الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّاني: الجاسوسُ المُسلِمُ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ في حُكمِ مَن تَجَسَّسَ مِنَ المُسلِمينَ لصالِحِ العَدوِّ هَل يُقتَلُ؟ على قَولَينِ:
القَولُ الأوَّلُ: يَجوزُ قَتلُ مَن تَجَسَّسَ مِنَ المُسلِمينَ لصالِحِ العَدوِّ، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [565] ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/ 357)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 182). ، وبعضِ الحَنابِلةِ [566] ((الفروع)) لابن مفلح (10/ 116)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 249). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((بَعَثَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا والزُّبَيرَ والمِقدادَ بنَ الأسودِ، قال: انطَلِقوا حَتَّى تَأتوا رَوضةَ خاخٍ [567] رَوضةُ خاخٍ: مَوضِعٌ بقُربِ حَمراءِ الأسَدِ، بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، بقُربِ المَدينةِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 307). ؛ فإنَّ بها ظعينةً [568] الظَّعينةُ: مِنَ الظَّعنِ، وهو الرَّحلُ، وهيَ: المَرأةُ في الهَودَجِ، ثُمَّ أُطلِقَ على المَرأةِ مُطلَقًا. قيلَ: سُمِّيَتِ المَرأةُ ظَعينةً؛ لأنَّها تَركَبُ الظَّعينَ، وهو الهَودَجُ. ((فتح الباري)) لابن حجر (12/ 307). ، ومَعَها كِتابٌ، فخُذوه مِنها، فانطَلَقنا تَعادى بنا خَيلُنا حَتَّى انتَهَينا إلى الرَّوضةِ فإذا نَحنُ بالظَّعينةِ، فقُلنا: أخرِجي الكِتابَ، فقالت: ما مَعي مِن كِتابٍ، فقُلنا: لَتُخرِجِنَّ الكِتابَ أو لَنُلقيَنَّ الثِّيابَ، فأخرَجَته مِن عِقاصِها [569] عِقاصُها: هيَ ذَوائِبُها المَضفورةُ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (6/ 191). ، فأتَينا به رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا فيه: مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ إلى أُناسٍ مِنَ المُشرِكينَ مِن أهلِ مَكَّةَ يُخبِرُهم ببَعضِ أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا حاطِبُ، ما هذا؟ قال: يا رَسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عَلَيَّ، إنِّي كُنتُ امرَأً مُلصَقًا في قُرَيشٍ ولَم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن مَعَكَ مِنَ المُهاجِرينَ لَهم قَراباتٌ بمَكَّةَ يَحمونَ بها أهليهم وأموالَهم، فأحبَبتُ إذ فاتَني ذلك مِنَ النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عِندَهم يَدًا يَحمونَ بها قَرابَتي، وما فعَلتُ كُفرًا ولا ارتِدادًا، ولا رِضًا بالكُفرِ بَعدَ الإسلامِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَقد صَدَقَكُم، قال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ، قال: إنَّه قد شَهِدَ بَدرًا، وما يُدريكَ لَعَلَّ اللهَ أن يَكونَ قدِ اطَّلَعَ على أهلِ بَدرٍ فقال: اعمَلوا ما شِئتُم؛ فقد غَفَرتُ لَكُم)) [570] أخرجه البخاري (3007). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يُنكِرْ على عُمَرَ قَتلَه، ولَكِنَّه ذَكَرَ مانِعًا، وهو كَونُه مِن أهلِ بَدرٍ [571] يُنظر: ((زاد المعاد)) لابن القيم (3/ 372). .
القَولُ الثَّاني: لا يَجوزُ قَتلُ مَن تَجَسَّسَ مِنَ المُسلِمينَ لصالِحِ العَدوِّ، بَل يُعَزَّرُ، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [572] ((الخراج)) لأبي يوسف (ص: 207)، ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 2040). ، والشَّافِعيَّةِ [573] ((المهذب)) للشيرازي (3/ 292)، ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (12/190). ويُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (16/ 55). ، وبعضِ الحَنابِلةِ [574] ((الفروع)) لابن مفلح (10/ 116،117)، ((الإنصاف)) للمرداوي (10/ 250). ، وحُكي الإجماعُ على ذلك [575] قال أبو جَعفَرٍ الطَّحاويُّ: (لَم يَختَلِفوا أنَّ المُسلِمَ لَو فعَلَ ذلك [أي: لَو تَجَسَّسَ] لم يُبَحْ دَمُهـ). ((اختلاف العلماء)) (3/451). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتابِ
قَولُه تعالى: يا أيُّها الذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا عَدُوِّي وعَدُوَّكُم أولياءَ [الممتحنة: 1].
 وَجهُ الدَّلالةِ:
الآيةُ نَزَلَت في حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ؛ فإنَّه كَتَبَ إلى قُرَيشٍ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ يَغزوكُم فخُذوا حِذرَكُم، وقد سَمَّاه مُؤمِنًا [576] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 2040)، ((المهذب)) للشيرازي (3/ 292).       .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
عن عَليٍّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((بَعَثَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنا والزُّبَيرَ والمِقدادَ بنَ الأسودِ، قال: انطَلِقوا حَتَّى تَأتوا رَوضةَ خاخٍ؛ فإنَّ بها ظعينةً، ومَعَها كِتابٌ، فخُذوه مِنها، فانطَلَقنا تَعادى بنا خَيلُنا حَتَّى انتَهَينا إلى الرَّوضةِ فإذا نَحنُ بالظَّعينةِ، فقُلنا: أخرِجي الكِتابَ، فقالت: ما مَعي مِن كِتابٍ، فقُلنا: لَتُخرِجِنَّ الكِتابَ أو لَنُلقيَنَّ الثِّيابَ، فأخرَجَته مِن عِقاصِها، فأتَينا به رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا فيه: مِن حاطِبِ بنِ أبي بَلتَعةَ إلى أُناسٍ مِنَ المُشرِكينَ مِن أهلِ مَكَّةَ يُخبِرُهم ببَعضِ أمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا حاطِبُ، ما هذا؟ قال: يا رَسولَ اللهِ، لا تَعجَلْ عَلَيَّ، إنِّي كُنتُ امرَأً مُلصَقًا في قُرَيشٍ ولَم أكُنْ مِن أنفُسِها، وكان مَن مَعَكَ مِنَ المُهاجِرينَ لَهم قَراباتٌ بمَكَّةَ يَحمونَ بها أهليهم وأموالَهم، فأحبَبتُ إذ فاتَني ذلك مِنَ النَّسَبِ فيهم أن أتَّخِذَ عِندَهم يَدًا يَحمونَ بها قَرابَتي، وما فعَلتُ كُفرًا ولا ارتِدادًا، ولا رِضًا بالكُفرِ بَعدَ الإسلامِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لَقد صَدَقَكُم، قال عُمَرُ: يا رَسولَ اللهِ، دَعْني أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ، قال: إنَّه قد شَهِدَ بَدرًا، وما يُدريكَ لَعَلَّ اللهَ أن يَكونَ قدِ اطَّلَعَ على أهلِ بَدرٍ فقال: اعمَلوا ما شِئتُم؛ فقد غَفَرتُ لَكُم)) [577] أخرجه البخاري (3007). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّه لَو كان بهذا كافِرًا أو لَزِمَه القَتلُ بهذا حَدًّا، ما تَرَكَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ إقامَتَه عليه [578] يُنظر: ((شرح السير الكبير)) للسرخسي (ص: 2040)                     .

انظر أيضا: