الموسوعة الفقهية

المطلب السابع: مكانُ المُشاةِ والرُّكبانِ المُتَّبعينَ للجِنازة


الفرع الأول: مكانُ المُشاةِ المُتَّبعينَ للجِنازة
اختلف أهلُ العِلمِ في الأفضل لِمَنْ تَبِعَ الجِنازة من المُشاة: هل يكون أمامَها أو خَلْفَها؛ على ثلاثةِ أقوال:
القول الأول: الأفضلُ لِمَن تَبِعَ الجِنازة من المُشاةِ أن يكون أمامَها، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلَة ، وهو قولُ بعضِ السَّلَف ، وقال به أكثرُ أهلِ العلمِ، وكان يفعَلُه أكثرُ الصَّحابةِ ، وحُكي فيه إجماعُهم ؛ وذلك لأنَّه شفيعٌ، وحَقُّ الشَّفيعِ أن يتقَدَّم
القول الثاني: أنَّ الأفضلَ لِمَنْ تَبِعَ الجِنازة مِنَ المشاةِ أن يمشي خَلْفَها، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة ، وقولٌ عند المالِكيَّة ، وقال به بعضُ السَّلَفِ ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن البَراءِ بنِ عازب رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أَمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسَبْعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أمَرَنا باتِّباعِ الجَنائِز.. ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ لَفْظَ الاتِّباعِ لا يقَعُ إلَّا على التَّالي، ولا يُسَمَّى المتقدِّمُ تابعًا، بل هو متبوعٌ
ثانيًا: من الآثار
عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنه، قال: (المَشيُ خَلْفَها أفضَلُ من المَشْيِ أمامَها؛ كفضلِ صلاةِ الرَّجُلِ في جماعةٍ على صلاتِه فذًّا)
ثالثًا: لأنَّها متبوعةٌ؛ فيجب أن تُقَدَّمَ كالإمامِ في الصَّلاة
القول الثالث: الماشي المتقدِّمُ على الجِنازة والمتأخِّرُ عنها، كلاهما سواءٌ، وهو قولٌ عند الحَنابِلَة ، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ ، واختاره الطبريُّ ، والشوكانيُّ ، وابنُ عثيمينَ ؛ وذلك لأنَّ فيه توسعةً على المُشَيِّعين، وهو يوافِقُ سُنَّةَ الإسراعِ بالجِنازة، وأنَّهم لا يلزمونَ مكانًا واحدًا يَمشونَ فيه؛ لئلَّا يَشُقَّ عليهم
الفرع الثاني: الرُّكوبُ عند التَّشييعِ
المسألة الأولى: حُكمُ الرُّكوبِ عند التَّشييعِ
يُكْرَه الرُّكوبُ في حالِ تشييعِ الجِنازة، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة ، والشَّافعيَّة ، والحَنابِلَة ، وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن جابرِ بنِ سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أُتِيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بفَرَسٍ مُعْرَوْرًى ، فرَكِبَه حين انصرف من جِنازة ابنِ الدَّحداحِ، ونحن نمشي حولَه ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَكِبَ حين انصرَفَ مِن جِنازة؛ فدَلَّ على إباحةِ الرُّكوبِ في الرُّجوعِ مِنَ الجِنازة، لا الذَّهابِ معها
عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بدابَّةٍ وهو مع الجِنازة فأبى أن يَرْكَبَها، فلمَّا انصرف أُتِيَ بدابَّةٍ فَرَكِبَ، فقيل له، فقال: إنَّ الملائكةَ كانت تَمْشي، فلم أكُنْ لِأَرْكَبَ وهم يَمشونَ، فلمَّا ذهبوا رَكِبْتُ ))
ثانيًا: لأنَّ المَشْيَ في الجِنازة أقربُ إلى الخُشوعِ، وأليَقُ بحالِ الشَّفيعِ
ثالثًا: أنَّ المَشْيَ مع الجِنازة فِعْلُ بِرٍّ، وموضِعُ تواضُعٍ
المسألة الثانية: موضِعُ الرُّكبانِ من الجِنازة
الأفضلُ لِمَنْ تَبِعَ الجِنازة راكبًا أن يكون خَلْفَها، وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة ، والمالِكيَّة ، والحَنابِلَة ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
 عن البراءِ بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أَمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمَرَنا باتِّباعِ الجَنائِز.. ))
وَجهُ الدَّلالةِ:
لفظ الاتِّباع لا يقَعُ إلا على التالي، ولا يُسَمَّى المتقدِّمُ تابعًا، بل هو متبوعٌ
ثانيًا: لأنَّه بِسَيْرِ الرَّاكِبِ أمامَها يتضرَّرُ النَّاسُ بإثارةِ الغُبارِ

انظر أيضا:

  1. (1) ((التاج والإكليل)) للمواق (2/227). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128).
  2. (2) ((المجموع)) للنووي (5/279)، ((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (1/340).
  3. (3) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/129)، ((المغني)) لابن قدامة (2/354). إلَّا أنَّ عند الحنابلةِ لا يُكْرَه أن يمشِيَ مُتَّبِعو الجنائِزِ حيث شاؤوا عن يمينِها أو يسارِها.
  4. (4) ((المجموع)) للنووي (5/279).
  5. (5) ((معالم السنن)) للخطابي (1/307).
  6. (6) قال أبو الوليد الباجي: (قولُه: إنَّه رأى عمر بن الخطاب يَقْدُمُ النَّاسَ أمام الجِنازَة على نحو ما ذكرناه من رواية ابن شهاب، وزاد في هذا أنَّه بين أنَّه مِمَّا كان يأمر به ويأخُذُ النَّاس بالتزامِه والعمل به، وقد فعل ذلك عمرُ بحضرة الصَّحابة لا سيما في مثل جِنازَة زينبَ بنتِ جَحشٍ زوجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّه لا يتخلَّفُ عنها أحدٌ إلا لعُذرٍ، ثم لم يَثْبُتْ في ذلك إنكارٌ من أحد، فثبت أنَّه إجماع). ((المنتقى شرح الموطأ)) (2/9).
  7. (7) ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/311).
  8. (8) ((تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ)) (1/244)، ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 605).
  9. (9) ((الذخيرة)) للقرافي (2/465).
  10. (10) ((المجموع)) للنووي (5/279).
  11. (11) ((المحلى)) لابن حزم (3/393).
  12. (12) أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066).
  13. (13) ((المحلى)) لابن حزم (3/393).
  14. (14) أخرجه ابن أبي شيبة (11239)، وأحمد (754)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2761)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6868). صححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/482)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/219): إسناده حسن، وهو موقوف له حكم المرفوع. وقال الألباني في ((أحكام الجنائز)) (96): (رُوِيَ من طريقينِ يتقَوَّى أحدهما بالطريق الآخر).
  15. (15) ((المغني)) لابن قدامة (2/354).
  16. (16) ((الإنصاف)) للمرداوي (2/379).
  17. (17) ((طرح التثريب)) للعراقي (3/263).
  18. (18) ((التمهيد)) لابن عبد البر (12/97).
  19. (19) ((الدراري المضية)) للشوكاني (1/140).
  20. (20) ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/171).
  21. (21) ((سبل السلام)) للصنعاني (2/108).
  22. (22) ((التاج والإكليل)) لابن المواق (2/227). ويُنظر: ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (2/9).
  23. (23) ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/359). ويُنظر: ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/311)، الشافعية قالوا: لا بَأْسَ بالركوبِ في الرُّجوعِ من الجِنازَة، ولا يُكرَه.
  24. (24)   ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/369)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/129). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/355).
  25. (25) ((مصنف ابن أبي شيبة)) (11257، 11259)، ((الأوسط)) لابن المنذر (3028، 3029).
  26. (26) أيْ: لا سَرْجَ عليه ولا غَيْرَه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/225).
  27. (27) أخرجه مسلم (965).
  28. (28) ((شرح النووي على مسلم)) (7/33).
  29. (29) أخرجه أبو داود (3177)، والحاكم في المستدرك (1314)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6854). قال الحاكم في ((المستدرك)) (1314): صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (97)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/117): رجال إسناده رجال الصحيح، وصححه أيضًا الألباني على شرط الشيخين في ((التعليقات الرضية)) (1/458).
  30. (30) ((المحيط البرهاني)) لابن مازة (2/176).
  31. (31) ((المنتقى شرح الموطأ)) لأبي الوليد الباجي (2/9).
  32. (32) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 401)، ((حاشية ابن عابدين)) (2/233).
  33. (33) ((التاج والإكليل)) للمواق (2/227). ويُنظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128).
  34. (34) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/129). ويُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/355).
  35. (35) ((المحلى)) لابن حزم (3/393).
  36. (36) أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066).
  37. (37) ((المحلى)) لابن حزم (3/393).
  38. (38) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 401).