الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الأوَّلُ: إحراقُ الكُفَّارِ بالنَّارِ في حالةِ أَسْرِهم أو ظَهَرَت عَلاماتُ النَّصرِ عليهم


لا يَجوزُ إحراقُ الكُفَّارِ بالنَّارِ في حالةِ أَسْرِهم أو ظَهَرَت عَلاماتُ النَّصرِ عليهم، نَصَّ عليه الجُمهورُ: الحَنَفيَّةُ [579] ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/244)، ((النهر الفائق)) لسراج الدين ابن نجيم (3/205). ويُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (4/221)، ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 100). ، والمالِكيَّةُ [580] ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 177). ويُنظر: ((تحبير المختصر)) لبهرام (2/ 457)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (3/ 113). ، والحَنابِلةُ [581] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 238)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/ 49). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [582] قال البَغَويُّ: (فأمَّا تَحريقُ الكافِرِ بَعدَما وقَعَ في الأسرِ، وتَحريقُ المُرتَدِّ، فذَهَبَ عامَّتُهم إلى أنَّه لا يَجوزُ). ((شرح السنة)) (11/ 55).  وقال ابنُ المُناصِفِ: (فأمَّا المَقدورُ عليه مِنهم فلا أعلَمُ في ذلك خِلافًا، وأنَّه لا يَجوزُ تَحريقُ أعيانِ العَدوِّ إذا أمكَنَ قَتلُهم بغَيرِ ذلك، ولَم يَكونوا هُم حَرَقوا أحَدًا مِنَ المُسلِمينَ). ((الإنجاد في أبواب الجهاد)) (ص: 243).  وقال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا العَدوُّ إذا قُدِرَ عليه فلا يَجوزُ تَحريقُه بالنَّارِ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُهـ). ((المغني)) (9/ 230).  وقال شَمسُ الدِّينِ ابنُ قُدامةَ: (ومَتى قُدِرَ على العَدوِّ لم يَجُزْ تَحريقُه بالنَّارِ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه، وقد كان أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضيَ اللهُ عنه يَأمُرُ بتَحريقِ أهلِ الرِّدَّةِ بالنَّارِ، وفَعَلَه خالِدُ بنُ الوليدِ بأمرِه، فأمَّا اليَومَ فلا نَعلَمُ فيه خِلافًا بَينَ النَّاسِ). ((الشرح الكبير)) (10/ 396). وقال الضَّريرُ: (أمَّا العَدوُّ إذا قُدِرَ عليه فلا يَجوزُ تَحريقُه بالنَّارِ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُهـ). ((الواضح في شرح الخرقي)) (3/ 302).  وقال بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مُفلِحٍ: (إن قُدِرَ عليهم بغَيرِه لم يَجُزْ تَحريقُهم بالنَّارِ، بغَيرِ خِلافٍ). ((المبدع)) (3/ 238). وقال ابنُ رُشدٍ: (واختَلَفوا في تَحريقِهم بالنَّارِ؛ فكَرِهَ قَومٌ تَحريقَهم بالنَّارِ، ورَميَهم بها، وهو قَولُ عُمَرَ، ويُروى عن مالِكٍ. وأجازَ ذلك سُفيانُ الثَّوريُّ، وقال بَعضُهم: إنِ ابتَدَأ العَدوُّ بذلك جازَ، وإلَّا فلا). ((بداية المجتهد)) (2/148). ‌وقال الشَّوكانيُّ: (وقدِ اختَلَفَ السَّلَفُ في التَّحريقِ؛ فكَرِهَ ذلك عُمَرُ وابنُ عَبَّاسٍ وغَيرُهما مُطلَقًا، سَواءٌ كان في سَبَبِ كُفرٍ أو في حالِ مُقاتِلٍ أو في قِصاصٍ، وأجازَه عَليٌّ، وخالِدُ بنُ الوليدِ، وغَيرُهما، قال المُهَلَّبُ: ليس هذا النَّهيُ على التَّحريمِ، بَل على سَبيلِ التَّواضُعِ، ويَدُلُّ على جَوازِ التَّحريقِ فِعلُ الصَّحابةِ. وقد سَمَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعيُنَ العُرَنيِّينَ بالحَديدِ ... وقد أحرَقَ أبو بَكرٍ بالنَّارِ في حَضورِ الصَّحابةِ، وحَرَّقَ خالِدُ بنُ الوليدِ ناسًا مِن أهلِ الرِّدَّةِ، وكَذلك حَرَّقَ عَليٌّ). ((نيل الأوطار)) (7/294). .
الأدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ:
1- عن مُحَمَّدِ بنِ حَمزةَ الأسلَميِّ عن أبيه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَّرَه على سَريَّةٍ، قال: فخَرَجتُ فيها، وقال: ((إن وجَدتُم فُلانًا فأحرِقوه بالنَّارِ، فولَّيتُ فناداني فرَجَعتُ إلَيه، فقال: إن وجَدتُموه فاقتُلوه ولا تُحرِقوه؛ فإنَّه لا يُعَذِّبُ في النَّارِ إلَّا رَبُّ النَّارِ)) [583] أخرجه أبو داود (2673) واللفظ له، وأحمد (16034). صَحَّحه ابنُ حزم في ((المحلى)) (11/383)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2673)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2673). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
هذا الحَديثُ صَريحٌ في النَّهيِ عنِ استِعمالِ النَّارِ في قَتلِ الكافِرِ إذا ظُفِرَ به وحَصَلَ في الكَفِّ [584] يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (2/ 282)، ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 149-150). .
2- عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: بَعَثَنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَعثٍ، فقال: ((إن وجَدتُم فُلانًا وفُلانًا فأحرِقوهما بالنَّارِ، ثُمَّ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ أرَدنا الخُروجَ: إنِّي أمَرتُكُم أن تُحرِقوا فُلانًا وفُلانًا، وإنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بها إلَّا اللهُ، فإن وجَدتُموهما فاقتُلوهما)) [585] أخرجه البخاري (3016). .

انظر أيضا: