المطلَبُ الثَّاني: ما لا يُشْتَرَط في الإمامَةِ
الفرع الأَوَّل: العَدالةلا تُشترَطُ العدالةُ في الإمامِ؛ فالصَّلاةُ خلف الفاسقِ جائزةٌ مع الكراهةِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة
، والشافعيَّة
، والمعتمَد عند المالِكيَّة
، واختاره
ابنُ حزمٍ
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن
أبي ذرٍّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال لي رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((كيفَ أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يؤخِّرون الصَّلاةَ عن وقتِها؟- أو- يُميتون الصَّلاةَ عن وقتها؟ قال: قلت: فمَا تأمُرني؟ قال: صلِّ الصَّلاةَ لوقتِها، فإنْ أدركتَها معهم فصلِّ؛ فإنَّها لك نافلةٌ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد أذِنَ بالصَّلاةِ خلفَهم، وجعَلَها نافلةً؛ لأنَّهم أخرَجوها عن وقتِها، وظاهرُه أنَّهم لو صلَّوْها في وقتِها لكانَ مأمورًا بصلاتِها خَلفَهم فريضةً
2-عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((يُصلُّون لكم، فإنْ أصابوا فلَكُم، وإنْ أخطؤوا فلَكُم وعَلَيهم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:أنَّ فيه جوازَ الصَّلاةِ خلْفَ البَرِّ والفاجرِ
3- عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ .. ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا عامٌّ فيَشمَلُ الفاسقَ
ثانيًا: مِن الآثارأنَّ
ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما كان يُصلِّي خَلفَ
الحَجَّاج مع فِسْقِه
ثالثًا: لأنَّ فِسْقَه غيرُ متعلِّقٍ بأحكامِ الصَّلاةِ
رابعًا: لأنَّه إذا صحَّتْ صلاتُه لنفْسِه صحَّتْ لغيرِه
المسألة الأولى: إمامةُ المبتَدِعِتجوزُ الصَّلاةُ خلفَ المبتدعِ
بدعةً غيرَ مكفِّرةٍ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة
، والشافعيَّة
، وقولٌ للمالكيَّة
، واختاره
ابنُ باز
، و
ابن عُثَيمين
الأدلَّة:أولًا: من الآثارعن عُبَيدِ اللهِ بن عديِّ بنِ خيار: أنَّه دخَلَ على عثمانَ بن عفَّان رَضِيَ اللهُ عنه وهو محصورٌ، فقال: إنَّك إمامُ عامَّة، ونزَلَ بك ما ترَى ويُصلِّي لنا إمامُ فِتنة ونتحرَّجُ؟ فقال: الصَّلاةُ أحسنُ ما يَعملُ الناسُ، فإذا أحسنَ الناسُ فأحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجتنبْ إساءتَهم
ثانيًا: أنَّ المبتدعَ صلاتُه في نفسِها صحيحةٌ، فإذا صلَّى المأمومُ خلفَه لم تبطُلْ صلاتُه
المسألة الثانية: إمامةُ مجهولِ الحالِ تجوزُ الصَّلاة خَلفَ كلِّ مسلِمٍ مستورٍ
، لم تَظهرْ منه
بِدعةٌ ولا فُجور.
الدَّليل من الإجماع:نقَل الإجماعَ على ذلك:
ابنُ تيميَّة
، وابنُ أبي العزِّ الحنفيُّ
الفرع الثاني: البلوغُ لا يُشتَرَطُ البُلُوغُ في الإمامِ؛ وعليه فصلاةُ البالِغِ خلفَ الصبيِّ الذي يَعقِلُ صحيحةٌ، وهو مذهبُ الشافعيَّة
، وروايةٌ عن
أحمد
، وقولُ طائفةٍ من السَّلفِ
، واختاره ابنُ المنذرِ
، و
الشوكانيُّ
، و
الصنعانيُّ
، و
ابنُ باز
، و
ابنُ عُثَيمين
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن أبي قِلابَة، عن عَمرِو بن سَلِمة، قال: قال لي أبو قِلابةَ: ألَا تَلْقاهُ فتسألَه؟ قال: فلقيتُه فسألتُه، فقال: كنَّا بماءٍ ممرَّ الناسِ، وكان يمرُّ بنا الركبانُ فنَسألهم: ما للناسِ، ما للناسِ؟ ما هذا الرَّجُل؟ فيقولون: يَزعُمُ أنَّ اللهَ أَرْسلَه، أوْحَى إليه، أو: أَوْحَى اللهُ بكذا، فكنتُ أحفظُ ذلك الكلامَ، وكأنَّما يقرُّ في صدْري، وكانتِ العربُ تَلوَّمُ
بإسلامِهم الفتحَ، فيقولون: اتركُوه وقومَه، فإنَّه إنْ ظهَرَ عليهم فهو نبيٌّ صادِق، فلمَّا كانتْ وقعةُ أهلِ الفتحِ، بادَرَ كلُّ قومٍ بإسلامِهم، وبدَرَ أَبي قَومِي بإسلامِهم، فلمَّا قدِم قال: جِئتُكم واللهِ من عندِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حقًّا؛ فقال:
((صَلُّوا صلاةَ كذا في حِينِ كذا، وصلُّوا صلاةَ كذا في حِين كذا، فإذا حضرتِ الصَّلاةُ فليؤذِّنْ أحدُكم، ولْيؤمَّكم أكثرُكم قرآنًا))، فنظروا فلمْ يكُنْ أحدٌ أكثرَ قرآنًا منِّي؛ لِمَا كنتُ أتلقَّى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابنُ ستٍّ، أو سَبعِ سِنينَ
2- عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لكتابِ اللهِ ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ هذا الحديثَ يعمُّ الصبيَّ ويعمُّ غيرَه
ثانيًا: أنَّه ما دامتْ صحَّتْ صلاتُه لنَفْسِه؛ فتصحُّ إمامتُه لغيرِه
الفرع الثالث: البَصَرُلا يُشتَرَطُ في الإمامِ أن يكونَ مُبصِرًا؛ فإمامةُ الأَعمَى للمُبصرِ صحيحةٌ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة
، والشافعيَّة
، والحَنابِلَة
، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك
الأدلَّة:أولًا: من السُّنَّة1- عن
أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم استخلَفَ ابنَ أمِّ مكتومٍ على المدينةِ مرَّتينِ يُصلِّي بهم وهو أَعْمى ))
2- عن محمودِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه:
((أنَّ عِتبانَ بنَ مالكٍ، كان يؤمُّ قومَه وهو أعْمَى، وأنَّه قال لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ اللهِ، إنَّها تكونُ الظُّلمةُ والسَّيلُ، وأنا رجلٌ ضَريرُ البصرِ، فصَلِّ يا رسولَ اللهِ في بيتي مكانًا أتَّخِذُه مُصلًّى، فجاءَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: أينَ تحبُّ أن أصليَ؟ فأشار إلى مكانٍ من البيتِ، فصلَّى فيه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ))
وَجْهُ الدَّلالَةِ:قوله: (كان يؤمُّ قومَه وهو أعْمَى) فيه دليلٌ على جوازِ إمامةِ الأعْمى؛ لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أقرَّه على ذلِك؛ فمِثل هذا لا يَخفى على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مع تَكرُّره
ثانيًا: من الآثارِأنَّ هذا فعَلَه بعضُ السَّلف؛ فقد كان
ابنُ عبَّاس يؤمُّ بعدَما كَبِرَ وعَمِي، وكذلِك عِتبانُ بنُ مالكٍ، وقتادةُ
الفرعُ الرَّابِعُ: موافقةُ الإمامِ للمأمومِ في الفُروعِ مُوافقةُ الإمامِ للمأمومِ في الفُروعِ ليستْ شَرطًا لصِحَّةِ الإمامةِ؛ فتصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفروعِ، وهو مذهبُ الجمهورِ: الحَنَفيَّة
، والمالِكيَّة
، والحَنابِلَة
، وحُكي الإجماعُ على ذلك
وذلك للآتي:أولًا: لصلاةِ الصَّحابةِ خَلفَ بعضِهم مع ما بينهم من الاختلافِ في الفروعِ
ثانيًا: لأنَّنا لو قُلْنا: إنَّها لا تصحُّ الصَّلاةُ خلفَ المخالفِ في الفروعِ لَلَحِقَ بذلك حرجٌ ومشقَّة
ثالثًا: أنَّ المخالِفَ إمَّا أن يكونَ مصيبًا في اجتهادِه، فله أجرانِ، أو مُخطِئًا فله أجرٌ على اجتهادِه، ولا إثمَ عليه في الخَطأ
رابعًا: أنَّه لَمَّا صحَّتِ الصَّلاةُ لنفسِه، صحَّت لغيرِه، وجاز الائتمامُ به