الموسوعة الفقهية

الفَصلُ الثَّالِثُ: ميراثُ اللَّقيطِ


ميراثُ اللَّقيطِ الذي لا وارِثَ له يَكونُ لمُلتَقِطِه القائِمِ عليه، وهو رِوايةٌ عَن أحمَدَ [355] ((الإنصاف)) للمرداوي (6/ 446).                اختارها ابنُ تَيميَّةَ [356] قال المَرداويُّ: (وذَكَرَ ابنُ أبي موسى في الإرشادِ: أنَّ بَعضَ شُيوخِه حَكى رِوايةً عَنِ الإمامِ أحمَدَ رَحِمَه اللهُ: أنَّ المُلتَقِطَ يَرِثُه، واختارَه الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ -رَحِمَه اللهُ تعالى- ونَصَرَه. وصاحِبُ الفائِقِ. قال الحارِثيُّ: وهو الحَقُّ). ((الإنصاف)) (6/ 446).     ، وابنُ القَيِّمِ [357] قال ابنُ القَيِّمِ: (وذَهَبَ إسحاقُ بنُ راهَويه إلى أنَّ ميراثَه لمُلتَقِطِه عِندَ عَدَمِ نَسَبِه؛ لظاهِرِ حَديثِ واثِلةَ، وإن صَحَّ الحَديثُ فالقَولُ ما قال إسحاقُ ... وإذا تَدَبَّرتَ هذا وجَدتَه أصَحَّ مِن كَثيرٍ مِنَ القياساتِ التي يَبنونَ عليها الأحكامَ، والعُقولَ أشَدَّ قَبولًا لهـ). ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) (8/ 84). ، وابنُ عُثَيمين [358] قال ابنُ عُثَيمينَ: (ولَكِن نَقولُ: الرَّاجِحُ: أنَّ مالَه يَكونُ لمَنِ التَقَطَه؛ لأنَّه قامَ عليه وحَضَنَه وتَعِبَ فيه، فيَكونُ له، وهو أولى مِن بَيتِ المالِ الذي يَكونُ لعُمومِ النَّاسِ) ((تفسير العثيمين: النساء)) (2/ 515). ، وبه قال بَعضُ السَّلَفِ [359] قال الكَوسَجُ: (قال إسحاقُ: كما قال سُفيانُ، قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهُ: "لَكَ ولاؤُه"). ((مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويهـ)) (8/4390). وقال ابنُ حَزمٍ: (وقد صَحَّ عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهُ ما رُوِّيناه مِن طَريقِ مالِكٍ، عَنِ ابنِ شِهابٍ، عَن سُنَينٍ أبي جَميلةَ: أنَّه وجَدَ مَنبوذًا فأتى به إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فقال له عُمَرُ: هو حُرٌّ، وولاؤُه لك، ونَفَقتُه مِن بَيتِ المالِ. ورُوِّينا أيضًا هذا عَن شُرَيحٍ أنَّه جَعَلَ ولاءَ اللَّقيطِ لمَنِ التَقَطَه، وصَحَّ عَن إبراهيمَ النَّخَعيِّ ما رُوِّيناه مِن طَريقِ مُحَمَّدِ بنِ جَعفَرٍ، نا شُعبةُ عَن مَنصورِ بنِ المُعتَمِرِ، عَن إبراهيمَ النَّخَعيِّ، قال: اللَّقيطُ عَبدٌ). ((المحلى بالآثار)) (7/132، 133). ويُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (12/39)، ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) (8/ 84). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ السُّنَّةِ
حَديثُ عائِشةَ في قِصَّةِ بَريرةَ، وفيه: ((إنَّما الوَلاءُ لمَن أعتَقَ)) [360] أخرجه البخاري (2156)، ومسلم (1504). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
دَلَّ هذا الحَديثُ على ثُبوتِ الوَلاءِ لمَن أعتَقَ، وإنعامُ المُلتَقِطِ على اللَّقيطِ بتَربيَتِه والقيامِ عليه والإحسانِ إليه ليس دونَ إنعامِ المُعتِقِ على العَبدِ بعِتقِه، فإذا كانَ الإنعامُ بالعِتقِ سَبَبًا لميراثِ المُعتِقِ مَعَ أنَّه لا نَسَبَ بَينَهما، فكَيفَ يُستَبعَدُ أن يَكونَ الإنعامُ بالِالتِقاطِ سَبَبًا له، مَعَ أنَّه قد يَكونُ أعظَمَ مَوقِعًا وأتَمَّ نِعمةً [361] يُنظر: ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) (8/ 84). .
ثانيًا: من الآثار
1- عَنِ الزُّهريِّ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه (أعطى ميراثَ المَنبوذِ للذي كَفَلَهـ) [362] أخرجه ابن أبي شيبة (32228). .
2- عَن سُنَينٍ أبي جَميلةَ -رَجُلٍ مِن بَني سُلَيمٍ- أنَّه وجَدَ مَنبوذًا في زَمانِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، قال: (فجِئتُ به إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فقال: ما حَمَلَكَ على أخذِ هذه النَّسَمةِ؟ فقال: وجَدتُها ضائِعةً فأخَذتُها، فقال له عَريفُه: يا أميرَ المُؤمِنينَ إنَّه رَجُلٌ صالِحٌ، فقال له عُمَرُ: أكَذلك؟ قال: نَعَم، فقال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: اذهَبْ فهو حُرٌّ، ولك وَلاؤُه وعلينا نَفَقَتُهـ) [363] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (2662) مختصرًا، وأخرجه موصولًا مالك (2/738) واللفظ له، والبيهقي (12494) باختلافٍ يسيرٍ. صَحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1573)، وصحَّح إسنادَه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (3/391)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح مشكل الآثار)) (7/310). .
ثالثًا: أنَّ المُلتَقِطَ قد ساوى المُسلِمينَ في مالِ اللَّقيطِ، وامتازَ عَنهُم بتَربيةِ اللَّقيطِ والقيامِ بمَصالِحِه، وإحيائِه مِنَ الهَلَكةِ، فمِن مَحاسِنِ الشَّرعِ ومَصلَحَتِه وحِكمَتِه أن يَكونَ أحَقَّ بميراثِه [364] يُنظر: ((عون المعبود وحاشية ابن القيم)) (8/ 84). .

انظر أيضا: