الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الثَّاني: تَعارُضُ الدَّعوَيَينِ  في مِلكٍ مُطلَقٍ في حالِ كَونِه بيَدِ غَيرِ المُتَنازِعَينِ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ فيما إذا ادَّعى اثنانِ عَينًا، وهيَ في يَدِ غَيرِهما (في يَدِ طَرَفٍ ثالِثٍ)، وأقامَ كُلٌّ مِنهُما البَيِّنةَ [861] كَأن يَتَنازَعَ اثنانِ في عَينٍ، وهيَ في يَدِ شَخصٍ ثالِثٍ، ولَم يُقِرَّ بها لأحَدٍ ولَم يَدَّعِها لنَفسِه، وأقامَ كُلٌّ مِنَ المُتَنازِعَينِ بَيِّنةً يُريدُ بها إثباتَ حَقِّه فيها.  ؛ على ثَلاثةِ أقوالٍ [862] عِندَ الشَّافِعيَّةِ في الأصَحِّ: أن تُوقَفَ العَينُ حَتَّى يَبِينَ الأمرُ فيها أو يَصطَلِحا على شَيءٍ. يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 480)، ((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/ 344 ،345). :
القَولُ الأوَّلُ: إذا ادَّعى اثنانِ عَينًا، وهيَ في يَدِ غَيرِهما (في يَدِ طَرَفٍ ثالِثٍ)، وأقامَ كُلٌّ مِنهُما البَيِّنةَ، تَسقُطُ البَيِّنَتانِ، ويَحلِفُ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يَمينًا، ويُقضى بالعَينِ بَينَهما، وهو مَذهَبُ المالِكيَّةِ [863] وهَل تُقسَمُ بَينَهما بالسَّويَّةِ؟ الرَّاجِحُ عِندَهم أنَّها تُقسَمُ بَينَهما على قدرِ الدَّعوى لا بالسَّويَّةِ، وقيلَ: مُناصَفةً. ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 223)، ((منح الجليل)) لعليش (8/ 544). ؛ وذلك لتَناقُضِ موجِبَيهِما، فأشبَهَ الدَّليلَينِ إذا تَعارَضا ولا مُرَجِّحَ [864] يُنظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 480). .
القَولُ الثَّاني: إذا ادَّعى اثنانِ عَينًا، وهيَ في يَدِ غَيرِهما (في يَدِ طَرَفٍ ثالِثٍ)، أُقرِعَ بَينَهما، فمَن خَرَجَت له قُرعَتُه حَلَفَ وأخَذَ العَينَ، وهو مَذهَبُ الحَنابِلةِ [865] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 263)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 395،393). ؛ وذلك لتَساويهِما في عَدَمِ اليَدِ، فيَصيرانِ كَمَن لا بَيِّنةَ لَهما [866] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 395). .
القَولُ الثَّالِثُ: يُقضى بالشَّيءِ بَينَهما نِصفَينِ [867] الفَرقُ بَينَ هذا القَولِ والقَولِ الأوَّلِ: أنَّ الحَنَفيَّةَ يَحكُمونَ لَهما بالدَّعوى، ولَم يُسقِطوا البَيِّنةَ، وأمَّا المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ فإنَّهم يُسقِطونَ البَيِّنةَ لتَعارُضِهما، ويَحكُمونَ بالحَلِفِ. إلَّا أن يَكونَ تاريخُ أحَدِهما أسبَقَ، فيُقضى له به، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [868] يَستَثني الحَنَفيَّةُ هذا الحُكمَ: إذا تَقدَّمَ التَّاريخُ حُكِمَ للمُتَقدِّمِ مِنهُما. ((بداية المبتدي)) للمرغيناني (ص: 168)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 315). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لعَدَمِ الأولَويَّةِ لأيٍّ مِنهُما [869] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 315). .
ثانيًا: لأنَّهما استَويا في سَبَبِ الِاستِحقاقِ، وهو قابِلٌ للِاشتِراكِ، فيَستَويانِ في الِاستِحقاقِ، كالموصى لَهما بأن أوصى لكُلِّ واحِدٍ مِنهُما بالثُّلُثِ؛ فإنَّه يُقسَمُ الثُّلُثُ بَينَهما نِصفَينِ [870] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 316). .
ثالثًا: لأنَّ البَيِّناتِ مِن حُجَجِ الشَّرعِ، فيَجِبُ العَمَلُ بها ما أمكَنَ، وقد أمكَنَ هُنا؛ لأنَّ الأيديَ قد تَتَوالى في عَينٍ واحِدةٍ في أوقاتٍ مُختَلِفةٍ، فيَعتَمِدُ كُلُّ فريقٍ ما شاهَدَ مِنَ السَّبَبِ المُطلَقِ للشَّهادةِ، وهو اليَدُ، فيُحكَمُ بالتَّنصيفِ بَينَهما [871] يُنظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (4/ 316). .

انظر أيضا: