الموسوعة الفقهية

الفَرعُ الأوَّلُ: تَغَيُّرُ اجتِهادِ القاضي


إذا تَغَيَّرَ اجتِهادُ القاضي فلا تُنقَضُ أحكامُه السَّابِقةُ [145] كَأن يَقضيَ القاضي في قَضيَّةٍ مُعَيَّنةٍ باجتِهادِه، ثُمَّ تُرفَعَ له قَضيَّةٌ أُخرى مِثلُ القَضيَّةِ الأولى فيَحكُمَ فيها بحُكمٍ مُختَلِفٍ يَتَغَيَّرُ فيها اجتِهادُه عَنِ الحُكمِ الأوَّلِ؛ فالحُكمُ في القَضيَّةِ الثَّانيةِ لا يَنقُضُ القَضيَّةَ الأولى التي قَضى بها. .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الآثارِ
عَنِ الحَكَمِ بنِ مَسعودٍ الثَّقَفيِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: (شَهِدتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أشرَكَ الإخوةَ مِنَ الأبِ والأُمِّ مَعَ الإخوةِ مِنَ الأُمِّ في الثُّلُثِ، فقال له رَجُلٌ: لَقد قَضَيتَ عامَ أوَّلٍ بغَيرِ هذا. قال: كَيفَ قَضَيتُ؟ قال: جَعَلتَه للإخوةِ مِنَ الأُمِّ، ولَم تَجعَلْ للإخوةِ مِن الأبِ والأُمِّ شَيئًا. قال: تلك على ما قَضَينا، وهذه على ما قَضَينا) [146] أخرجه الدارمي (671) مختصرًا، وعبد الرزاق (19005)، والبيهقي (20400) واللفظ له. قال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (1/580): إسنادُه صالحٌ. .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه في كِلا الِاجتِهادَينِ قَضى بما ظَهَرَ له أنَّه الحَقُّ، ولَم يَمنَعْه القَضاءُ الأوَّلُ مِنَ الرُّجوعِ إلى الثَّاني [147] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (1/ 86). .
ثانيًا: من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حَزمٍ [148] قال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفَقوا على أنَّه لا يَحِلُّ لمُفتٍ ولا قاضٍ أن يَحكُمَ بما يَشتَهي مِمَّا ذَكَرنا في قِصَّةٍ، وبِما اشتَهى مِمَّا يُخالِفُ ذلك في أُخرى مِثلِها، وإن كانَ كِلا القَولَينِ مِمَّا قال به جَماعةٌ مِنَ العُلَماءِ، ما لَم يَكُنْ ذلك لرُجوعٍ عَن خَطَأٍ لاحَ له إلى صَوابٍ بانَ لهـ). ((مراتب الإجماع)) (ص: 58). ، وابنُ قُدامةَ [149] قال ابنُ قُدامةَ: (أمَّا إذا تَغَيَّرَ اجتِهادُه مِن غَيرِ أن يُخالِفَ نَصًّا ولا إجماعًا، أو خالَفَ اجتِهادُه اجتِهادَ مَن قَبلَه، لَم يَنقُضْه لمُخالَفَتِه؛ لأنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهُم أجمَعوا على ذلك). ((المغني)) (10/ 51). ، وابنُ القَيِّمِ [150] قال ابنُ القَيِّمِ: (قَضى عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه في امرَأةٍ توفِّيَت وتَرَكَت زَوجَها وأُمَّها، وأخَويها لأبيها وأُمِّها، وأخَويها لأُمِّها، فأشرَكَ عُمَرُ بَينَ الإخوةِ للأُمِّ والأبِ والإخوةِ للأُمِّ في الثُّلُثِ، فقال له رَجُلٌ: إنَّكَ لَم تُشرِكْ بَينَهم عامَ كَذا وكَذا، قال عُمَرُ: تلك ما قَضَينا يَومَئِذٍ، وهذا ما قَضَينا اليَومَ، فأخَذَ أميرُ المُؤمِنينَ في كِلا الِاجتِهادَينِ بما ظَهَرَ له أنَّه الحَقُّ، ولَم يَمنَعْه القَضاءُ الأوَّلُ مِنَ الرُّجوعِ إلى الثَّاني، فجَرى أئِمَّةُ الإسلامِ بَعدَه على هَذَينِ الأصلَينِ). ((إعلام الموقعين)) (1/ 86).    ، والأسيوطيُّ [151] قال الأسيوطيُّ: (اتَّفَقوا على أنَّ الحاكِمَ إذا حَكَمَ باجتِهادِه، ثُمَّ بانَ له اجتِهادٌ يُخالِفُه، فإنَّه لا يُنقَضُ). ((جواهر العقود)) (2/ 293) .

انظر أيضا: