقَةِ على وُصُولِ ثَوَاب سَائِر العِباداتِ المالِيَّة، وَأخْبَرَ بوصولِ ثَوابِ الحجِّ المُرَكَّب من الْمَالِيَّةِ والبَدَنِيَّة
ثانيًا: أنَّ الثَّوَابَ حقٌّ لِلعامِلِ؛ فإذا وَهَبَه لِأَخِيهِ المُسلِم لم يُمنَع من ذَلِك؛ كَمَا لم يُمْنَع مِن هِبَةِ مَاله فِي حَيَاته، وإبرائِه لَه مِن بعدِ مَوتِه
القول الثاني: لا يُشْرَع إهداءُ ثوابِ القُرُباتِ إلى المَيِّتِ، وهو مذهَبُ المالكيَّة
، والمشهورُ من مَذهَب الشَّافعيَّة
، وهو قولُ
ابن باز
الأدلَّة:أوَّلًا: من الكتابقال الله تعالى:
وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم: 39]ثانيًا: من السُّنَّة 1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال:
((لا يتَمَنَّى أحدُكُم الموتَ، ولا يَدْعُ به مِن قَبلِ أن يأتِيَه؛ إنَّه إذا مات أحَدُكم انقَطَعَ عَمَلُه... ))
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((إذا مات الإنسانُ انقطَعَ عنه عمَلُه إلَّا من ثلاثةٍ: إلَّا مِن صَدَقَةٍ جاريةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَع به، أو وَلَدٍ صالِحٍ يدعو له ))
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أخبَر أنَّه إِنَّما يَنتَفِعُ بِما كانَ تسبَّبَ إِليه فِي الحياةِ، وما لم يكُنْ قد تسبَّبَ إِليه، فَهُوَ مُنقَطِعٌ عَنهُ
ثالثًا: أنَّ الإهداءَ حِوالَة، وَالحِوالَةُ إِنَّمَا تكون بِحَقٍّ لازمٍ، والأعمالُ لا توجِبُ الثَّوَاب، وإنَّما هو مُجرَّدُ تفضُّلِ اللهِ وإحسانِه
رابعًا: أنَّ الإيثارَ بِأَسبابِ الثَّوابِ مَكروهٌ، وهوَ الإيثارُ بِالقُرَبِ؛ فَكيف الإيثارُ بِنَفس الثَّوابِ؟ فهو أَوْلى بالكراهَةِ
خامسًا: أنَّه لو ساغَ الإهداءُ إلى المَيِّت، لساغَ نَقْلُ الثَّوَابِ، والإهداءُ إلى الحيِّ