الموسوعة الفقهية

المَبحَثُ الثَّالِثُ: الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ تَحَرُّفًا للقِتالِ


يَجوزُ الفِرارُ مِنَ الزَّحفِ -ولَو لم يَكُنْ عَدَدُ الكُفَّارِ أكثَرَ مِن ضِعفِ عَدَدِ المُسلِمينَ- إذا كانَ القَصدُ مِن ذلك التَّحَرُّفَ للقِتالِ [475] مَعنى التَّحَرُّفِ للقِتالِ: أن يَنحازَ إلى مَوضِعٍ يَكونُ القِتالُ فيه أمكَنَ، كَمَن كانَ في وجهِ الشَّمسِ أوِ الرِّيحِ، أو في مَكانٍ يَنكَشِفُ فيهِ، أو مَعطَشةٍ لا ماءَ فيها، فيَنحَرِفُ إلى ظِلٍّ، أو مَوضِعٍ لا ريحَ فيهِ، أو مَكانٍ عالٍ، أو مَوضِعٍ فيه ماءٌ، ونَحوِ ذلك مِمَّا جَرَت به عادةُ أهلِ الحَربِ. يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (2/271)، ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 289). أو هو: الكَرُّ بَعدَ الفَرِّ ليَرى عَدوُّه أنَّه مُنهَزِمٌ، ثُمَّ يَعطِفُ عليه، وذلك مِنَ الخِداعِ في الحَربِ. ينظر: ((التسهيل لعلوم التنزيل)) لابن جزي (1/323). ، باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [476] ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 99). ، والمالِكيَّةِ [477] ((مختصر خليل)) (ص: 88)، ((الشرح الكبير)) للدردير (2/ 179). ، والشَّافِعيَّةِ [478] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (11/ 403)، ((روضة الطالبين)) للنووي (10/ 247). ، والحَنابِلةِ [479] ((المبدع)) لبرهان الدين ابن مفلح (3/ 289)، ((الإنصاف)) للمرداوي (4/123). .
الدَّليلُ مِنَ الكتابِ:
قَولُه تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 15-16] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
نَهى اللهُ عَزَّ وجَلَّ عَن تَوليةِ المُؤمِنينَ الأدبارَ في القِتالِ، ثُمَّ استَثنى مِن ذلك مَن يولِّي دُبُرَه مُتَحَرِّفًا لقِتالٍ، أو مُتَحَيِّزًا إلى فِئةٍ، فلا يَشمَلُه النَّهيُ؛ لأنَّ الاستِثناءَ مِنَ الحَظرِ إباحةٌ [480] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) للكاساني (7/ 99) .

انظر أيضا: