الموسوعة الفقهية

فرعٌ: مَوتُ مَن ولَّى القاضيَ


لا يَنعَزِلُ القاضي بمَوتِ السُّلطانِ الذي ولَّاه القَضاءَ، وذلك باتِّفاقِ المَذاهِبِ الفِقهيَّةِ الأربَعةِ: الحَنَفيَّةِ [717] ((البحر الرائق)) لابن نجيم (6/282)، ((الفتاوى الهندية)) (3/317). ، والمالِكيَّةِ [718] ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (7/234)، ((الشرح الكبير)) للدردير (4/133،134). ، والشَّافِعيَّةِ [719] ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/444)، ((روضة الطالبين)) للنووي (11/127،128). ، والحَنابِلةِ [720] ((الإنصاف)) للمرداوي (11/170)، ((الإقناع)) للحجاوي (4/367). ، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك [721] قال الماوَرديُّ: (قد قَلَّدَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَتَّابَ بنَ أسيدٍ قَضاءَ مَكَّةَ وصَدَقاتِ أهلِها، فلَمَّا ماتَ اختَبَأ عَتَّابٌ وامتَنَعَ مِنَ القَضاءِ، فأظهَرَه سُهَيلُ بنُ عَمرٍو، وقال: إن يَكُنْ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد ماتَ، فإنَّ المُسلِمينَ باقونَ، فعادَ عَتَّابٌ إلى نَظَرِه، ولَم يُنكِرْ ذلك عليه أحَدٌ مِنَ الصَّحابةِ، فصارَ إجماعًا). ((الحاوي)) (16/334). وقال ابنُ السِّمنانيِّ: (اعلَمْ أنَّ أصحابَنا قالوا: إذا ماتَ الخَليفةُ أو خُلِعَ، ولَه قُضاةٌ قد ولَّاهم، فإنَّهم على ما كانوا عليه، نافِذةٌ أحكامُهم ماضيةٌ قَضاياهم؛ لأنَّ القُضاةَ قُوَّامُ المُسلِمينَ وأعوانُ الدِّينِ، وهو عَقدٌ ماضٍ على المُسلِمينَ، فلا يَبطُلُ بمَوتِ مَن عَقدَه، كما أنَّ الإمامةَ لا تَبطُلُ بمَوتِ أهلِ الحَلِّ والعَقدِ. فحُكمُ القاضي في الوِلايةِ حُكمُ أهلِ الحَلِّ والعَقدِ، وكَما لا نُبطِلُ وِلايةَ الإمامِ بمَوتِ مَن ولَّاه، فكَذلك لا تَبطُلُ وِلايةُ القاضي إذا ماتَ مَن ولَّاه، وكَذلك قاضي القُضاةِ إذا ماتَ لا تَبطُلُ وِلايةُ قُضاتِه بمَوتِه، كما لا تَبطُلُ وِلايَتُه بمَوتِ الخَليفةِ الذي ولَّاه. ولا أعرِفُ في هذا خِلافًا بَينَ العُلَماءِ؛ لأنَّ العُلَماءَ على قَولَينِ؛ مِنهُم مَن قال: ليس للخَليفةِ أن يَعزِلَه بَعدَ وِلايَتِه بقَولِه، ومِنهُم مَن قال: له ذلك، وهم أصحابُنا. وفي المَوتِ نَصُّوا على أنَّه لا تَبطُلُ وِلايَتُهـ). ((روضة القضاة)) (1/151). .
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ القاضيَ ليس نائِبًا عَنِ السُّلطانِ، وإنَّما نائِبٌ عَنِ المُسلِمينَ، فلا يَنعَزِلُ بمَوتِه [722] يُنظر: ((الإقناع)) للحجاوي (4/368). .
ثانيًا: أنَّ في انعِزالِ القاضي بمَوتِ السُّلطانِ ضَرَرًا عَظيمًا؛ فإنَّ البُلدانَ تَتَعَطَّلُ مِنَ القَضاءِ إلى أن يُنَصَّبَ السُّلطانُ، ثُمَّ يُنَصِّبَ القُضاةَ [723] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (10/90)، ((العزيز شرح الوجيز)) للرافعي (12/444). .
ثالثًا: قياسُ القَضاءِ على الإمامةِ العُظمى في عَدَمِ البُطلانِ بمَوتِ المُولِّي [724] وذلك أنَّ الإمامةَ لا تَبطُلُ بمَوتِ أهلِ الحَلِّ والعَقدِ الذينَ نَصَبوا الإمامَ. ، بجامِعِ كَونِهما عَقدًا ماضيًا على المُسلِمينَ [725] يُنظر: ((روضة القضاة)) لابن السمناني (1/151). .
رابعًا: قياسُ عَقدِ تَنصيبِ القُضاةِ مِنَ السُّلطانِ على عَقدِ الوليِّ النِّكاحَ على مُوَلِّيَتِه في عَدَمِ فسخِ العَقدِ بمَوتِ العاقِدِ [726] يُنظر: ((الممتع في شرح المقنع)) لابن المنجى (4/515). .

انظر أيضا: