الموسوعة الفقهية

المبحث السَّادسُ: الجَمْعُ في المَرَضِ


يَجوزُ الجمعُ بين الصَّلاتينِ لعُذرِ المرضِ ، وهذا مذهبُ المالِكيَّة ، والحَنابِلَة ، وقولُ طائفةٍ من الشافعيَّة ، واختاره النوويُّ ، وابنُ تيميَّة ، والشوكانيُّ ، وابنُ باز ، وابنُ عُثَيمين
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((جمَعَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بين الظُّهرِ والعَصرِ، والمغربِ والعِشاءِ بالمدينةِ، من غيرِ خوفٍ ولا مَطرٍ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لا عُذرَ بعدَ ذلك إلَّا المرضُ
2- عن حَمنةَ بنتِ جَحشٍ حين استفتت النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في استحاضتِها، فقال لها عليه الصَّلاةُ والسَّلام: ((إنْ قويتِ على أن تُؤخِّري الظهرَ وتُعجِّلي العصرَ، ثم تَغتسلِينَ حتى تطهُرين، وتُصلِّين الظهرَ والعصرَ جميعًا، ثم تُؤخِّرينَ المغربَ وتُعجِّلِينَ العِشاءَ، ثم تَغتسلِينَ وتَجْمَعِينَ بين الصَّلاتينِ، فافْعَلِي ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه قد ثبَت فيه جوازُ الجمْع للمستحاضةِ، وهي نوعُ مرضٍ
ثانيًا: قياسًا على الجَمْعِ في السَّفرِ بجامعِ المشقَّة، بل المرضُ أَوْلى؛ لأنَّ المشقَّةَ على المريضِ في إفرادِ الصَّلواتِ أشدُّ منها على المسافِرِ
ثالثًا: أنَّ حاجةَ المريضِ آكدُ مِن الممطورِ

انظر أيضا:

  1. (1) وحدُّ المرض عند المالكيَّة هو الخوفُ من الإغماء، أو الحمى، أو غيرهما، وأمَّا عند بعض الشافعية فضابطُه: كلُّ ما يشقُّ معه فِعلُ كلِّ فرض في وقته، كمشقَّة المشي في المطر، بحيث تبتلُّ ثيابه، وقيل: لا بدَّ من مشقَّة ظاهرة زيادةً على ذلك، بحيث تُبيح الجلوس في الفرض. وأمَّا عند الحنابلة، فالمرض المبيح للجمْع هو ما يَلحَقُه به بتأديةِ كلِّ صلاة في وقتها مشقَّةٌ وضعفٌ. ينظر: ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/333) ((المغني)) لابن قدامة (2/205)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/404).
  2. (2) ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/511)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/154). ويرى المالكيَّة أنَّ الجمع الجائز بسبب المرض هو جمْع التقديم فقط؛ قال الصاوي: (وأشار للجمع بسبب الإغماء ونحوه بقوله: (ومَن خافَ إغماءً أو) حمَّى (نافِضًا أو مَيْدًا) بفتح الميم: أي دَوخة، بفتح الدال المهملة (عند دخول وقت) الصلاة (الثانية) العصر أو العشاء، (قدَّمها) أي: الثانية عندَ الأولى جوازًا على الرَّاجِح) ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (2/333)، ويُنظر: ((المدونة الكبرى)) لسحنون (1/204)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/69)، ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/174)، فإذا سلِم ممَّا كان يخاف منه من المرض أعادَ الثانيةَ في الوقت. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (2/512)، ((التاج والإكليل)) للمواق (2/154).
  3. (3) ((الإنصاف)) للمرداوي (2/235)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/5)، ويُنظر: ((المغني)) (2/205).
  4. (4) ((المجموع)) للنووي (4/383)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي، مع ((حواشي الشرواني والعبادي)) (2/404). قال في ((كفاية الأخيار)) (ص: 140): (قَالَ الأسنائيُّ: وما اختارَ النوويُّ نصَّ عليه الشافعيُّ في مختصَر المزنيِّ، ويُؤيِّده المعنى أيضًا، فإنَّ المرضَ يجوز الفطر كالسَّفرِ، فالجمْع أَوْلى).
  5. (5) قال النوويُّ: (القول بجواز الجَمْع بالمرَض ظاهرٌ مختار) ((روضة الطالبين)) (1/401). وقال أيضًا: (قال الرَّافعي: قال مالك، وأحمد، يجوزُ الجمْع بعُذر المرض والوحل، وبه قال بعض أصحابنا، منهم أبو سليمان الخطابي، والقاضي حسين، واستحسنه الروياني في الحِلية. قلت: وهذا الوجهُ قويٌّ جدًّا) ((المجموع)) (4/383).
  6. (6) قال ابنُ تيمية: (الصواب أنَّ الجمع لا يختصُّ بالسفر الطويل، بل يُجمع للمطر، ويُجمع للمرض، كما جاءت بذلك السُّنَّة في جمْع المستحاضة، فإنَّ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرها بالجمْع في حديثين) ((مجموع الفتاوى)) (24/26).
  7. (7) قال الشوكاني: (فالمراد بالجمْع الجائز للعذر هو جمْع المسافر، والمريض، وفي المطر كما وردتْ بذلك الأدلَّة الصَّحيحة) ((الدراري المضية)) (1/74).
  8. (8) قال ابن باز: (لا يجوزُ الجمع إلَّا مِن عِلَّة، كالمطر على الصَّحيح، وكالمرض، وكالسفر، فإذا كان هناك عِلَّةٌ شرعيَّة، فلا بأسَ بالجمع) ((فتاوى نور على الدرب)) (7/25).
  9. (9) قال ابن عثيمين: (ولهذا يجوزُ الجمْعُ في المطر وأنت في البلد، ويجوزُ الجمْعُ للمرض وأنت في البلد) ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 129).
  10. (10) رواه مسلم (705).
  11. (11) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6)، وينظر: ((المجموع)) للنووي (4/384).
  12. (12) رواه أبو داود (287)، والترمذي (128)، وابن ماجه (627)، وأحمد (6/439) (27514). قال الإمام أحمدُ والبخاريُّ والترمذيُّ كما في ((سنن الترمذي)) (128): حسنٌ صحيحٌ. وقال محمَّد ابن عبد الهادي في ((المحرر)) (81): صحَّحه أحمد بن حنبل، وحسَّنه البخاري، وقال الدارقطني: تفرَّد به ابنُ عَقيل وليس بقويٍّ، ووهَّنه أبو حاتم. وقال ابنُ القيِّم في ((تهذيب السنن)) (1/475): هذا الحديث مدارُه على ابن عَقيل، وهو عبد الله بن محمَّد بن عَقيل؛ ثقة صدوق لم يُتكلَّم فيه بجرح أصلًا، وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزُّبير الحُميديُّ، وإسحاق بن راهويه يحتجُّون بحديثه. وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (128).
  13. (13) ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/6).
  14. (14) ((بداية المجتهد)) لابن رشد (1/174)، ((الشرح الكبير)) للدردير، مع ((حاشية الدسوقي)) (1/369).
  15. (15) ((المجموع)) للنووي (4/384).