تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
اختَلف أهلُ العِلم في حُكمِ حَمْلِ السِّلاحِ في صلاةِ الخوفِ على قولينِ: القول الأوّل: يُستحَبُّ حمْلُ السِّلاحِ في صلاةِ الخوفِ ولا يَجِبُ، وهذا مذهبُ الجمهور: الحَنَفيَّة ، والشافعيَّة على الأظهر ، والحَنابِلَة ، وبه قال أكثرُ أهل العِلم الأدلَّة: أولًا: من الكِتاب 1- قول الله تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ[النساء: 102] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ الأمرَ في الآية بحَمْل السِّلاح للاستحبابِ لا للوجوب؛ وذلك للآتي: أ- أنَّ حمْل السِّلاح للرِّفقِ بهم، والصيانةِ لهم، فلم يكُن للإيجابِ، كما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا نهى عن الوصالِ رِفقًا بهم، لم يكُنْ للتحريمِ ب- أنَّ حمْلَ السلاح في الصَّلاة في غيرِ حال الخوفِ مكروهٌ، ثم ورد الأمْرُ بحَمْلِه في صلاة الخوف، والأمرُ بالشيءِ إذا ورَدَ بعدَ النهي، فإنَّه يقتضي الإباحةَ ج- أنَّ الغالبَ السَّلامةُ؛ فلم يكُن حملُه للوجوبِ 2- قول الله تعالى: وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً[النساء: 102] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّهم لا يَأمنون أنْ يفجأَهم عدوُّهم، فيَميلون عليهم، فاستحبَّ لهم حمْلُ السِّلاحِ، وعدمُ الغفلةِ عنه ثانيًا: أنَّ حمْل السِّلاح ليس من أعمالِ الصَّلاة؛ فلا يجِبُ فيها ثالثًا: أنَّ حمْل السِّلاحِ لو كان واجبًا لكان شَرطًا في الصَّلاة، وبطَلَتْ بتركِه كسَتْرِ العورةِ رابعًا: أنَّ وضْعَ السِّلاحِ لا يُفسِدُ الصلاةَ؛ فلا يجِبُ حملُه كسائرِ ما لا يُفسِد تَركُه القول الثاني: يَجبُ حمْلُ السِّلاحِ في صلاةِ الخوفِ، وهذا مذهبُ الظاهريَّة ، ووجهٌ للشَّافعيَّة ، وقولُ جماعةٍ من الحَنابِلَة ، واختارَه ابنُ العربيِّ, ومال إليه ابنُ قُدامةَ، واختاره ابنُ عُثَيمين الأدلَّة: أولًا: من الكِتاب 1- قوله تعالى: وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء: 102] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا أمرٌ، والأَمْر للوجوب 2- قال تعالى وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ [النساء: 102] وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ رفْعَ الجُناحِ عندَ العُذرِ يدلُّ على وجوبِه إذا لم يكُن عُذرٌ ثانيًا: أنَّ ترْكَ حمْلِ السِّلاحِ خَطرٌ على المسلمين، وما كان خطرًا على المسلمين، فالواجبُ تلافيه والحذرُ منه؛ فإنَّهم لا يأمنون إذا وضَعُوا السِّلاحَ مِن هجومِ العدوِّ عليهم، وربَّما كان ذلك سببَ هزيمتِهم
(4) قال ابنُ قُدامة: (قال أصحابُنا: ولا يجِبُ حمْلُ السِّلاح، وهذا قولُ أبي حنيفة وأكثرِ أهل العِلم، وأحدُ قوليِ الشَّافعي) ((المغني)) (2/306). وقال ابنُ عثيمين: (قوله: «ويُستحبُّ أن يحمِل» أفاد أنَّ حمْل السِّلاح في صلاة الخوف مستحبٌّ، وهذا ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العِلم) ((الشرح الممتع)) (4/413).
(12) قال ابنُ عبد البَرِّ: (وقال أهلُ الظاهر: أخْذ السِّلاح في صلاة الخوف واجبٌ لأمر الله به، إلَّا لِمَن كان به أذًى من مطر أو مرض، فإنْ كان ذلك جاز له وضْعُ سلاحهـ) ((التمهيد)) (15/283). وقال ابنُ قُدامة: (ويُحتمل أن يكون واجبًا، وبه قال داود، والشافعيُّ في القول الآخر). ((المغني)) (2/306).
(15) قال ابنُ العربي: ( إذا صلَّوا أخذوا سلاحَهم عند الخوف، وبه قال الشافعي، وهو نصُّ القرآن. وقال أبو حنيفة: لا يحملها. قالوا: لأنَّه لو وجَب عليهم حملها لبَطلَتِ الصلاة بتركها. قلنا: لم يجِبْ عليهم حملها لأجْل الصلاة، وإنَّما وجَب عليهم قوَّةً لهم ونظرًا، أو لأمر خارجٍ عن الصلاة، فلا تعلُّق لصحَّة الصلاة به نفيًا وإثباتًا، فاعلمهـ)) ((أحكام القرآن)) (1/622).
(16) قال ابنُ قُدامة: (ويحتمل أن يكون واجبًا، وبه قال داود، والشافعيُّ في القول الآخر، والحُجَّة معهم؛ لأنَّ ظاهر الأمر الوجوب، وقد اقترنَ به ما يدلُّ على إرادة الإيجاب به، وهو قوله تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ **النساء: 102**، ونفي الحرج مشروطًا بالأذى دليلٌ على لزومه عند عدَمه، فأمَّا إنْ كان بهم أذًى من مطر أو مرض، فلا يجب بغير خِلاف، بتصريحِ النصِّ بنفي الحرَج فيهـ). ((المغني)) (2/306).
(17) قال ابنُ عثيمين: (والصحيح أنَّ حمْل السلاح واجبٌ؛ لأنَّ الله أمَر به فقال: فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ **النساء: 102**، ولأنَّ ترْك حمْل السِّلاح خطرٌ على المسلمين، وما كان خطرًا على المسلمين فالواجبُ تلافيه والحذرُ منهـ). ((الشرح الممتع)) (4/413).