الموسوعة الفقهية

المَطلَبُ الثَّاني: السُّكوتُ أوِ الِامتِناعُ عَنِ الجَوابِ


اختَلَفَ الفُقَهاءُ إذا سَكَتَ أوِ امتَنَعَ المُدَّعى عليه عَنِ الجَوابِ: هَل يُعَدُّ إنكارًا أو نُكولًا [826] والفَرقُ بَينَ الإنكارِ والنُّكولِ: أنَّه إذا أنكَرَ طولِبَ أن يَحلِفَ، فإن حَلَفَ حُكِمَ له، وأمَّا إذا نَكَلَ حُكِمَ للمُدَّعي؛ لأنَّ نُكولَه يُنزَّلُ مَنزِلةَ الإقرارِ.        ، على ثلاثةِ أقوالٍ:
القَولُ الأوَّلُ: يُعتَبَرُ سُكوتُه نُكولًا [827] أي: أنَّه يُحكَمُ للمُدَّعي مِن غَيرِ استِحلافٍ.               ، وهو مَذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّةِ [828] يَكونُ الحُكمُ عليه بَعدَ مُحاولةِ إجبارِه على الجَوابِ بإقرارٍ أو إنكارٍ. ((التاج والإكليل)) للمواق (8/ 133)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 151).    ، والشَّافِعيَّةِ [829] ((تحفة المحتاج)) لابن حجر الهيتمي (10/ 308)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 347). ، والحَنابِلةِ [830] ((المبدع في شرح المقنع)) لبرهان الدين ابن مفلح (8/ 191)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 340). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: يُعَدُّ امتِناعُه هذا إقرارًا مِنه بالحَقِّ، فيُحكَمُ للمُدَّعي مِن غَيرِ أن تُرَدَّ عليه اليَمينُ [831] يُنظر: ((الفواكه الدواني)) للنفراوي (2/ 222)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/ 151). .
ثانيًا: قياسًا على الحُكمِ للمُدَّعى عليه باليَمينِ يُحكَمُ عليه بالنُّكولِ عَنه، والجامِعُ بَينَهما أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَ القَولَينِ طَريقٌ إلى ظُهورِ الحَقِّ [832] يُنظر: ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 340). .
القَولُ الثَّاني: يُعتَبَرُ سُكوتُه إنكارًا، وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [833] يَرى أبو حَنيفةَ أنَّه لا يُستَحلَفُ بَل يُحبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أو يُنكِرَ، ويَرى الصَّاحِبانِ أن يُستَحلَفَ. ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 203)، ((مجمع الأنهر)) لداماد أفندي (2/ 253)، ((مجلة الأحكام العدلية)) (ص: 371). ، وقَولٌ للشَّافِعيَّةِ [834] ((تحفة المحتاج) لابن حجر الهيتمي (10/ 308)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (8/ 347). ؛ وذلك لأنَّ السُّكوتَ قائِمٌ مَقامَ الإنكارِ؛ لأنَّ المُنكِرَ مانِعٌ، والسَّاكِتَ كَذلك، والإنكارَ مُنازَعةٌ بالقَولِ، وفي السُّكوتِ مُنازَعةٌ بالفِعلِ، وهو الِامتِناعُ عَنِ التَّسليمِ [835] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 162). .
القَولُ الثَّالِثُ: يُحبَسُ حَتَّى يُجيبَ، وهو قَولُ أبي يوسُفَ، وعليه الفَتوى [836] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 203)، ((مجمع الأنهر)) لداماد أفندي (2/ 253). ، وقولُ ابنِ أبي ليلى [837] ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 162)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (7/ 203). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: لأنَّ الجَوابَ مُستَحَقٌّ عليه، فإذا امتَنَعَ مِن إيفاءِ ما هو مُستَحَقٌّ عليه مَعَ قُدرَتِه على ذلك أجبَرَه القاضي على إيفائِه بالحَبسِ [838] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 162). .
ثانيًا: شَرطُ قَبولِ البَيِّنةِ إنكارُ المُدَّعى عليه، فلا بُدَّ أن يُجبِرَه القاضي حَتَّى يُجيبَ بالإقرارِ، فيَتَوصَّلَ به المُدَّعي إلى حَقِّه، أو بالإنكارِ فيَتَمَكَّنَ مِن إثباتِ حَقِّه بالبَيِّنةِ [839] يُنظر: ((المبسوط)) للسرخسي (30/ 162). .

انظر أيضا: