المطلب الأوَّلُ: حُكمُ التَّداوي
اختلف أهلُ العِلْمِ في حكمِ التَّداوي
على قولينِ:
القَوْلُ الأوَّلُ: يُباحُ التَّداوي
، وهو مذهَبُ الجُمهورِ
: الحَنفيَّة
والمالِكيَّة
، والحَنابِلَة
الأدلَّة من السُّنَّة:1- عن أبي هريرةَ رَضِيَ الله عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال:
((ما أنزلَ اللهُ داءً إلَّا أنزلَ له شِفاءً ))
2- عن
جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أنَّه قال:
((لكُلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أصيبَ دواءُ الدَّاءِ، بَرِئَ بإذن ِاللهِ عزَّ وجلَّ ))
3- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:
((في الحَبَّةِ السوداءِ شِفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ )) قال
ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوتُ، والحَبَّةُ السَّوْداءُ: الشُّونِيزُ
4- عن ابنِ بُحَينةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((احتجَمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مُحْرِمٌ بِلَحْيِ جَمَلٍ
في وَسَطِ رَأْسِه ))
5- عن
سعيدِ بن زيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، قال:
((الكَمأَةُ
مِنَ المَنِّ
، وماؤُها شفاءٌ للْعَيْنِ ))
6- عن
عائشةَ رضِيَ الله عنها، سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ:
((التَّلْبينةُ
مَجَمَّةٌ
لفؤادِ المريضِ، تُذْهِبُ بعضَ الحُزْنِ ))
وَجهُ الدَّلالةِ مِن هذه الأحاديثِ: أنَّ فيها إثباتَ الطِّبِّ والعلاجِ، وإباحةَ التَّداوي
7- عن عَوفِ بن مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((كنَّا نَرْقي في الجاهليَّة، فقلنا: يا رسولَ الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعْرِضوا عليَّ رُقاكم، لا بَأسَ بالرُّقى ما لم يكُنْ فيه شِركٌ ))
وَجهُ الدَّلالةِ: أنَّ قَولَه:
((لا بَأْسَ)) يقتضي الإباحةَ
القول الثاني: يُستَحَبُّ التَّداوي، وهو مذهَبُ الشَّافعيَّة
وجمهورِ السَّلَفِ، وعامَّة الخَلَفِ
، وهو قولُ
ابنِ بازٍ
الأدلَّة: أوَّلًا: من السُّنَّة1- عن أُسامةَ بنِ شَريكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((قالَتِ الأعرابُ: يا رسولَ الله، ألَا نتداوَى؟ قال: نَعمْ، يا عبادَ اللهِ تداوَوْا؛ فإنَّ اللهَ لم يَضَعْ داءً إلَّا وضَعَ له شفاءً، أو قال: دواءً إلَّا داءً واحدًا، قالوا: يا رسول اللهِ، وما هو؟ قال: الهَرَمُ ))
2- عَنْ
جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((كانَ لي خالٌ يَرْقِي من العَقْربِ، فنهى رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الرُّقَى، قال: فأتاه، فقال: يا رسولَ الله، إنَّكَ نهيْتَ عن الرُّقى، وأنا أَرْقي مِنَ العَقربِ، فقال: مَنِ استطاعَ منكم أن ينفَعَ أخاه فلْيَفْعلْ ))
3- عن أبي سعيدٍ الخُدْرِي رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال:
((جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: إنَّ أخي اسْتُطْلِقَ بَطنُه، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: اسْقِه عَسَلًا. فسقاه، ثم جاءه، فقال: إنِّي سَقَيتُه عسَلًا، فلم يَزِدْه إلَّا استِطلاقًا، فقال له ثلاثَ مرَّاتٍ، ثم جاء الرابعةَ، فقال: اسْقِهِ عَسَلًا. فقال: لقد سقيْتُه فلم يَزِدْه إلَّا استطلاقًا، فقال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: صدَقَ اللهُ، وكَذَب بَطْنُ أخيك. فسَقاه فبَرَأ ))
4- عن
ابنِ شهابٍ، قال: أخبَرَني أبو سَلَمةَ، و
سعيدُ بن المُسَيِّب أنَّ أبا هريرةَ رَضِيَ الله عنه أخبَرَهما أنَّه سَمِعَ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ:
((في الحبَّةِ السَّوْداءِ شفاءٌ من كُلِّ داءٍ إلَّا السَّامَ )) قال
ابنُ شهابٍ: والسَّامُ: المَوْتُ، والحبَّة السَّوداءُ: الشُّونِيزُ
5- عن
ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، يقول:
((احتجمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مُحْرِمٌ ))
وَجهُ الدَّلالةِ من هذه الأحاديث:أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمَرَ بذلك وأرَشَدَ إليه وفَعَلَه، كما في النُّصوصِ السابِقَة؛ مِمَّا دلَّ على استحبابِه
ثانيًا: أنَّ المريضَ يكون ضَيِّقَ النَّفْسِ، لا يقومُ بما ينبغي أن يقومَ به من الطَّاعاتِ، وإذا عافاه اللهُ انشرَحَ صَدْرُه وانبسَطَت نفْسُه، وقام بما ينبغي أن يقومَ به مِنَ العباداتِ، فيكونُ الدَّواءُ إذًا مُرادًا لغَيرِه، فَيُسَنُّ
ثالثًا: أنَّ في التداوي استمساكًا لِما خَلَقه اللهُ مِنَ الأسبابِ النَّافِعَة، وجَعَلَه من سُنَّتِه في عبادِه