الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الأوَّلُ: انتِهاءُ قِتالِ الكُفَّارِ باعتِناقِهمُ الإسلامَ


يَنتَهي قِتالُ الكُفَّارِ بإيمانِهم واعتِناقِهمُ الإسلامَ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [651] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/242، 243)، ((مجمع الأنهر)) لداماد (1/ 634). ، والمالِكيَّةِ [652] ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 239)، ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (4/ 334). ، والشَّافِعيَّةِ [653] ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 239). ويُنظر: ((المهذب)) للشيرازي (3/ 274).  ، والحَنابِلةِ [654] ((الإقناع)) للحجاوي (2/ 16)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 66). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
1- قَولُه تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: 193] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه الأمرُ بمُقاتَلةِ المُشرِكينَ إلى غايةٍ هيَ أن لا تَكونَ فِتنةٌ، وأن يَكونَ الدِّينُ للَّهِ، وهو الدُّخولُ في الإسلامِ، والخُروجُ عَن سائِرِ الأديانِ المُخالِفةِ لَه، فمَن دَخَلَ في الإسلامِ وأقلَعَ عَنِ الشِّركِ لم يَحِلَّ قِتالُه [655] ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 220). ويُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 57).          .
2- قَولُه تَعالى: فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوُانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة: 193] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في الآيةِ النَّهيُ عَنِ الاعتِداءِ إلَّا على مَن ظَلَمَ، وهو مَن لم يَنتَهِ عَنِ الفِتنةِ، ولَم يَدخُلْ في الإسلامِ [656] يُنظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (1/ 220).                    .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
1- عَن جابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما: ((أُمِرتُ أن أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللهُ، فإذا قالوا: لا إلَهَ إلَّا اللهُ عَصَموا مِنِّي دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللهِ)) [657] أخرجه مسلم (21). .
2- عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال يَومَ خَيبَرَ لعَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه: ((... قاتِلْهم حَتَّى يَشهَدوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، فإذا فعَلوا ذلك فقد مَنَعوا مِنكَ دِماءَهم وأموالَهم إلَّا بحَقِّها، وحِسابُهم على اللهِ)) [658] أخرجه مسلم (2405). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
فيه دَليلٌ على قَبولِ الإسلامِ، سَواءٌ كان في حالِ القِتالِ أم في غَيرِه، وحِسابُه على اللهِ تَعالى، ومَعناه: أنَّا نَكُفُّ عنه في الظَّاهِرِ [659] يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (15/ 178).             
3- عَنِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ، أنَّه قال لجُندِ كِسرى يَومَ نَهاوندَ: ((فأمَرَنا نَبيُّنا رَسولُ رَبِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن نُقاتِلَكم حَتَّى تَعبُدوا اللهَ وحدَه، أو تُؤَدُّوا الجِزيةَ)) [660] أخرجه البخاري (3159). .
4- عَن سُلَيمانَ بنِ بُرَيدةَ، عَن أبيه رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((كانَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا أمَّرَ أميرًا على جَيشٍ، أو سَريَّةٍ، أوصاه في خاصَّتِه بتَقوى اللهِ، ومَن مَعَه مِنَ المُسلِمينَ خَيرًا، ثُمَّ قال: اغزوا باسمِ اللهِ في سَبيلِ اللهِ، قاتِلوا مَن كَفَرَ باللهِ، اغزوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغدِروا، ولا تَمْثُلوا، ولا تَقتُلوا وليدًا، وإذا لَقيتَ عَدوَّكَ مِنَ المُشرِكينَ فادعُهم إلى ثَلاثِ خِصالٍ -أو خِلالٍ- فأيَّتَهنَّ ما أجابوكَ فاقبَلْ منهم، وكُفَّ عنهم، ثُمَّ ادعُهم إلى الإسلامِ، فإن أجابوكَ فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، ثُمَّ ادعُهم إلى التَّحَوُّلِ مِن دارِهم إلى دارِ المُهاجِرينَ ... فإن هُم أبَوا فسَلْهمُ الجِزيةَ، فإن هُم أجابوكَ فاقبَلْ منهم وكُفَّ عنهم، فإن هُم أبَوا فاستَعِنْ باللهِ وقاتِلْهم...)) [661] أخرجه مسلم (1731). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
في هذه الأحاديثِ الكَفُّ عَن قِتالِ الكُفَّارِ إمَّا بالإسلامِ أوِ الجِزيةِ [662] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 658). .
ثالثًا: لأنَّ وُجوبَ الجِهادِ وُجوبُ الوسائِلِ لا المَقاصِدِ؛ إذِ المَقصودُ بالقِتالِ إنَّما هو الهدايةُ وما سِواها مِنَ الشَّهادةِ، وأمَّا قَتلُ الكُفَّارِ فليس بمَقصودٍ، حَتَّى لو أمكَنَتِ الهدايةُ بإقامةِ الدَّليلِ بغَيرِ جِهادٍ كان أولى مِنَ الجِهادِ [663] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 210).        .

انظر أيضا: